توقيع بروتوكول اجتماعات للجنة المصرية الروسية المشتركة للتعاون التجارى والاقتصادى    خوسيه موخيكا.. محطات فى حياة أفقر رئيس فى العالم.. رفض الإقامة فى القصر الرئاسى.. تبرع بمعظم راتبه الرئاسى لدعم الإسكان الاجتماعى..قاد إصلاحات اجتماعية وقنن الإجهاض وزواج المثليين.. ووصى بدفنه بجوار كلبته    ريفيرو مدرب الأهلي المنتظر: بدأت من الصفر.. وما حققته لم يكن صدفة    رئيس اتحاد الدراجات يكرم رموز اللعبة على هامش البطولة الأفريقية للمضمار    نكشف حقيقة تجميد محمد عواد فى الزمالك بعد الأخطاء أمام بيراميدز    حسام عاشور يكشف كواليس مكالمة الخطيب    محافظ الدقهلية: صرف 50 ألف جنيه لكل حالة وفاة بحادث حريق مخزن الخردة    يسرا على السجادة الحمراء لفيلم توم كروز Mission: Impossible بمهرجان كان    محافظ شمال سيناء يستقبل وفدا من حزب الجبهة الوطنية    بتوجيهات رئاسية.. استراتيجية تعليمية متطورة وجيل قادر على مواجهة التحديات    موعد أطول إجازة رسمية في 2025 وقائمة العطلات المتبقية    حظر تشغيلهم قبل ال 15.. كيف حدد القانون ضوابط عمل الأطفال؟    أحكام رادعة في اتهام 28 شخصًا بتصوير شابين بملابس نساء    مسؤول سابق بالبنتاجون: الناتو يحتاج لتعزيز الدفاع وزيادة الإنفاق    مصطفى كامل يطرح أحدث أغانيه «قولولي مبروك»|فيديو    أمين الفتوى: صلاة المرأة في المنزل خلف إمام المسجد في المنزل غير صحيحة شرعًا    أهمها النوم جيدا.. نصائح طبية ليلة الامتحان لزيادة تركيز الطلاب بمختلف المراحل التعليمية    استمرار حبس محمد غنيم.. وموكله: ننتظر تحديد جلسة محاكمته    "البترول": "مودرن جاس" تنتهي من تنفيذ مشروع متكامل للغاز الطبيعي بالإمارات    وفد مصري يستعرض خطة تنظيم بطولة العالم للجامعات للسباحة بالزعانف أمام الاتحاد الدولي في لوزان    خدعة في زجاجة مياه.. حكاية شاب أنهى حياة خالته بقطرة سامة بالجيزة    أمين الفتوى يحذر من استخدام المياه في التحديات على السوشيال ميديا: إسراف وتبذير غير جائز شرعًا    الإنقاذ النهري يكثف جهوده للعثور على جثمان غريق بالأقصر    نصائح لاستخدام المراوح والتكييفات بشكل آمن على الأطفال    مسئول أممي: منع وصول المساعدات إلى غزة «يُفضي إلى الموت»    ضبط سلع غذائية منتهية الصلاحية بمركز أخميم فى سوهاج    هل من حقي أن أطلب من زوجي تعديل مظهره وهيئته؟.. أمين الفتوى: يجوز في هذه الحالة    بعد رحيله.. من هو أفقر رئيس في العالم خوسيه موخيكا؟    خطة ترامب لخفض الضرائب تجتاز خطوة مهمة في مجلس النواب    سيدات الزمالك يتأهلن إلى الدوري الممتاز ب لكرة السلة    «مش هعرف أمد ايدي عليها».. فتحي عبدالوهاب يكشف كواليس ضربه ل ريهام عبدالغفور    5 أبراج يتألق أصحابها في الإبداع والفن.. هل برجك من بينها؟    دعم إيجاري وإنهاء العلاقة بعد سنوات.. "الاتحاد" يعلن عن مشروع قانون للإيجار القديم    لعدم تواجد طبيب.. وكيل صحة الشرقية يجري جراحة لطفل أثناء زيارة مفاجئة ل"أبو حماد المركزي"    عبلة الألفى ل الستات: الدولة نفذت 15 مبادرة صحية منهم 60% للأطفال    إقامة معرض في هونج كونج لعرض كنوز من المتاحف المصرية.. 