تحت عنوان «أشعار طالبان»، صدر كتاب جديد باللغة الإنجليزية في لندن، ليثيراهتمام الصحافة الثقافية البريطانية والغربية على وجه العموم . واشترك في تحرير الكتاب أليكس ستريك وفليكس كوين، فيما نهض بمهمة الترجمة للقصائد الأفغانية المكتوبة بلغة الباشتون ميرويز رحماني وحميد ستانيكازي.
ويضم الكتاب الأقرب للديوان الصادر مؤخرا عن دار نشر "هيرست أند كومباني" اللندنية 235 قصيدة تمثل التجربة الشعرية الجمالية لحركة طالبان منذ ظهورها فى العقد الأخير من القرن العشرين وحتى ما بعد الغزو الأطلسي بقيادة الولاياتالمتحدة لأفغانستان في أواخر عام 2001.
وعلى حد قول "دالجيت ناجرا" في صحيفة «الجارديان» البريطانية فإن هذه المجموعة من المختارات الشعرية حافلة بالمفاجآت وكاشفة للواقع الأفغاني بمفارقاته فيما جاء الكتاب وليد فكرة تبلورت عبر نقاش ممتد بين "أليكس ستريك" و"فليكس كوين" مع "عبد السلام ضعيف" أحد قادة حركة طالبان .
والقسم الأول من الكتاب يتضمن قصائد عن حقبة ما قبل هجمات 11 سبتمبر 2001 مركزا على مرحلة الغزو السوفييتى لأفغانستان، فيما سيفاجىء القارىء بأن النزعة الحماسية-الدعائية وإن كانت غير غائبة إلا أنها ليست الغالبة على أشعار طالبان ..كما لاحظ ناقد صحيفة «الجارديان» وغيره من النقاد الذين تناولوا الكتاب الجديد بالعرض النقدي.
ولعل الكثيرين سيشعرون بالدهشة حيال أشعار طالبان بما فيها من لمحات رقيقة ونفحات عاطفية، ناهيك عن الحنين والوفاء والتضحية وبما يتنافى مع التصور السائد عن هذه الحركة كمجموعة تتسم بالغلظة والجلافة والميل الغريزي لإراقة الدماء.
والغريب أن العديد من شعراء طالبان تخلو من "الدوجما" الدعائية أو الشعارات التعبوية التي يتوقعها المرء فى الأعمال الأدبية لحركة كهذه بقدر ما تميل الكثير من هذه الأشعار نحو معالجة فكرة الحرية وهموم الإنسان الأفغاني وأشواقه، كما أن بعضها ينحو نحو الرمزية والتجريد.
فأشعار طالبان في أغلبها تنطق بصوت الشاعر أو ناظم القصيدة وكأنه يتحدث لنفسه أو مع صديق حميم، وعادة ما تجمع بين الهموم الشخصية وهموم الوطن بفنية تنأى بنفسها عن النزعة الدعائية الفجة... وتزداد الدهشة لأن القصائد المنسوبة لحركة طالبان بكل ما تثيره هذه الحركة من تصورات جاهزة لم تخل من مؤثرات غربية تتعلق بالقوالب والصيغ إلى جانب القوالب والصيغ الشرقية بالطبع.
ولعل القارىء الغربي بعد الانتهاء من هذه المجموعة الشعرية قد يشعر بالحاجة لمساءلة ذاته بشأن تصوراته الجاهزة حيال طالبان على حد قول دالجيت ناجرا.
وواقع الحال فإن أشعار طالبان هي جزء من الأدب والتراث الشعري الأفغاني الذي يضم إلى جانب قصائد الحرب والجهاد العديد من الأعمال ذات الطابع الإنساني والجمالي والصوفي بل والغزلي، وهى تنهل من مصادر أوردية وفارسية ومنابع عربية، وتحفل بالرموز التاريخية والوطنية والدينية.
فأشعار طالبان ذكورية في الغالب أو أنثوية بندرة تجمع مابين نبضات عذوبة وتعلق بحب الوطن الذي تميز تاريخيا ببيئة ثقافية خصبة أنجبت علماء ومقاتلين رغم أن الجغرافيا الأفغانية تتسم بالقسوة الصحراوية والتضاريس الجبلية الوعرة .
ووفقا لناقد صحيفة «الجارديان» فالقسم الأخير من الكتاب هو الأكثر وجدا فهو يضم قصائد كتبت في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وتتناول واقع الإنسان الأفغاني تحت قصف الغازي الغربي مع إشارات مستمرة للقرى والبلدات المدمرة وممارسات القمع والترويع الاحتلالية التي لم ترحم حتى الأطفال والنساء .
