مسلسل «عمر»، الذى يتناول سيرة ثانى الخلفاء الراشدين، ويعرض فى شهر رمضان المقبل، شارك فى إنتاجه مجموعة MBC السعودية بالتعاون مع مؤسسة تليفزيون قطر، ومن المتوقع أن يشهد العمل تجسيد أغلب صحابة رسول الله، وبينهم الخلفاء الراشدون وزوجاتهم، فضلا على عدد من المبشرين بالجنة. وتعرض المسلسل قبل عرضه لحملات هجوم شديدة تعبيرا عن رفض تجسيد الصحابة، وأصدر الأزهر الشريف ومفتى السعودى فتاوى تحرم المسلسل ومشاهدته، فضلا على دعاوى قضائية أقيمت فى أكثر من بلد تدعو لوقف عرضه، ونظم شباب وفتيات حملات عبر مواقع التواصل الاجتماعى تدعو لمقاطعة العمل.
المثير فى الأمر على نحو لافت أن العمل خضع، بحسب ما أعلنه الشيخ وليد آل إبراهيم رئيس مجموعة MBC، لمراجعة لجنة مشكلة من 7 من كبار العلماء وأجازوه دون اعتراض منهم، وبينهم الدكتور يوسف القرضاوى رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين.
وضمت هيئة العلماء التى تولت مراجعة النص التاريخى، كذلك عدد من علماء الدين بالخليج وبينهم الشيخ الدكتور سلمان العودة، والدكتور عبدالوهاب الطريرى، والدكتور على الصلابى، والدكتور سعد مطر العتيبى، والدكتور أكرم ضياء العمرى.
أما الأكثر إثارة للدهشة فهو أن أغلب هؤلاء العلماء سبق أن أطلقوا فتاوى تحرم تجسيد الأنبياء والصحابة الأمر الذى جعلهم فى مرمى عاصفة غضب شنها بعض العلماء الذين أفتوا بتحريم تجسيد الفاروق عمر وطالبوا القائمين عليه بالتراجع عن المشروع تماما ومنع عرضه.
بعض علماء لجنة المراجعة سارعوا إلى التبرؤ من إباحة تجسيد الصحابة، معتبرين أن دورهم اقتصر على المراجعة التاريخية دون إصدار فتاوى بجواز تجسيد الصحابى الجليل، ومن بينهم الدكتور سلمان العودة، الأمين العام المساعد لاتحاد العلماء المسلمين، الذى قال إن دوره فى المسلسل لا يتعدى الإشراف ضمن مجموعة من العلماء على النص التاريخى المكتوب وتقديم الملحوظات ودراستها واعتمادها، دون الدخول فى أى تفاصيل أخرى متعلقة بإنتاج العمل أو إخراجه أو تمثيله.
وشدد العودة على أن: «هذه المجموعة ليس لها أى علاقة بالعمل من حيث إخراجه، ولا بالتمثيل، ولا بالفتوى»، موضحا أن «كل مهمتها تنحصر فى شىء واحد، وهو مراجعة النص التاريخى المكتوب، أما كيف سيخرج العمل؟ وهل ستظهر شخصيات معينة؟ ومن سوف يؤدى الأدوار.. فليس من شأن المجموعة، ولم تتخذ بهذا الخصوص أى قرار».
الموقف نفسه اتخذه الدكتور سعد مطر العتيبى، الذى قال فى بيان له، ردا على حملة الاستنكارات التى وصلته ممن وصفهم ب«الغيورين والناصحين»، وقال إنه شخصيا «لا يرى جواز تجسيد الصحابة»، ولكن مشاركته فى لجنة المراجعة كانت مبنية على قاعدة من قواعد السياسة الشرعية، وهى قاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد من جهة، وبين المفاسد ذاتها من جهة أخرى؛ وكانت الغاية أن يخرج العمل بدون أخطاء تاريخية، تشوّه سيرة الفاروق.
مسلسل «عمر» كتبه وليد سيف وأخرجه حاتم على، وبدأ تنفيذ المشروع قبل نحو عامين، وتحديدا فى سبتمبر 2010، وحرص فريق العمل على إحاطته بالتكتم الشديد حتى أن بطل العمل ظل سرا لا يعرفه سوى أسرة المسلسل.
وبلغت ميزانية العمل نحو 100 مليون دولار، ويقوم ببطولته عدد من الممثلين السوريين والعرب، إضافةً إلى عدد من الوجوه الجديدة، ويجسد شخصية الفاروق سيجسدها الممثل الشاب سامر إسماعيل، كما يلعب غسان مسعود شخصية أبى بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين، ويجسد السورى سامر عمران شخصية عثمان بن عفان.
كما يجسد الفنان الكويتى فيصل العمرى شخصية بلال بن رباح، أما شخصية أبوسفيان، فيقدمها الممثل التونسى فتحى الهداوى، فيما يلعب دور أبو جهل الممثل العراقى جواد الشكرجى، ويؤدى الممثل محمد حداقى شخصية عمير بن الوهاب، بينما يجسد شخصية الإمام على بن أبى طالب رابع الخلفاء الراشدين شاب تونسى من الوجوه الجديدة أيضا.
وتعرض المسلسل لحمة هجوم عنيفة كان أكثرها شراسة من جانب مفتى عام السعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ الذى وصف أصحاب فكرة المسلسل ومن شاركوا فيها، ومن تبنوها ب«المخطئين»، معتبرا أن تحويل سيرة الخلفاء والصحابة إلى عمل تمثيلى يعرضها للقيل والقال، والتجريح والنقد، وهذا خطأ وجريمة.
وقال: «إن من تبنى فكرة هذا المسلسل ومن شارك فيها مخطئون، فالأفلام والمسلسلات عن هذه الشخصيات لا يرجى منها خير، وعلى أصحاب الفضائيات أن يتقوا الله وعدم إنفاق أموالهم فى الباطل، لأن هذا خطأ وجريمة».
وأضاف أن بعض المسلمين أرادوا أن يأخذوا سيرة الخليفة الراشد عمر بن الخطاب بالتحليل ويضعونها موضع النقد لهذه الشخصية الفذة، ووضعها بأسلوب سينمائى يتحدث عنه كل من هب ودب بالنقد والتجريح، وهذا لا يجوز لأن الخلفاء الراشدين وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم من خيار الخلق بعد الأنبياء.
ولم يتوقف الأمر على فتاوى التحريم حيث انتشر مقطع مؤثر لداعية إسلامى يدعى «محمد الهبدان» دعا فيه إلى مقاطعة القنوات التى تعرض مسلسل «عمر» غيرة على فاروق الأمة ، قبل أن يذرف أمام المشاهدين، فى برنامج على الهواء، الدموع من شدة التأثر، وسرد حديث النبى صلى الله عليه وسلم عندما رأى قصر عمر فى الجنة ثم انصرف عنه احتراما لغيرة عمر رضى الله عنه.
وقال الشيخ الهبدان: «إذا كان النبى صلى الله عليه وسلم يغار من غيرة عمر، فكيف نرضى نحن أن نمثل زوجة عمر وتخرج فى الشاشة أمام المشاهدين؟ أين غيرتنا على عمر؟.. رسول الله يغار ونحن لا نغار؟», وتساءل: هل يقبل أحد من الدعاة المراجعين للمسلسل بأن تقوم ممثلة بتجسيد دور زوجاتهم، وما يگون فى حياتهم الشخصية؟