18 نوفمبر    تأجيل محاكمة قهوجي متهم بقتل شخص إلى جلسة 13 يوليو    استمرار فعاليات البرنامج التدريبي "إدراك" للعاملين بالديوان العام في كفر الشيخ    "الجبهة الوطنية" تعلن تشكيل أمانة ريادة الأعمال    جامعة الجلالة تنظّم أول نموذج محاكاة لجامعة الدول العربية    حجز محاكمة الطبيب المتهم بالتسبب في وفاة زوجة عبدالله رشدي للحكم    "الوثائقية" تعرض غدا فيلم "درويش.. شاعر القضية"    استقبالا لضيوف الرحمن فى البيت العتيق.. رفع كسوة الكعبة 3 أمتار عن الأرض    الجارديان: القصف الإسرائيلي على غزة ينذر بتصعيد خطير يبدد آمال وقف إطلاق النار    البنك المركزي: القطاع المصرفي يهتم كثيراً بالتعاون الخارجي وتبادل الاستثمارات البيني في أفريقيا    «أنا عندي نادي في رواندا».. شوبير يعلق على مشاركة المريخ السوداني في الدوري المصري    دار الإفتاء توضح الأدعية المشروعة عند وقوع الزلازل.. تعرف عليها    إيتيدا تشارك في المؤتمر العربي الأول للقضاء في عصر الذكاء الاصطناعي    وكيل عمر فايد يكشف ل في الجول حقيقة إبلاغه بالرحيل من فنربخشة    الوزير "محمد صلاح": شركة الإنتاج الحربي للمشروعات تساهم في تنفيذ العديد من المشروعات القومية التي تخدم المواطن    الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء: 107.5 الف قنطار متري كمية الاقطان المستهلكة عام 2024    السبت ببيت السناري.. انطلاق أمسية شعرية في افتتاح فعاليات ملتقى «القاهرة .. أصوات متناغمة»    براتب 7 آلاف ريال .. وظيفة مندوب مبيعات بالسعودية    محافظ الشرقية: لم نرصد أية خسائر في الممتلكات أو الأرواح جراء الزلزال    للمرة الثالثة.. محافظ الدقهلية يتفقد عيادة التأمين الصحي بجديلة    "معرفوش ومليش علاقة بيه".. رد رسمي على اتهام رمضان صبحي بانتحال شخصيته    ورش توعوية بجامعة بني سويف لتعزيز وعي الطلاب بطرق التعامل مع ذوي الهمم    أدعية يستحب ترديدها وقت وقوع الزلازل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أجل هزيمة الفقر.. ادفعوا للفقراء
نشر في الشروق الجديد يوم 16 - 01 - 2011

تراجع مستوى التفاوت الاقتصادى فى البرازيل فى الفترة من 2003 حتى 2009 بمعدل أسرع من نظيره فى أى دولة أخرى. فقد ارتفع دخل الفقراء هناك فى نفس الفترة تسعة أمثال ارتفاع دخل الأغنياء، كما تراجع معدل الفقر من 22% إلى 7% من إجمالى عدد السكان.
وعلى النقيض من ذلك لم يزد دخل الطبقتين الدنيا والوسطى فى أمريكا بالرغم من تزايد إنتاجيتهما فى الفترة من 1980 حتى 2009، وذهبت أكثر من أربعة أخماس الزيادة فى الدخل إلى ال1% الأعلى دخلا. وإذا استمر هذا التوجه، سيظهر جليا فى الأمد القريب مدى التفاوت بين أمريكا والبرازيل فيما يخص سياسة العدل فى توزيع الدخول.
وقد ساهم عدد من العوامل فى هذا التحول المذهل الذى تشهده البرازيل، ولعل العامل الأكبر يعود إلى واحد من البرامج الاجتماعية التى تستخدمها العديد من الدول فى مساعدة فقرائها، وتستخدمه البرازيل تحت مسمى «منحة الأسرة». وتبنته المكسيك وأطلقت عليه «برنامج الفرص» ومكنها من الحد من مستوى الفقر هناك بصورة ملحوظة. ولعل المصطلح العام المعبر عن هذا البرنامج هو «التحويلات النقدية المشروطة»، وتقوم هذه الفكرة على تقديم مدفوعات نقدية بصورة منتظمة للأسر الفقيرة، فى شكل نقود أو تحويلات إلكترونية على حسابات هذه الأسر فى البنوك، وذلك فى مقابل الوفاء بشروط بعينها تختلف من بلد إلى آخر. لكن العديد من البلدان حذت حذو المكسيك وطبقت الشروط التالية: يجب على الأسر إبقاء أبنائها فى المدرسة، والالتزام بإجراء فحوص طبية منتظمة؛ ويجب على الأمهات حضور ورش عمل حول موضوعات مثل التغذية أو الوقاية من الأمراض. وفى أغلب الأحيان، تذهب هذه المدفوعات إلى النساء لرعاية أسرهن، وترتكز فكرة التحويلات النقدية المشروطة على مكافحة الفقر الآن والحد منه فى المستقبل.