وهكذا تقول الشاعرة الأفغانية آسيفى نصرت، وهي الشاعرة الوحيدة في كتاب أشعار طالبان: "نحب هذه البيوت المغبرة والطينية..ونعشق صحارى هذا البلد المعفرة..العدو سرق النور لكننا نحب هذه الجبال السوداء الجريحة" لتعيد للأذهان حقيقة تتمثل في أن أحد أبرز محاور أشعار طالبان تدور حول التعلق بالطبيعة الأفغانية التي تتعرض لهجمات غربية مستمرة.
وهذه الشاعرة الأفغانية المحسوبة على الجانب الجمالي والشعري لحركة طالبان تدين في إبداعاتها هجمات الطائرات الأمريكية على المدنيين من بنى جلدتها وتندد بهؤلاء العسكريين الأمريكيين الذين غزوا بلادها "لقتل الأحلام مخلفين الجثث والخراب ودماء عرائس في ليلة الدخلة".
ومن الدال أن ديوان أشعار طالبان يضم قصيدة للملا عبد السلام ضعيف سفير طالبان السابق في باكستان، وأحد أبرز الشخصيات الدبلوماسية للحركة والذي اعتقل لفترة في قاعدة جوانتنامو الأمريكية، فيما تعبر قصيدته عن تجربته المريرة في هذه القاعدة السيئة الذكر.
والطريف أن العديد من أشعار طالبان منشورة في الموقع الإلكتروني لهذه الحركة على شبكة الإنترنت وكأن الحركة المتهمة بالظلامية وتكريس التخلف لم تجد حرجا في توظيف منجزات الحداثة الغربية لصالح إبداعاتها الشعرية. وإلى جانب شبكة الإنترنت -عمد محررا الكتاب الجديد للاستعانة بالمجلات والمطبوعات وتفريغ أشرطة الكاسيت القديمة التي تحوى قصائد لشعراء محسوبين على حركة طالبان مثل الشاعر الأفغاني سميع الله خالد.
ويرى سميع الله خالد فى قصيدة بعنوان "الإنسانية" أن "كل شيء انتهى في هذا العالم الذي بات فارغا من الإنسان" ، معتبرا أن الغرب لا يقبل بالأفغان كبشر ولا حتى كحيوانات! فيما يعالج هذا الشاعر المنسوبة قصائده لأشعار طالبان وجع الإنسان في بلاده في ترحاله المستمر وسط الدمار وتحت القصف.
أما الشاعر خالد حيدري فيرثى مسجد قريته في قصيدة "صديق مسافر" حيث "المسجد الرمادي المغبر بلا باب في وسط القرية..والطالب الرقيق صاحب الشعر الطويل والصوت الجميل..ولا يبقى سوى الدمار".
وجاءت بعض القصائد في كتاب أشعار طالبان نابضة بروح نقدية للواقع الأفغاني، واستشراء الفساد، وإخفاق الأفغان في التقدم للأمام في إدراك لحقيقة العدو الداخلي والخارجي والعمالة للدولار، بينما تضمنت قصائد أخرى إشارات لقضية الشعب الفلسطيني ووحدة العدو القاتل للأطفال والمشرد للشعوب.
وهاهو الشاعر نجيب الله أكرمي يتحدث عن "المستعمر الجديد سارق البيت الصغير والذكريات وتواريخ الأجيال" كما يتحدث عن "العروس الشابة التي قتلت هنا مع العريس..وكل الأماني استشهدت هنا". فالعروس بدلا من أن تكون يداها مخضبتين بالحناء أصبحتا مخضبتين بالدماء..والقاتل في قاعدة باجرام يقول قتلنا إرهابيين".
أما السؤال الذي قد يحق طرحه في سياق تأمل أشعار طالبان، وما يثيره الكتاب الجديد من ردود أفعال في الصحافة الثقافية الغربية: "هل تشير هذه الأشعار لنوع من الحداثة الطالبانية بكل ما تنطوي عليه المسألة من مفارقات"؟! ولم يجانب بعض النقاد الصواب عندما ذهبوا إلى أن أي باحث لم يهتم من قبل بالجانب الجمالي في تجربة طالبان، رغم تعدد الكتب والدراسات والبحوث التي تناولت جوانب متعددة لهذه الحركة التي تنتمي أغلب قياداتها لعرقية الباشتون.
ولاتخلو أشعار طالبان من تركيز على حميمية الريف الأفغاني وسكانه وقصائد تتغنى بالجمال والورد والمروج الخضراء، فيما تعكس هذه الأشعار حقيقة هامة وهي أن الشعر حاضر في الحياة اليومية للشعب الأفغاني، بقدر ما يحق القول بأن حركة طالبان أيا كان مصيرها ومآلاتها سيكون لها تراثها الشعري الذي لن يذهب مع ريح الأيام ومتغيرات السياسة..إنها قصائد عن الوطن الضائع والبراءة القتيلة والحب والمقاومة والحرية .