الواحدة صباحا.. الراكب المتجه إلى ميدان السيدة عائشة ينبه سائق التاكسى ألا يسلك طريق كوبرى الأزهر، لأنه منذ يومين أضاع أكثر من ساعة فوق الكوبرى بسبب الزحام الذى فى ميدان الحسين...» لكنه يعرب عن ارتياحه: «الواحد مبسوط إن الرجل رجعت تدب فى الحسين تانى».
لكن السائق يرد أن الزحام لا يعنى بالضرورة أن الرجل بتدب لأن اليوم هو الخميس وغدا الجمعة إجازة: «وأهالى المنطقة والمناطق القريبة بينزلوا يتسحروا ويصلوا الفجر».
السائق يوضح أنه ربما تجد زحاما «خفيفا» فى باقى أيام الأسبوع، لكن بمجرد انتهاء شهر رمضان «هيرجع الحال زى الأول، والقهاوى والمطاعم مش هتلاقى زبون واحد».
يكمل السائق: «وحتى الزحمة اللى حاصلة فى رمضان، بتكون على المطاعم والقهاوى، لكن باقى المحلات اللى كانت بتشتغل على السياح وتبيع لهم السلع السياحية، أصحابها بيعيطوا، ولو مش مصدقنى، أدخل خان الخليلى وشوف عامل إزاى».
يتذكر الراكب الخبر الذى قرأه منذ أسبوعين تقريبا، عن شارع خان الخليلى تحديدا والذى يؤكد كلام السائق، حول تجمهر العشرات من أصحاب البازارات السياحية، فى شارع خان الخليلى، وقيامهم بقطع الطريق فى شارع الأزهر بالحواجز الحديدية للمطالبه بتحسين أوضاعهم المعيشية التى ساءت بعد انتشار البلطجية وامتناع السياح عن دخول المنطقة.
الأجواء السابقة، تسير فى نفس السياق الذى يمشى فيه حديث كثير من العاملين بالمنطقة، فأصحاب المحلات ضجروا من كثرة الحديث دون فعل، يقول أحدهم: «تعبنا من كتر الكلام، الأحوال تتدهور، المفروض إن الحال يكون أحسن بعد الثورة، لكن إحساس السياح إن مفيش أمن بيخليهم ميجوش».
أحد المرشدين السياحيين منزعج مما يجرى فى سيناء، تحمل لهجته الكثير من التهكم: «إنت فاكر إن اللى حصل ده هيأثر على سينا لوحدها، إنزل البازارات فى خان الخليلى أو حتى روح المتحف المصرى أو القلعة واتفرج وشوف كام سايح هتلاقيه هناك. إحنا فى ورطة كبيرة».
تستكمل الكلام مرشدة سياحية أخرى: «زمان كنت أطلع مع الأفواج إلى المناطق السياحية داخل القاهرة مرة أو اتنين فى الأسبوع، وأقول أنا مشتغلتش، إنهاردة لو طلعت مرة فى الشهر يبقى كويس».
غير أن هناك من يرى الأمر بشكل أكثر تشاؤما، مثل حسين المنياوى، وهو أحد المصورين السياحيين الذين يعملون فى منطقة الحسين وخان الخليلى وغيرها من المناطق السياحية.
«الشغل بقى قليل جدا، ومبنزلش كتير، ويا دوبك الدنيا ماشية».. يختتم حسين الحديث.
مقهى الفيشاوى.. شهرة عالمية واستراحة للأدباء والفنانين
على رغم شهرته الواسعة، يقع مقهى الفيشاوى فى أحد الحارات الضيقة المجاورة لمسجد الحسين، ذلك أن وقت إنشائه لم يكن مزدحما بالمحال والمقاهى كما هو الحال الآن.
فالمقهى يرجع إلى عام 1797، إلا أن شهرته التى تصل للعالمية، ترجع لعلاقته بالأديب العالمى نجيب محفوظ الذى كان دائم الجلوس به. ورغم أن المنطقة باتت مزدحمة بالمقاهى التى تحاول أخذ عبق التاريخ ببناء معمارى يبدو تاريخيا، إلا أنها لم تستطع خطف الأضواء من «الفيشاوى»، للدرجة التى تجد معها صعوبة فى إيجاد مكان خال قبل تراجع السياحة فى الفترة الأخيرة.
بدأ مقهى «الفيشاوى»، ببوفيه صغير أنشأه الحاج فهمى على الفيشاوى عام 1797 فى قلب خان الخليلى ثم توسع واشترى بعض المحال المجاورة له، فتحول المكان إلى مقهى كبير مكون من ثلاث غرف، أطلق عليها فيما بعد أسماء: «الباسفور»، «التحفة»، «القافية».
ويقال إن الأخيرة، جاء اسمها من أن الأحياء الشعبية قديما كانت تتبارى فى إطلاق القافيات على بعضها البعض، عن طريق شخص يمثلها، فيستمران فى المنازلة الكلامية حتى يسكت أحدهما الآخر.
وكان للمقهى دائما رواد من المشاهير، غير نجيب محفوظ، فمنهم: جمال الدين الأفغانى والشيخ محمد عبده والرئيس الجزائرى بوتفليق، بالإضافة إلى عدد كبير من الفنانين، مثل: أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ وفريد الأطرش وسميحة أيوب وكمال الشناوى وعزت العلايلى وفاروق الفيشاوى وليلى علوى ومحمود عبدالعزيز ونور الشريف وعادل أدهم وأحمد زكى.