●●●
يشمل «برنامج الفرص» فى المكسيك حاليا حوالى ستة ملايين أسرة أو نحو 30% من السكان. وتتلقى الأسرة التى توفى بشروط البرنامج كاملة منحة شهرية قدرها 123 دولارا، كما يزود الطلبة بالأموال الكافية للحصول على لوازم المدرسة ويتلقى الأبناء الذين ينتهون من المدرسة الثانوية فى الوقت المحدد منحة تقدم لمرة واحدة قدرها 300 دولار.
أما «منحة الأسرة» المطبقة فى البرازيل فهى تتضمن الشروط نفسها، غير أن حجم ما تقدمه يفوق نظيرتها فى المكسيك. وكان تطبيق برنامج التحويلات النقدية المشروطة فى البرازيل قد بدأ قبل تولِّى الرئيس لويى إناسيو لولا دا سيلفا الحكم. لكن دا سيلفا دعم هذه البرامج ووسع نطاقها، حيث تشمل فى الوقت الراهن نحو 50 مليون شخص، أى ربع سكان البلاد تقريبا. ووفقا للمنحة، تتلقى الأسرة الفقيرة نحو 13 دولارا شهريا عن كل طفل عمره 15 عاما أو أقل ويذهب إلى المدرسة، بحد أقصى ثلاثة أطفال. وبوسع تلك الأسر الحصول على مبلغ إضافى قدره 19 دولارا شهريا لكل طفل فى عمر السادسة عشرة أو السابعة عشرة، ومازال يذهب إلى المدرسة بحد أقصى طفلان. وتتلقى الأسر التى تعيش فى فقر مدقع معونة أساسية غير مشروطة قيمتها نحو 40 دولارا.
تبدو المبالغ الثلاثة ضئيلة لدرجة قد يراها البعض لا تعمل على الحد من الفقر، لكن الأسرة التى تعيش فى فقر مدقع فى البرازيل يتضاعف دخلها عندما تتلقى المعونة الأساسية. وقد تأكد منذ زمن بعيد أن منحة الأسرة أدت إلى تراجع الفقر فى البرازيل. وإضافة إلى ذلك، كشفت الأبحاث التى أُجريت مؤخرا عن الدور الذى تلعبه هذه المنحة فى الحد من التفاوت الاقتصادى فى هذا البلد.
يعمل البنك الدولى وبنك التنمية للدول الأمريكية مع كل حكومة على حدة من أجل نشر هذه البرامج حول العالم وتقديم المساعدة الفنية والقروض. وفقا للبنك الدولى، توجد فى أمريكا اللاتينية وحدها 14 دولة تطبق برنامج التحويلات النقدية المشروطة، إلى جانب 26 بلدا من بلدان العالم الأخرى.
ويحارب البرنامج الفقر بطريقتين، أولاهما بسيطة وتتضمن تقديم الأموال إلى الفقراء. وقد أثبتت هذه الطريقة جدواها، حيث حققت كلٌ من البرازيل والمكسيك نجاحا كبيرا فى قصر المستفيدين من هذه الأموال على الفقراء. بالإضافة إلى المساهمة فى تقليص معدلات الفقر المدقع هناك بشكل ملحوظ.
وتتمثل الطريقة الثانية فى منح الأطفال مستوى أعلى من التعليم والصحة. وتشير الأبحاث إلى نجاح برامج التحويلات النقدية المشروطة فى المكسيك والبرازيل حيث جعلت الناس فى حالة صحية أفضل، وحافظت على بقاء الأطفال فى المدارس.
تجدر الإشارة إلى انخفاض حالات سوء التغذية والأنيميا والتقزم فى المكسيك، كما تراجعت نسبة المرض بين الأطفال والبالغين بشكل عام، وانخفضت نسبة وفيات المواليد ووفيات الأمهات أثناء الولادة.
وتزايدت نسبة استخدام وسائل منع الحمل فى المناطق الريفية، وتناقصت نسبة حمل المراهقات، لكن التأثير الأهم لهذه البرامج يصبح أكثر وضوحا فى التعليم.
