رحل سلامة أحمد سلامة بجسده عن عالمنا.. لكن مواقفه وذكرياته مع رفاق رحلة الكفاح فى جريدة الأهرام ستبقى عالقة فى أذهانهم يروونها للأجيال المتعاقبة من أبناء صاحبة الجلالة. «هادئ.. متسق مع نفسه.. صحفى يهتم بالتفاصيل».. كانت هذه هى أبرز الصفات التى لخصها زملاء ورفاق الراحل الكبير خلال سنوات عمله الطويلة فى الأهرام، واستمرت صلتهم به بعد انتقاله إلى «الشروق»، ليبقى علامة مميزة فى تاريخ الصحافة المصرية.
«سلامة تمنى أن تحدث فى مصر حاجة تخلينا نتفاءل وندخل فى المستقبل بشكل صحيح وأن ينقشع الدخان الذى يحيط بمصر»، كانت هذه آخر أمنية عبر عنها الراحل سلامة أحمد سلامة فى آخر مكالمة جرت بينه وبين مدير تحرير ورئيس قسم السكرتارية الفنية، أنور عبداللطيف منذ 10 أيام.
وأوضح عبداللطيف أن رئيس تحرير الأهرام، محمد عبدالهادى، كلفه بإجراء سلسلة حوارات بعنوان «من أجل المستقبل» عن الفترة القادمة من تاريخ مصر وتوقعاته، فاتصلت بالراحل منذ 15 يوما للاتفاق معه على إجراء حوار «حيث لم يكن متشائما وليس مفرطا فى التفاؤل».
وتابع مدير التحرير الذى عاصر سلامة على مدار 30 عاما أنه لأول مرة لا يعجبه صوت سلامة «كان مثقلا ومهموما ومرهقا للغاية ومش هو ده الصوت اللى متعود أسمعه». مشيرا إلى أنه كان لديه تحفظات على معايير لجنة الشورى الخاصة باختيار رؤساء تحرير الصحف القومية.
ووصف عبداللطيف فترة شغل سلامة منصب مدير التحرير فى الأهرام بأنها «أجمل فترة حوار بين الشباب والأجيال»، مشيدا ببراعة أسلوبه فى التراجع عن موقفه لمصلحة الموقف العام.
وأضاف أن سلامة كان يحفظ ضمير الأهرام ويعرف جيدا ما يمكن نشره على صفحاتها ويكتبه، وبعد رحيله إلى «الشروق» لم ينفصل عن جريدته السابقة واستمرت فلسفته فى مقاله امتدادا لأهرام الستينيات، «لما مش بيعجبه حاجة فى الأهرام بيتصل يقولنا رأيه وملاحظاته». منوها إلى أن أوقات كان يتعرض لبعض المضايقات والاعتراضات على مقاله «المشكلة كانت فى الآخرين الذين لم يستطيعوا تقدير مقالاته، وكان فيه ناس ملكية زيادة عن الملك».
«صحفى غير مدعٍ واحترم مهنته فاحترمته»، هكذا وصفت الصحفية وزوجة نقيب النقباء كامل زهيرى، خديجة قاسم، الراحل حول علاقته بصاحبة الجلالة. لافتة إلى تمتعه بهدوء بالغ مهذب و«عمره ما اتعصب على حد بالعكس حتى لو اختلفت معاه يناقشك بهدوء».
وأشارت قاسم إلى أن سلامة كان يحب عمله كحبه لوطنه، ويحرص على تشجيع شباب الصحفيين الواعدين، ولا يدعى معرفته بشىء يجهله «لما كنت أسأله على حاجة وميكونش عنده معلومات كافية يقولى سبينى ساعتين وأنا هعرفلك كل التفاصيل».
وتقول زوجة نقيب النقباء أن زملاء سلامة فى الأهرام رووا لها أنه «طلب منه ذات مرة أن يغير بعض الأمور فى إحدى مقالاته فكان رده على هذا الطلب أن أخذ متعلقاته وغادر مبنى الأهرام دون مناقشة أحد».ويرى النقيب الأسبق، جلال عارف، أن أكثر ما كان يميز سلامة أنه صحفى موضوعى ومتسق مع نفسه، آراؤه ومبادئه هى التى يعبر عنها فى كتاباته ولا تغيرها المواقف والأزمنة.
وأكد عارف أنه فى جميع القضايا والمعارك التى شهدتها النقابة وقتما كان سلامة عضوا فى مجلسها كان دائما ينحاز للحريات دون الدخول فى صلب المعركة «الأهم عنده النتيجة وانتصار الحق والحريات». مشيرا إلى أنه كان هادئا على جميع المستويات فى حياته وكتاباته.
وروت نائب رئيس القسم الاقتصادى، صباح همامو، موقفا لا تنساه مع الراحل رغم عدم وجود علاقة مباشرة بينهما «فى عام 2005 كان مر على انتقالى لجريدة الأهرام من مجلة الشباب عام كامل، وكنت فى حاجة إلى خطاب توصية للحصول على إحدى الدراسات عن الصحافة الاقتصادية فى جامعة كولومبيا بالولايات المتحدةالأمريكية، وفوجئت به يستدعينى فى مكتبه وأبلغنى ملاحظته لكتاباتى وبالفعل كتب لى وأرسلتها لأمريكا وبالفعل تم قبولى».
ونوهت همامو أن هذا الموقف غير بعضا من النظرية التى كانت فى الأهرام أن هناك مسافة بين شباب الصحفيين وكتابها الكبار. مشيرة إلى أنه كان يتميز بإنسانية لا تتكرر كثيرا بين كتاب جيله.
«الإبداع يكمن فى التفاصيل» وصف لخص به الصحفى بالأهرام وأحد تلاميذه المتأخرين، محمد حربى، الراحل سلامة، معتبرا أنه أحد كبار الصحفيين الذين اهتموا بتفاصيل الأخبار والأمور «كان دائما ينصحنا بتوثيق كل كلمة نكتبها ويقول لنا محدش يكتب بدون توثيق أو تدقيق».
وتذكر حربى أنه فى فترة أوائل التسعينيات أجرى الأهرام استطلاع رأى عن مشاكل الشباب فى تلك الفترة، ففوجئت به يستدعينى فى مكتبه ليبلغنى بأن الاستطلاع ناقص، فسألته عن السبب فقالى لى «عشان الأسئلة اللى طرحتوها بتقول للشباب يجاوبوا إجابات متوقعة»، وطلب منه وضع أسئلة لاستطلاع آخر تكون مفتوحة وعامة حتى يستطيع الشباب الإجابة عنها بتلقائية ولمعرفة مشاكلهم الحقيقية».
وشدد حربى فى كلامه عدة مرات على أن سلامة كان يمتاز بصرامته وجديته وفى الوقت نفسه كان الود يملأ قلبه لجميع صحفيى صالة التحرير بالأهرام، كما كان عقلانيا لدرجة أنه تعامل بكل احترام مع كل كلمة كان يقولها أصغر محرر فى الجريدة «وعمره ما زعق لحد ولا صوته على على حد مهما اختلف معاه، فالراحل سلامة يشبه ما يكتبه».