تكمن خطورة «قنبلة المونة» فى كونها بدائية التصنيع، ويستلزم التعامل معها قدرا عاليا من الحذر والحيطة خوفا من انفجارها غير المتوقع فى أى وقت، فهى ذاتها التى أودت بحياة أكثر من شخص من مصنعيها وتجارها بسبب سوء تخزينها أو نقلها من مكان إلى آخر أو مجرد العبث بها، حيث إن كمية البارود وقطع الحديد الموجودة بها كافية لتدمير منزل أو سيارة، بحسب تقدير أحد تجارها. منذ فترة ليست ببعيدة أقدم صاحب مغسلة بمنطقة حدائق القبة على شراء «قنبلة مونة» لاستخدامها فى مشاجرة نشبت بينه وبين أحد الأشخاص، بسبب خلاف على ركنه لسيارته امام المغسلة، إلا أنه وأثناء العبث بها، انفجرت بين يديه وأودت بحياته فى الحال.
الامر نفسه تكرر فى مدينة طوخ، والتى شهدت حادثا مروعا قبل أيام حيث انفجرت تلك القنبلة داخل إحدى الشقق السكنية بالمدينة، وأسفرت عن مصرع ثلاثة أشخاص.
وظهرت تلك القنبلة بوضوح أثناء مهاجمة البلطجية لأنصار القوى الإسلامية والحركات الثورية الذين تظاهروا فى محيط وزارة الدفاع فى أبريل الماضى، والتى سميت وقتها بمذبحة العباسية، حيث استخدمها البلطجية فى مهاجمة المعتصمين بغرض إجبارهم على فض اعتصامهم، وخلفت وقتها عددا كبيرا من الإصابات بين صفوف المعتصمين.
«الشروق» تفتح ملف تلك الظاهرة التى انتشرت فى ظل غياب الأمن، وتزايد رواجها عقب احداث الثورة، فكانت سببا فى وقوع كل هذه الحوادث وغيرها، ومن ثم حاولنا التعرف على كيفية تصنيع وبيع ذلك النوع من القنابل، فذهبنا إلى احدى المناطق الشهيرة بتصنيعها والاتجار فيها وهى منطقة تسمى بعزبة أبوحشيش الواقعة على مقربة من منطقة غمرة بوسط القاهرة، نزلنا إلى المنطقة التى تشتهر فى واقع الحال بالتجارة فى الآثاث المنزلى والمكتبى القديم، وتقابلنا مع اثنين من الشباب الصغير فسألناهما عن اماكن بيع تلك القنابل بالعزبة، فأجابونا أن أشهر مصنع لتلك القنابل يدعى «ش. الليمونى»، والذى يقع بيته على شريط السكة الحديد الموازى للعزبة.
قررنا التوغل إلى العزبة والذهاب إلى منزل الليمونى، إلا أنه بمجرد دخولنا إلى المنطقة أحاطتنا انظار اهلها من كل حدب وصوب إلى ان استوقفنا أحد شبابها وسألنا بلغة دارجة يفهمها معظم الشباب عما اذا كنا بحاجة لشراء مخدر الحشيش، فأجبناه بأننا قدمنا لشراء عدد من قنابل المونة، فأخبرنا بأنه على استعداد ان يحضرها لنا ممن يصنعونها مقابل 10 جنيهات للقنبلة الواحدة، وأن هذه الاسعار ثابتة وسارية فى العزبة كلها، ولن نجد ارخص منها، إلا أننا حاولنا ان نخفض فى سعرها بحجة أننا نعلم ان اسعارها ارخص من ذلك، فرفض ومن ثم تركنا وذهب.
