قبل بدء التصويت في انتخابات مجلس النواب 2025.. تعرف على لجنتك الانتخابية بالخطوات    بعد انخفاض عيار 21.. سعر الذهب اليوم الأحد 9-11-2025 في الصاغة (آخر تحديث)    «البيطريين» تشيد بجهود «الخدمات البيطرية» في السيطرة على العترة الجديدة من الحمى القلاعية    الإحصاء: 6.7 % ارتفاع قيمة الصادرات خلال شهر أغسطس 2025    حملة توعوية بيطرية مكثفة لدعم صغار المربين بالبحيرة    قبل صرف معاشات ديسمبر.. التأمينات الاجتماعية تتيح تعديل جهة صرف المعاش    أكبر أزمة نزوح فى العالم.. الأمم المتحدة:نزوح أكثر من 12 مليون شخص بالسودان    وزارة التموين تطلق قافلة مساعدات جديدة لقطاع غزة    إنتر ميلان يستضيف لاتسيو وعينه على صدارة الدوري الإيطالي    «السعيد يلعب على حساب أي حد».. شوبير يكشف مفاتيح الزمالك للفوز على الأهلي    «أمن المنافذ»: ضبط 3354 مخالفة مرورية وتنفيذ 347 حكمًا قضائيًا خلال 24 ساعة    حالة الطقس.. الأرصاد تكشف أعلى درجات حرارة متوقعة بالقاهرة والمحافظات    موعد امتحانات منتصف العام الدراسى بالجامعات والمعاهد العليا    الداخلية تضبط 337 قضية مخدرات و150 قطعة سلاح خلال 24 ساعة    النائب على عبد الونيس: المتحف المصرى أيقونة حضارية تؤكد عبقرية المصريين    «الجراند بول» في قصر عابدين.. كل ما تريد معرفة عن حفل الأمراء والنبلاء (التذاكر تبدأ ب1500 يورو)    العالم بطريقته    مصطفى نصر.. كيف روى حكايات الإسكندرية بين التاريخ والتسجيل؟    طريقة عمل سلطة البطاطس بالزبادي.. لمسة من البساطة والابتكار    «التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين في الجيزة وكفر الشيخ    الخارجية الروسية: موسكو لن تنجر وراء استفزازات بروكسل في قضية التأشيرات    تقديرًا لأمانته.. مدرسة بقنا تكرم تلميذًا أعاد «انسيال ذهب» لمعلمته    وزير الداخلية يأذن ل 22 مواطنا بالحصول على الجنسيات الأجنبية    مواعيد مباريات اليوم.. قمة مان سيتي مع ليفربول ورايو فاليكانو أمام الريال ونهائي السوبر المصري بين الأهلي والزمالك    عمرو الحديدي: الأهلي يفتقد إمام عاشور قبل نهائي السوبر    باستثمارات قطرية وإماراتية: الساحل الشمالى الغربى «ريفيرا مصر»    أسعار الخضار والفاكهة بأسواق كفر الشيخ اليوم    انتخابات مجلس النواب وحلم الديمقراطية!    محافظ بني سويف: حياد تام وتيسيرات شاملة في انتخابات مجلس النواب 2025    اليوم.. نظر محاكمة 213 متهما بخلية النزهة    انقلاب فى نيويورك    في زيارة تاريخية.. الشرع أول رئيس سوري يزور البيت الأبيض منذ 80 عامًا    الأمم المتحدة: أزمة نزوح غير مسبوقة في السودان.. وتصاعد العنف في الفاشر    غارة من مسيرة إسرائيلية على محيط بلدة الصوانة جنوبي لبنان    لأول مرة فى تاريخ ألمانيا.. تامر حسنى يشعل الاجواء فى ستاد يايلا أرينا الألمانى بحضور 30 ألف شخص    «المتحف المصرى الكبير» أقوى من «الجاهلية»    القاهرة السينمائى يحلق بكبرياء على جناحى اتفاق السلام والمتحف الكبير    شعلة حب لا تنطفئ.. ما هي الأبراج المتوافقة في الزواج والعلاقات العاطفية؟    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم 9-11-2025 في محافظة قنا    اختطاف ثلاثة مصريين على يد تنظيم القاعدة في مالي    عميد المعهد القومي للأورام: قدمنا خدمة إضافية لنحو 32 ألف مريض 2024    اختتام فعاليات مؤتمر المعهد القومي للأورام "مستقبل بلا سرطان"    «المعاهد التعليمية» تدخل أحدث طرق علاج السكتة الدماغية بمستشفياتها    فيديو.. الصحة: آليات التحقيق في شكاوى الأخطاء الطبية تطمئن الطبيب أو المريض    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 9 نوفمبر    أحمد جعفر: تريزيجيه اكتر لاعب سيقلق دفاع الزمالك وليس زيزو وبن شرقي    التقارير الفنية أمام النيابة.. تطورات في قضية أطفال اللبيني    حبس وغرامة.. نقيب الأطباء يكشف عقوبة التجاوز والتعدي على الطبيب في القانون الجديد (فيديو)    «معي في قائمة المنتخب».. حلمي طولان يفاجئ لاعب الأهلي قبل ساعات من السوبر    إخلاء سبيل ضابط شرطة كويتي وآخر متهمين بالتحرش بفتاة على كورنيش النيل    رئيس «النيابة الإدارية» يشارك في مؤتمر الاتحاد العربي للقضاء الإداري    كورنيليا ريختر أول أسقفة في تاريخ الكنيسة الإنجيلية بالنمسا    أرتيتا بعد التعادل مع سندرلاند: لا أريد الشكوى من أي شيء    «عدد كتب الغيب 3».. خالد الجندي: الله قد يغير في اللوح المحفوظ    أمين الفتوى: صلاة المرأة بملابس البيت صحيحة بشرط    بث مباشر مباراة نيوم والنصر اليوم في دوري روشن السعودي 2025-2026.. القنوات الناقلة وطرق مشاهدة اللقاء عبر الإنترنت    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 8-11-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سكان مصر بدون توجيهات السيد الرئيس
نشر في الشروق الجديد يوم 11 - 07 - 2012