ذلك أن الأطفال المستفيدين من برنامج الفرص قلما يرسبون، كما أنهم يقطعون فى التعليم شوطا أكبر، مقارنة بمن لم يستفيدوا من هذا البرنامج. وفى الوقت نفسه، انخفضت نسبة عمالة الأطفال. وفى الريف ارتفعت نسبة الأطفال الذين يذهبون إلى المدارس الإعدادية بمقدار 42%. وتزايدت نسبة تسجيل الأبناء بالمدارس الثانوية بمعدل 85%، وهو ما يُعتبر تطورا ضخما. وتظهر الآثار الأكبر على التعليم لدى الأسر التى ينخفض فيها مستوى تعليم الأمهات. وقد استفاد السكان الأصليون بشكل خاص من هذه البرامج، حيث بقوا فى المدارس فترة أطول من غيرهم.
وكان لبرنامج منحة الأسرة الأثر نفسه فى البرازيل، حيث أشارت دراسة حديثة إلى أن البرنامج أدى إلى زيادة معدلات الذهاب إلى المدرسة والتقدم فيها خاصة فى شمال شرق البلاد، حيث كانت نسبة الالتحاق بالمدارس فى مستواها الأدنى، خاصة بين البنات اللاتى يتركن المدرسة بمعدلات تزيد عن نظيراتها لدى الأولاد. كما أشارت الدراسة نفسها إلى الأثر الإيجابى لبرنامج منحة الأسرة على أوزان الأطفال، ومعدلات تلقيهم التطعيمات، وحصولهم على رعاية ما قبل الولادة.
وعندما سافرت إلى المكسيك فى 2008 من أجل الكتابة عن برنامج الفرص، التقيت الأسرة تلو الأخرى، وكانت قصة كل منها قبل البرنامج تختلف عنها بعده. ذلك أن الوالدين اللذين يعملان فى قص الحشائش بالمنجل أصبح لديهما بفضل البرنامج أبناء انتهوا من التعليم الثانوى ويدرسون حاليا المحاسبة أو التمريض. وفى بعض الأسر، وبالرغم من أن الأبناء الكبار والصغار على حد سواء يعانون من سوء التغذية، فإن الصغار كانوا فى صحة أفضل، وفى مدينة فينوستيانو كارانسا فى ولاية بويبلا فى المكسيك، قابلت هورتنسيا ألفاريس مونتس، وهى أرملة تبلغ من العمر 54 عاما، تحصل على دخلها من غسيل الملابس، حيث تركت التعليم وهى فى الصف السادس الابتدائى، وهو ما حدث مع أبنائها الكبار الثلاثة. ومكن البرنامج طفلتيها الصغيرتين من الاستمرار فى المدرسة. وعندما زرتها كانتا قد أكملتا تعليمهما الثانوى. وقالت لى إحداهما إنها تنوى الالتحاق بالجامعة.
وفى الدول الأخرى، مازالت برامج التحويلات النقدية المشروطة أحدث عهدا وأضيق نطاقا. ومع ذلك، تشير العديد من الأبحاث إلى أنها ساهمت فى زيادة الاستهلاك والحد من الفقر وزيادة معدل الالتحاق بالمدرسة والاستفادة من الخدمات الصحية.
وإذا طبقت برامج التحويلات النقدية المشروطة بصورة صحية، ستتولد الحاجة إلى زيادة عدد المستشفيات والعيادات ومراكز الخدمات الأخرى. إلا أن الحكومات لا تستطيع الحفاظ دوما على كفاءة تلك البرامج كما هو الحال فى البرازيل والمكسيك. فتخيل حجم التحدى فى بلدان أخرى أكثر فقرا مثل هندوراس أو تنزانيا.
وإذا طُبِقت برامج التحويلات النقدية المشروطة بصورة صحيحة، فسوف تكون هناك حاجة إلى زيادة عدد المستشفيات والعيادات. لكن الحكومات لا تستطيع الوفاء دوما بهذا الشرط وأحيانا ما توفى به عبر تخفيض الكفاءة. وإذا كانت هذه المشكلة موجودة فى بلدان متوسطة الدخل كالمكسيك والبرازيل، فتخيل حجم التحدى فى بلدان مثل هندوراس أو تنزانيا.
تعتبر برامج التحويلات النقدية المشروطة حجة قوية تؤكد خطأ رؤى جماعة من المتشككين الذين يعتقدون أن البرامج الاجتماعية لا يكتب لها النجاح فى الدول الفقيرة، وان معظم ما ينفق على هذه البرامج يتم سرقته. حيث أثبتت التجربة نجاحا هائلا فى مساعدة الفئات الأكثر احتياجا فى العالم عبر أقل درجة من التبديد أو الفساد أو التدخلات السياسية. ويستحق كل برنامج حقق النجاح فى أى بقعة فى العالم أن نحتفى به، وأن تعاد تجربته فى أماكن أخرى على نطاق ما حدث فى البرازيل والمكسيك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.