بدأت أزمة مدينة المنصورة العام الماضى عندما انتهت صلاحية المخطط الاستراتيجى الذى كان موضوعا للمدينة منذ الثمانينيات وينتهى فى 2012، المخطط القديم كان يسمح لأهالى المنصورة ببناء عمارات سكنية حتى 12 دورا، لكن المخطط الجديد وضع شروط بناء جديدة أهمها أن أقصى ارتفاع للبناء فى معظم أحياء المنصورة 4 أدوار فقط، وهو المخطط الذى من المقرر أن يبدأ العمل به منتصف العام الجارى. قد يكون هذا القرار رشيدا فى مدن أخرى دون المنصورة، فهى لا تتمتع بظهير صحراوى يسمح لها بالتمدد الأفقى أو الخروج إلى مدن جديدة على غرار أكتوبر والعبور وغيرهما من المدن المحيطة بالقاهرة، لذا يعيش سكان المدينة على مساحة 3459 كم مربع رغم أن عددهم يبلغ مليونا و250 ألف نسمة.
يُوجز المهندس ابراهيم الإمام الذى أنابه أهالى المنصورة لتقديم شكواهم لمحافظ الدقهلية، فى أن «المدينة أصبحت تضيق بسكانها وليس لها ظهير صحراوى، وكان سكان المدينة يحصلون على تراخيص بناء العمارات الجديدة حتى ارتفاع 36 مترا، ولكن المخطط الجديد للمدينة وضع حدا أقصى للارتفاعات 15 مترا فى معظم أحياء المنصورة».
تحوّلت المنصورة على مدار السنوات الماضية إلى جزيرة خرسانية ضخمة فى قلب رقعة زراعية كبيرة، وهو ما تسبب فى وصول سعر المتر السكنى فى بعض أحياء المنصورة ل40 ألف جنيه وفى أسوأ أحيائها لا يقل سعر المتر عن 3500 جنيه، حسب الشكوى التى قدمها أهالى المنصورة لمحافظ الدقهلية، متسائلين كيف يدفع أحد شباب المدينة ثمن شقة للزواج؟
لكن هذا الارتفاع فى أسعار الوحدات السكنية لم يكن هو لب الشكوى، فوسط هذا الغلاء تقبع عدد من قطع الأراضى فى قلب المدينة وتطل على شوارعها الرئيسة دون بناء، تنتظر صدور المخطط العمرانى الجديد للمدينة الذى يصدر عن «هيئة التخطيط العمرانى بوزارة الإسكان، عله يراها فرصة سانحة لحل جزء من أزمة السكن بالمدينة، ويسمح لها بالصعود بعدد أدوار أعلى، لكنهم فوجئوا بالمخطط الجديد يحرمهم من ميزات تمتع بها جيرانهم أصحاب الأبراج التى يصل ارتفاعها إلى 12 دورا، فالمخطط الجديد للمدينة حصر ارتفاع البناء فى معظم أحياء المنصورة فى 4 أدوار فقط، وهو المخطط الذى من المقرر أن يبدأ العمل به خلال شهور.
وكما اجتمع الأهالى ليدافعوا عن مصالحهم، اجتمع المقاولون فى المدينة ممثلين فى شعبة الاستثمار العقارى بالغرفة التجارية لمحافظة الدقهلية.
ولكن شكوى المستثمرين العقاريين تناولت تفاصيل أعمق، فندها المهندس أيمن نور الدين رئيس الشعبة قائلا «عدم وجود ظهير صحراوى للمدينة وتزايد عدد سكانها يجعل المواطنين أمام خيار واحد هو البناء بدون ترخيص على الأرض الزراعية المحيطة بالمنصورة».
واستطرد فى خطاب وجهه لوزارة الإسكان ومحافظ الدقهلية، أن المستثمرين العقاريين فى المنصورة سيكونون أكثر تضررا من المواطن العادى، لأن تقليل الارتفاعات يعنى تقليل عدد الوحدات السكنية المعروضة فى سوق العقارات بالمدينة، وأمام الطلب المتزايد ستصل أسعار الشقق إلى مبالغ لا يستطيع أحد سدادها، وستصبح الوحدات القليلة المطروحة فى المدينة، عبارة عن استثمارات معطلة.
وتقع مسئولية تحديد ارتفاعات البناء فى جميع مناطق الجمهورية على عاتق «هيئة العمليات التابعة لوزارة الدفاع»، وتحددها بناء على تقديراتها الأمنية خاصة فى المناطق المحيطة بالمطارات، لذلك لم يستطع أحد الشاكين أو مسئولى المحافظة الوصول إلى السبب الحقيقى وراء تعديل وزارة الدفاع لارتفاعات المدينة من 12 دورا إلى 4 أدوار فقط.
وفى الوقت الذى يسعى فيه أهالى المنصورة من مواطنين ومقاولى الدفاع عن مصالحهم بتقديم العرائض والشكاوى للمسئولين، قرر بعض الأهالى فرادى اللجوء إلى هيئة عمليات القوات المسلحة التابعة لوزارة الدفاع، وطلبوا الحصول على استثنائهم من قرار الحد الأقصى للارتفاعات، ليحصلوا على استثناء يمنحهم تراخيص بناء 12 دورا بدلا من 4 أدوار، استجابت وزارة الدفاع لعدد من هذه الطلبات، ومنحت عددا قليلا من المواطنين من أهالى المنصورة هذا الاستنثاء.
أثار هذا الاستثناء دهشة أهالى المنصورة، فلماذا حصل هذا العدد القليل على استثناء للبناء بارتفاعات أعلى من التى أعلنت فى المخطط الجديد، وتوجهوا بهذه الاستفهامات لوزارة الإسكان ومحافظة الدقهلية، دون الحصول على رد من الجهتين.
علمت «الشروق» أن المخطط قام بإعداده عدد من المكاتب الاستشارية التى لجأت إليها وزارة الإسكان لإعداد المخطط الجديد، ويرجع أحد المسئولين بالوزارة رفض ذكر اسمه الأزمة إلى خطأ فى التقديرات التى قدمها المكتب الاستشارى عن تصوراته لمستقبل المدينة.
وهو الأمر الذى دفع المصدر نفسه إلى وصف الأزمة بأنها «مفتعلة»، قائلا: «وصلتنا شكاوى المواطنين من خفض ارتفاعات المبانى داخل بعض مناطق المنصورة، وإذا كانت وزارة الدفاع هى المسئولة عن تحديد ارتفاعات المبانى فى كل مناطق الجمهورية طبقا للاعتبارات الأمنية التى تراها، فإن وزارة الإسكان هى المسئولة عن مراجعة هذه الارتفاعات خلال هذه الأيام مع قيادات وزارة الدفاع قبل إقرار المخطط الجديد، الذى لم يتم إقراره حتى الآن على العكس مما أشيع بين أهالى المنصورة».