«لأ، بنتى مش غلطة. فريدة جت بإرادتنا وبموافقة الطبيب».يتذكر مقرر المجلس القومى للسكان الدكتور عاطف الشيتانى، كيف كرر هذه الجملة، منذ قدوم فريدة قبل 8 سنوات، لكل من سأله: أكيد بنتك الثالثة جت غلطة، لأنك من بتوع تنظيم الأسرة اللى بيقولوا طفلين لكل أسرة؟».

عاطف الذى قضى ثلاثة عقود فى العمل ببرامج وزارة الصحة لتوفير وسائل تنظيم الأسرة ونشر استخدامها، لم يؤمن قط بالشعار الذى رفعته الدولة «طفلين لكل أسرة»، لأنه تعلم من خبرته كطبيب للنساء والتوليد فى الصعيد، ثم كخبير لجهات دولية وحكومية فى التنمية، أن الإنجاب تحدده ظروف كل أسرة، وأن تخفيض الانجاب يحدث تلقائيا عندما يقترب المسئولون من حياة الناس.

يرتب عاطف بعض الاوراق على مكتبه، قائلا: «كنت باكره الشعار ده، لكن ماقدرتش أواجه بيه المسئولين عن البرامج السكانية وتنظيم الأسرة لأنهم مش متخصصين».

ورغم قناعات عاطف تلك، وجد صعوبة فى تطبيقها بعد أن أصبح المسئول الأول عن وضع السياسة السكانية فى مصر منذ شهور قليلة، اكتشف فيها أن «الحكاية أصعب من كده بكتير»، وأن النمو السكانى يتأثر أيضا بالسياسة، وبتاريخ من الكذب المتبادل بين كل الأطراف، من الحاكم الذى يحدد سياسات المواليد، إلى المحكوم الذى لا يرى سوى مصلحته.


1قرية أبو مناع

ممنوع على النساء مقابلة الطبيبة والغريب

حين بشر الدكتور عاطف بتعيينه مقررا للمجلس القومى للسكان المسئول عن وضع السياسة السكانية فى مصر قبل 5 شهور، رجع به شريط الذكريات إلى عام 1980 حين احتفل أهله بدسوق بكفر الشيخ بتخرجه فى طب الإسكندرية.

