بدأ الشيخ الغزالى إجابته عن هذا التساؤل بقوله: «إن سلامة القلب من العلل، وثبات وجهته إلى الخير تعنى الكثير من توفيق الله ورضوانه، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا ويشير إلى صدره». «ولكن كيف يكون القلب سليما وكيف يكون الضمير نقيا؟»، يقول الغزالى فى كتابه: «إن المرء فى طفولته يحب الظهور، ويسعده الثناء عليه، وقد يبذل جهودا شاقة فى سبيل ذلك.. إن الرياء ليس مستغربا على الطبيعة البشرية، فإرضاء الناس هدف حقيقى فى المراحل الأولى من العمر، ثم يكبر المرء وتسمو نظرته ويتجه إلى الله»، وبمعنى أوضح: «إن المرائى لا يرى إلا الناس، فهو يعمل لهم، أما المخلص فهو يرى رب الناس ولذلك يعمل له».
هذا الدين يوصى بإخلاص العمل لله، هذا ما يوضحه الغزالى فى كتابه «فالإنسان إذا أشرك الناس مع الله فى طلب الرضا رفض الله عمله، فالله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا له وحده، ومن ثم فالمؤمن حقا يجيد عمله ويؤدى واجبه، سواء رآه الناس أم لم يروه، وسواء أثنى عليه رؤساؤه أم لا، فإنه يحسن عمله على أية حال».
«عمل الضمير هنا هو تثبيت المرء على الوفاء بما عليه ولو احتقره الناس، وبالتالى فالانبعاث إلى العطاء يجب أن يكون بدوافع ذاتية، غايتها استرضاء الله، وإن جحد الخلق».
يقول تعالى: «يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ»،الشعراء: 88 ،89، هكذا يصف القرآن الكريم هذه الضمائر البارئة من العلل، فقلوب هؤلاء سليمة من الغش وجنون العظمة ولفت الأنظار، ومعنى هذا وفقا لكتاب الغزالى «إن الشخص الذى لا يعمل أو لا يجيد عمله إلا ابتغاء ثناء، فإن الخير عنده غرض عابر لا باعث أصيل.. إن قلبه فى الحقيقة ناضب من حب الخير والاندفاع الذاتى إليه.. إنه قلب غير سليم».
ولكن القلب قد يخالطه أو يدخله تطلعات دنيا إلى مال أو جاه، حيث إن الإيمان يطاردها، ويبقى الضمير متشبثا بربه، مؤثرا له وهذا ما يفسره قوله تعالى: «مَنْ خَشِىَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيب (33) ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ»، ق:33 ،34.
ومع ذلك لم يغفل الغزالى الإشارة فى كتابه إلى حب النفس للمال والجاه، حيث قال فى كتابه: «ليس غريبا على النفس أن تحب المال، ولكن هذه المحبة يجب أن تنهزم أمام وجه الله.. فإذا بحثنا عن أسباب الزلازل التى تهز كيان الأمم لوجدناها تلك الضمائر الميتة والقلوب المتيبسة».
الغزالى حاول وضع تعريف لذوى لأصحاب الضمير الحى وأيضا من ماتت ضمائرهم فلم يجد أفضل من الحديث النبوى الشريف: «ثلاثة يحبهم الله وثلاثة يبغضهم الله، فأما الذين يحبهم الله فرجل أتى قوما فسألهم بالله ولم يسألهم بقرابة بينه وبينهم فمنعوه فتخلف رجل بأعقابهم فأعطاه سرا لا يعلم بعطيته إلا الله والذى أعطاه، وقوم ساروا ليلتهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يعدل به نزلوا فوضعوا رءوسهم فقام أحدهم يتملقنى ويتلو آياتى، ورجل كان فى سرية فلقى العدو فهزموا وأقبل بصدره حتى يقتل أو يفتح له، والثلاثة الذين يبغضهم الله الشيخ الزانى والفقير المختال والغنى الظلوم».