ثم جاءنا شاب آخر كانت انظاره تلاحقنا أثناء وقوفنا مع الشاب الأول، وعرض علينا المساعدة فطلبنا فورا الوصول إلى منزل الليمونى، فجاء رده المفاجئ «عايزين قنابل؟!»، ومن خلال حديثه عن الليمونى اتضح لنا انه الوحيد الذى يصنع تلك القنابل بالعزبة ويمتلك سر تصنيعها والمواد الخام التى تتكون منها ومن ثم يبيعها إلى تجار الصواريخ والمفرقعات الصغار الذين يتربحون منها، فسألنا الشاب عن العدد الذى نريده وأخبرنا أن هناك نوعين من القنابل «أحدهما يبلغ سعره 5 جنيهات، والآخر 10 جنيهات والفرق بين النوعين يكمن فى الجودة والآثار المترتبة على الانفجار».
فما كان منا الا أن اخبرناه بأننا نريد قنبلتين، فتركنا الشاب وطلب منا عدم التحرك واتجه نحو منزل قريب اكتشفنا بعده انه منزل الليمونى وما هى إلى دقائق وعاد الينا ليخبرنا بأنه لا توجد قنابل جاهزة الآن وأن الأمر يتطلب منا الحضور ليلا حتى يتم تصنيعها.
ذهبنا وعدنا مرة أخرى إلى منزل الليمونى، وقبل دخولنا وجدنا سيدة تجلس وأمامها وعاء ملىء بالحصى تقوم بغسله اكتشفنا انه يتم غسل ذلك الحصى بالماء قبل استخدامه فى تصنيع القنابل بغرض تنظيفه من الأتربة التى قد تؤثر على فاعلية البارود الموجود فيها، ووجدنا «كشك» صغيرا إلى جانب المنزل يبيع المفرقعات والألعاب النارية فسألنا صاحبه عن الليمونى فأحضره لنا وأخبرناه بأننا من سكان صعيد مصر ونريد شراء كمية من القنابل بغرض استخدامها فى مشاجرة نشبت بسبب مشاكل عائلية بالصعيد، واننا نريد شراء اثنتين الآن بغرض التجربة، فرفض طلبنا متعللا بأنه لا يبيع أقل من 10 قنابل بحد أدنى، وبإلحاحنا عليه وافق الا أنه اخبرنا بخطورة نقل القنابل نهارا بسبب ارتفاع درجة حرارة الجو، الأمر الذى يهدد بانفجارها فى أى لحظة، مشيرا إلى انه لا يمكن حملها أيضا فى المواصلات العامة وان الأمر يتطلب اما دراجة نارية أو سيارة خاصة.
وعندما سألت «الشروق» عن مكونات «المونة» التى تجعل من استخدامها امرا خطيرا إلى هذا الحد، أجابنا بأنها تتكون من كمية من البارود رفض التصريح عن مصدره والمسامير والصواميل وقطع الزجاج، وان هناك طريقتين لاستخدامها تتمثل احداهما فى القائها بشكلها الذى عليه ودون أى إضافات ويتم استخدامها بهذه الطريقة فى المواجهات الفردية وتكون القنبلة وقتها قادرة على قتل شخص إذا ما اصطدمت به، حيث يصدر من انفجارها صوت يفوق صوت طلقات الخرطوش.
أما الطريقة الثانية والتى اخبرنا الليمونى بأنها تستخدم فى المشاجرات الكبيرة بهدف إصابة الخصوم بجروح قطعية دون التسبب فى وفاتهم تكمن فى إحضار زجاجة فارغة على ان يتم وضع القنبلة فيها وملء فراغ الزجاجة بقطع الحديد والزجاج وإحكام غلقها وبمجرد القائها بهذه الطريقة صوب مجموعة من الأشخاص تنفجر وتتناثر القطع الحديدية والزجاجية وتصيبهم بجروح شديدة.
الغريب فى الامر ان كل من قابلونا فى عزبة أبوحشيش حذرونا من استخدام تلك القنابل، واسهبوا فى الحديث عن عدم جدواها فى المشاجرات، وأن الامر لا يستدعى استخدام قنابل على هذه الدرجة من الخطورة فى المشاجرات الصغيرة، وعندما سألناهم عن سبب تصنيعهم لها وتجارتهم فيها ما دام الامر على ذلك النحو أخبرونا بأنها تمثل مصدر دخل وتدر ربحا كبيرا.