وكيف حمل وقتها أمتعته، حسب تكليف وزارة الصحة، فى ريف دشنا بمحافظة قنا.

تعلم الطبيب الشاب من قرية «أبومناع غرب» أن نساء قبائل الهوارة لا يمكن أن تنكشف على الاغراب، سواء كانوا رجالا أم نساء، وكيف كان يتحمل أن يقطع طريقا طويلا ممتطيا الحمار، ليصل مع زوج سيدة مريضة إلى بيتهم، فيرفض والد الزوج أن تنكشف زوجة ابنه على الطبيب.

ويحترم الطبيب الشاب رغبة كبير العيلة، وينتظر بالمندرة، ليسمع شكوى الزوجة من خلال زوجها، الذى أخذ ينقل شكاوى الزوجة ذهابا وإيابا، حتى استطاع الطبيب أن يشخص الحالة، ويصف العلاج.

تعلم الطبيب أن الناس يأتون للسؤال عن مصل سم العقرب صبيحة انقطاع الكهرباء فى المساء، وأن الشيوخ والأطفال أول من يموتون بالسم، ولهذا تنجب الأسر المزيد من الأطفال.


2قرية الخصوبة

الكثافة السكانية تأتى مع الفقر

فى أول يوم له فى منصبه الجديد، دارت برأسه حوارات فيلمى أم العروسة والحفيد، المأخوذين عن روايتين لعبدالحميد جودة السحار، رغم أن الأول أذيع فى الستينيات والثانى فى السبعينيات.

واصطحب معه أوراق «ساقلتة» المركز صاحب القرى الساخنة بمعدلات المواليد، والملتهبة بالفقر، والأقل فى الخدمات الصحية والتعليمية والمياه والكهرباء، حسب دراسة وزارة الصحة فى 1998.

وقتها اختير الدكتور عاطف الذى انتقل للعمل بديوان الوزارة، ليكون مسئولا عن أول برنامج لجودة الخدمات الصحية، تتبناه وزارة الصحة مع البنك الدولى والصندوق الاجتماعى للتنمية، وجمعيات تنمية المجتمع بالصعيد.

البرنامج ركز على أن مساعدة الاسر لتكوين مصادر دخل ترفع من مستواهم الاقتصادى خاصة للسيدات، وتوفير عيادات بمعايير تحترم خصوصية الناس وسلامتهم، وتوفير الخدمات الاخرى، يدفع الزوجات لطلب وسائل تنظيم الأسرة، بطريقة غير مباشرة.

فى أول أوراق مفكرته على مكتب منصبه الجديد، كتب سيادة المقرر: البداية من القرى وليس من المكتب المكيف.


3أين الرئيس؟

عام ونصف من الفراغ التوجيهى

أمام علم مصر جلس عاطف على مكتبه كمقرر للمجلس القومى للسكان، وأخذ نفسا عميقا وقال «سنة ونص ارتباك لأن الكل كان بيشتغل بناء على التوجيهات اللى جاية من فوق، وهى غالبا من رئيس الجمهورية شخصيا».

ويكمل «وعشان كده اختصروا القضية السكانية فى تنظيم الأسرة لأن الرئيس كان بيتابع معدل المواليد بس، مش إعادة توزيع السكان وتحسين مستوى معيشتهم، حسب العلم السكانى».

وبناء على ذلك يفسر الشيتانى تأرجح تبعية مجلس السكان بين رئيس الجمهورية ورئاسة الوزراء ووزارة الصحة، ليدار برنامج تنظيم الأسرة من أعلى سلطة فى الدولة.

عاطف يرى أنه رغم اختصار عمل المجلس القومى للسكان خلال فترة الرئيس السابق مبارك، فى رسم السياسات، فإنه عجز عن التنسيق بين الوزارت والجهات الأخرى ومتابعة عملها، «لأننا ماتعودناش على العمل الجماعى وأدمنا التوجيهات».

اكتشف عاطف ذلك عقب تأمله لآخر خطة سكانية عقد لها مؤتمر كبير لتدشينها، بحضور الرئيس السابق، لكنها وجدت كالعادة طريقا ممهدا للإدارج.