خان الخليلى.. أمجاد أسطورية وقصص من ألف ليلة وليلة
المعروف أن منطقة الحسين، والمناطق المحيطة بها، خلدت فى عدد من الأعمال الأدبية، والسينمائية، والتاريخية، وزادها تخليدا ارتباطها باسم أهم كتاب مصر، الأستاذ نجيب محفوظ، وخاصة رواية خان الخليلى والحرافيش، وغيرها من الأعمال.
ومع البحث فى الكتب الحديثة، نسبيا، التى تناولت هذه المنطقة، نتوقف عند كتاب بديع، يتناول أهم وأشهر الشوارع فى القاهرة بعصورها المختلفة، مخصصا فصلا كاملا لشارع خان الخليلى.
الكتاب هو «القاهرة.. شوارع وحكايات» لحمدى أبو جليل، وهو ليس مجرد وصف عادى للشوارع التى تحدث عنها حمدى، لكن الأمر تطور به إلى فكرة: «البحث عن فصول قصة الشارع منذ بدايتها حتى اللحظة الراهنة»، فيكتشف أن الشوارع: «هى المجهر الأنسب لقراءة مدى تغير الأمم وتطورها، بل وأحيانا، انقلابها وتفككها».
يصف حمدى أبو جليل خان الخليلى بأنه: «ماركة مسجلة، تتصدر قائمة الأماكن المفضلة لزوار القاهرة من شتى بقاع الأرض.
لدرجة أن المؤرخ الإنجليزى «ستانلى لينبول»، يقطع بالقول بأن: «خان الخليلى وما حوله، هو المكان الذى صيغت فيه قصص وأساطير ألف ليلة وليلة.
ويبتعد أبوجليل عن اجتهادات المستشرقين، متحدثا عن خان الخليلى الذى نعاصره، فيرى أن ما يجعله هدفا لزوار القاهرة، أنه فى مجمله: «عبارة عن سوق رائجة للتحف والمجوهرات داخل دروبه المتشعبة والمتقاطعة، تتجاور وتتعانق فيه أحدث منتجات التكنولوجيا مع أقدم الصناعات والمنحوتات اليدوية.
أحد أصحاب محلات بيع التحف يؤكد للكاتب أن زبائنه يأتون من جميع أنحاء العالم على سمعة الخان وكتب المستشرقين التى تصفه بدقة مدهشة.
مراكز النشاط الثقافى بالحسين.. رحيق التاريخ
بين الحسين والأزهر، يقع عدد من الوكالات والبيوت الأثرية لعدد من أعيان القاهرة الفاطمية، تستغلها الدولة فى بعض الأنشطة الثقافية والعروض الفنية، للكبار والصغار.
بيت السحيمى:
هو بيت عربى تقليدى فى الدرب الأصفر الذى يتفرع من شارع المعز لدين الله. بنى البيت فى العام 1058 ه (1648 م). سمى البيت باسم آخر من سكنه وهو الشيخ محمد أمين السحيمى الحربى وهو الآن ملك للحكومة المصرية ويستخدم كمتحف للعمارة التقليدية على مساحة 2000 متر مربع، وله قسمان، القسم القبلى وهو الأقدم، بناه الشيخ عبدالوهاب الطبلاوى عام 1648 م، والقسم البحرى بناه الحاج إسماعيل شلبى عام 1699 م وقد ربط بالقسم الأول.
وهو مثال للبيوت العربية التقليدية بنكهة قاهرية، الدخول إلى البيت يكون من خلال المجاز الذى يؤدى إلى الصحن الذى توزعت فيه أحواض زرعت بالنباتات والأشجار. تفتح غرف البيت على الصحن.
وكالة وقبة الغورى:
وكالة قنصوه الغورى هى وكالة أو فندق أقيم فى عهد قنصوه الغورى سنة (909 ه- 1504 م. تقع فى شارع الأزهر، وتتكون من فناء مكشوف مستطيل التخطيط، تحيط به من جميع جوانبه قاعات على خمسة طوابق. واجهتها الرئيسية تقع فى الجهة الجنوبية وبها المدخل الرئيسى للوكالة. يتم الوصول إلى الطابق الأول عن طريق سلم حجرى، ويعتقد أن حوامل الطابقين الأرضى والأول كانت تستخدم مخازن للتجار، كما أن أغلب قاصدى هذه الوكالة كانوا أيضا من التجار.
وهى تتبع حاليا صندوق التنمية الثقافية وتستخدم فى إحياء التراث الفنى المصرى بشكل يواكب لغة العصر الحديث.
ومن الأنشطة الفنية التى تقام فيها، عروض فرقة سماع للإنشاد الدينى، ومشروع قبة الغورى لدراسة فن الخط العربى، وعروض فرقة الطبول النوبية.
بيت الغناء العربى قصر الأمير باشتاك:
بعدما تم ترميم قصر الأمير باشتاك بشارع المعز لدين الله الفاطمى، تقرر تخصيصه ليكون مقرا لبيت الغناء العربى كأحد مراكز الإبداع الفنى، حيث إن وظيفته تقديم الغناء العربى من ناحية، ودعم الأصوات الغنائية الجديدة من ناحية أخرى بالإضافة إلى العازفين الجدد.