يخرج عاطف نسخة من الخطة، ليضحك قائلا «اكيد اكتشفوا بعد ماصرفوا عليها الشىء الفلانى، وحددوا إن تنفيذها يتكلف 400 مليون جنيه، إن الخطة لم تحدد مين هايستلم الفلوس دى، ويوزعها على الوزارات المختلفة، وازاى يحاسبها على الصرف وعلى المحاسبة الفنية للتنفيذ، لأن المجلس ماعندوش نظام إدارى متطور يقوم بالمهمة».

عام ونصف العام منذ ثورة يناير لم يتحرك أحد، فقل الطلب على خدمات تنظيم الأسرة، بحسب الباحثة الرئيسية للمسح الصحى السكانى الدكتورة فاطمة الزناتى «ماحدش قام بدوره لا وزارة الصحة ولا غيرها، الناس كانت ملبوخة فى الثورة».

المسح الصحى السكانى يصدر عن وزارة الصحة كل 3 سنوات منذ 2000، لكنه توقف عام 2008، «لم نبدأ فى الإعداد للمسح السكانى الجديد إلا من أسابيع قليلة، لكن قلنا نأجله لغاية بعد رمضان لما نشوف أولويات رئيس الجمهورية اللى جاى، لأن ممكن القضية السكانية تكون مش أولوياته»، أضافت فاطمة.








4المعونة الأمريكية وقرار الكونجرس

وجد عاطف نفسه محاصرا، بعد أن تزامن مع غياب التوجيهات دعوات للتخلى عن تنظيم الأسرة مع تنامى التيار الإسلامى عقب الثورة، مما سبب انخفاضا فى معدلات تنظيم الأسرة.

وقبل ذلك، تضررت عيادات تنظيم الأسرة، بانقطاع المعونة الامريكية عنها فى 2005.

تلاها مباشرة، قرار الكونجرس الأمريكى، بعدم منح حوافز مادية للأطباء نظير عملهم فى برامج تنظيم الأسرة.

وبرر الكونجرس قراره بأن هذه الحوافز يمكن أن تدفع الأطباء إلى «إجبار الأسرة على استخدام الوسيلة طمعا فى المال».

وكما انصرف الأطباء، هجرت البرنامج الجمعيات الاهلية وشركات الادوية والصيدليات.

يتفق عاطف مع قرار الكونجرس «أنا شفت بعينى واحدة ست بتخلع اللولب، عشان تركب غيره لما شافت القافلة الطبية بتدى فرخة لكل ست تركب لولب، وعلى فكرة الممول الاجنبى عمره مابيجبرنى إنى أتعامل بلا انسانية مع أهلى وناسى».

يأخذ نفسا عميقا ثم يكمل «عشان كده مش هاربط حوافز الاطباء بالانجاز، لكن كمان مش هاوقف الحوافز زى ماحصل».

وكأنه تذكر شيئا.. يخرج عاطف قلما من جيب سترته ليكتب، وهو يقول «ولا كمان هاوافق على حوافز للاسر عشان تستخدم وسائل تنظيم الأسرة، لأن ده استغلال للفقر».




5الجدل الدينى يُصعِّب تنظيم الأسرة

يرن هاتف الدكتور عاطف، فيرد: لأ..لأ مش دلوقت..الموضوع ده محتاج لدراسة أكبر.

يغلق عاطف هاتفه وقد بدا عليه الضيق، «الملايين اللى أنفقت على تدريب رجال الدين الاسلامى والمسيحى، كانت بلا جدوى، لأن الدين لم يكن سببا قويا فى التوجه نحو استخدام تنظيم الأسرة أو العكس».

يشعل عاطف سيجارة ثم يكمل. «بعض رجال الدين بيرفضوا تنظيم الأسرة، وزادت الدعوات دى بعد الثورة، ومع ذلك 60% من السيدات مستمرات فى استخدام وسائل تنظيم الأسرة لغاية دلوقت».

آخر مسح سكانى صحى صدر عن وزارة الصحة عام 2008، كان قد كشف عن أن من بين أسباب عدم استخدام وسائل تنظيم الأسرة، سوء الخدمة والرغبة فى الانجاب ومعارضة الدين.

وكان اللافت أن السبب الدينى لم يشكل سوى 1.5% فقط من الأسباب.

فى المقابل، وقبل أيام من ثورة يناير (ديسمبر 2010) صدرت دراسة عن مركز معلومات مجلس الوزراء وصندوق الأمم المتحدة للسكان، حول حالة السكان فى مصر، (عينة بالتليفون)، أظهرت أنه لا يوجد فارق كبير بين نسب استخدام وسائل تنظيم الأسرة بين من يرون تعارضها مع الدين، ومن يرون أنها غير متعارضة مع الدين.

لكن الدكتورة فاطمة الزناتى الباحثة الرئيسية للمسح ترى أن تأثير الدين على قرار تنظيم الأسرة لا يمكن أن يقاس «بمجرد سؤال فى استمارة أو مكالمة تليفون».

بينما يرى الخبير فى الصحة الانجابية مجدى حلمى «أنه لولا ندوات التوعية التى وجهت للدعاة عن أهمية تنظيم الأسرة، لارتفعت نسبة تأثير الدين على قرار تنظيم الأسرة».

«نعم للدين دور فى القضية السكانية لكنه ليس الدور الرئيسى الحاكم، لأن قضية تنظيم الأسرة قضية اقتصادية وإجتماعية، لكن المسئولين اختاروا الطريق الأسهل والأقل تكلفة من التنمية الحقيقية» هكذا ترى فيفيان فؤاد منسق مشروع تمكين الأسرة بالمجلس القومى للسكان.

وتضيف «الملايين التى انفقت على تدريب الدعاة لم تكن طبعا فى محلها».

«الدين هو الشماعة اللى بنعلق عليها فشلنا فى التعليم وفى نشر الوعى، وبنفتكر الحل فى توعية رجال الدين، لكن دايما ماحدش بيوصل لشيخ الزاوية الصغيرة فى النجوع، لأنه مش تابع للاوقاف»، قالها بضيق وحماس معا رئيس جمعية أطباء النساء والتوليد الدكتور عز الدين عثمان.


وعز الدين يرى أن من العيب أن نظل نتحدث بنفس الرؤية عن مشكلة السكان فى مصر، منذ الستينيات وحتى الآن، وأنه لو كانت الحكومات السابقة نحجت فى القضاء على التسرب من التعليم وعمالة الأطفال، لعرف الآباء أن أى طفل عبء جديد».

يعلق عاطف معادلة «كلما زاد الفقر زاد الإنجاب» معروفة عالميا وليس فى مصر فقط، ومع هذا لم يكن القضاء على الفقر ضمن الخطط او السياسيات السكانية.

«كان يكفى أن يربط المسئولين بين قضية عمل الأطفال والقضية السكانية، ليعرفوا أن العمل على محور تنظيم الأسرة وحده لن يكفى، بدون تكنولوجيا الزراعة، كبديل عن الايدى العاملة الرخيصة للأطفال»، فى رأى فيفيان.

6الطفل الثالث

عزوة ورزق أكثر وسند لأخيه

فى ذلك اليوم من عام 2002 كان على الدكتور عاطف وزوجته أن ياخذا قرارا باستقبال طفل ثالث، بعد 11 عاما من التوقف عن الإنجاب.

«مش معنى إننا أخدنا قرار بالطفل الثالث إننا ممكن نفكر فى الرابع، ده استحالة، لكن كان نفسنا فى بنت..وربنا استجاب دعاءنا»، قالها عاطف بابتسامة رضا.

«ثقافة الطفل الثالث، لازالت تسيطر على الكثير من الاسر المصرية، بحسب الطبيبة مواهب المويلحى عضو جمعية تنظيم الأسرة.

«عشان لو حصل لواحد من الولدين حاجة الثالث يبقى موجود يونس أخوه، وبرضه عزوة، والأولاد رزق بيساعدوا أبوهم اللى شغال على دراعه، ولو عجز ماعندوش معاش نتسند عليه»، لازالت هى الردود التى تأتى للدكتورة مواهب من الحوامل بالطفل الثالث حتى من المتعلمات.

السياسات المتأرجحة بين مشروعات تنظيم الأسرة فى وزارة الصحة، نتيجة تغير السياسات بتغير الوزراء، كانت سببا آخر لعدم نجاح مصر فى السيطرة على الزيادة السكانية، وعدم تلبية احتياجات كل الاسر من خدمات تنظيم الأسرة طوال الوقت، وهو ما تعتبره فيفيان فؤاد فسادا إداريا يفوق فساد سرقة المال العام.

ويعتقد عاطف أنه كان على المسئولين أن يدركوا أن دور الدولة يجب أن يقف عند رسم السياسيات العامة وتوعية المواطن، وتوفير الخدمة الجيدة، وتشجيع تعليم البنات وتشغيل السيدات، «لو زوجتى بتشتغل ماكنتش هاتفكر فى الثالث».


7حالة السكان

300 ألف «غلطة» كل عام

يرشف الدكتور عاطف رشفة من فنجان القهوة المضبوط، ويقول بابتسامة أقرب للضحك «الطفل الثالث غير الطفل اللى بيجى غلطة، عندنا 300 ألف طفل بيجوا كل سنة فى مصر غلطة، من غير الزوجين مايكونوا واخدين قرار بالحمل».

تشير إحصاءات الدراسة السابقة الصادرة عن مجلس الوزراء (حالة السكان) إلى أن من بين كل 100 سيدة استخدمن وسائل تنظيم الأسرة، تتوقف 26 منهن عن الاستخدام فجأة، وهؤلاء يمثلن 10% من سيدات مصر حاليا، بسبب قلة التوعية، وسوء الخدمة.

وأن عدد المواليد فى مصر سنويا مليونان و400 ألف طفل، 14% منهم جاءوا من حمل غير مرغوب فيه.

ويعلق عاطف «وده يأكد لنا ضرورة مشاركة المجتمع فى وضع الرؤية الجديدة للقضية السكانية فى مصر، مش بالتوجيهات».


8طوابير الرجال

المستقبل يحتاج إلى دراسة علمية

طوابير طويلة من الرجال أمام عيادات تنظيم الأسرة، كانت أول ما لفت نظر الدكتور عاطف حين سافر ضمن وفد رسمى للإطلاع على التجربة الإيرانية، التى نجحت فى السيطرة على النمو السكانى إلى المعدل الذى تريده خلال 10 سنوات فقط (1986 1996).

وقتها شجعت الحكومة المواطنين على تحديد النسل، وأعلن المجلس التشريعى أنه لا مانع دينى من استخدام وسائل تنظيم الأسرة، وصدرت فتوى دينية عام 1990 بالسماح بالتعقيم للذكور والإناث كوسيلة مشروعة لتنظيم الأسرة.

تزامن معها توفير لوسائل تنظيم الأسرة بشكل لا محدود، مع شبكة متشعبة من الخدمات الصحية فى الريف، وكلية طب ومعهد صحى فى كل محافظة.

أعجب عاطف بأن رجال الدين هناك كانوا منفتحين للتقارب مع السياسيين، لتجنب كارثة اقتصادية كادت تضرب بلادهم..

لكن تصميم برنامج تنظيم الأسرة فى مصر يعتمد على تقديم الخدمة لصاحبات (تاء التأنيث) أى المنتفعات فقط فى السن من (15 45 سنة)، وليس من معايير تطوير الخدمة التى وضعتها وزارة الصحة فى البرنامج التوجه للرجال.

ويعلق عاطف «مع إن الراجل مشارك فى قرار الانجاب، وممكن يطلب من زوجته تروح للعيادة للمشورة، لكن محدش بيتوجه له بالتوعية، ولو عايز يستخدم وسيلة مايعرفش يتوجه لمين، عشان كده معدل استخدام الواقى الذكرى 7% فقط من اجمالى وسائل تنظيم الأسرة المستخدمة فى مصر».

ويكتب الدكتور عاطف فى مفكرته سطرا جديدا «محتاجين نصمم برنامج يتوجه للاسرة الراجل والست الاتنين، وبحقوق الطفل على الوالدين».

«محتاجين مسوح دقيقة، مش بس لقاءات ميدانية وشخصية، عشان نضع رؤية الناس تكون موافقة عليها، وهانغير تشكيل المجلس عشان كل الاطراف تشارك فيه، برضه معتمدين على دراسة علمية». آخر ما قاله عاطف قبل أن نتركه على وعد بلقاء آخر حين تكتمل الرؤية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.