"خليكي فاكرة مصر جميلة".. كانت هذه جملة صديقتي الباحثة عن الحرية، ترددت هذه الكلمات في عقلي و مخيلتي وأنا واقفة أمام النيابة العسكرية بمدينة نصر س (28) صباح اليوم السبت، أبحث عن هند عبدالمتجلي معيدة إعلام القاهرة التي تم احتجازها أمس الجمعة من مسجد النور بالعباسية على إثر الأحداث التي شهدتها العباسية أمس، و تم ترحيلها صباح اليوم هي و12 فتاة أخرى إلى سجن القناطر. كان أهالي المحتجزون من فتيات و شباب واقفين أمام باب الشرطة العسكرية منذ الصباح الباكر، كل منهم يبحث عن ذويه المفقود الذي لم يسمع عنه شيئا منذ مساء أمس، كان كل منا يبحث عن أخيه و ابنه و ابنته و صديقه المفقود، تأكدنا من الخبر مساء الأمس، بأنهم محجوزون في النيابة العسكرية بمدنية نصر.
بدأ أهالي المحتجزون يتوافدون ليسألوا عن أبنائهم منذ مساء الجمعة، وقف الجميع ينتظر أن يسمع اسم من يبحث عنه، فقط ليتأكد أنه لايزال على قيد الحياة، فيطمئن قلبه، حتى تبدأ رحلة البحث عن محاميين ومتابعة باقي إجراءات الحبس، لم يكن المشهد كغيره من المشاهد، أم تبحث أن أبنها، فتسير وسط الجميع تردد اسمه ، حتى تسمع من يقول لها من داخل مبنى الشرطة العسكرية، " روحي شوفيه، يمكن مات في أي مستشفى"، فتسيل دموع الأم و تكمل مسيرها باحثة عن ابنها. وأم أخرى، تؤكد أن ابنها تم القبض عليه فقط لأنه بلحية، و تقول " ابني ملوش دعوة بحاجة، ناس بلبس مدني أخدوه و سلموه هنا"، هكذا كان حال الجميع، الكل يؤكد أن من تم القبض عليهم لم يكن لهم أي ذنب، فهم لم يكونوا بلطجية ولم يتظاهروا بأي عنف، هم فقط متورطين بحب هذا البلد، نزل بعضهم لأن لديه مطالب، و هو يتظاهر بسلمية، و البعض الأخر نزل للعباسية ليستطلع الأمور و يرى بعينه حتى يفهم ما يحدث دون إضافات الإعلام التي تطمس و تغير من الحقائق.
كلما سمعت عن خبر اعتقال ، أشعر بالأسى لأن شخصا ما تهدد حريته، و لكن هذه المرة كان الأمر مختلفا تماما، و مؤلما ، وفاجعا، أن تسمع خبر اعتقال شخص تعرفه حق المعرفة، و تدرك مدى حبه و عشقه لهذا البلد، تلك كانت صديقتي " هند عبدالمتجلي" المعيدة بكلية إعلام، جامعة القاهرة، التي نزلت كغيرها من الشباب من أجل حب مصر، ذلك الحب العفوي ، الصادق، السلمي، دون أي رغبة في التخريب أو العنف، بل على النقيض، دائما ما كانت تهتف في كل المظاهرات" سلمية..سلمية".
كان خبر اعتقالها مفاجأ للجميع، ومنذ الصباح الباكر اليوم السبت، ذهب أصدقائها و والدتها و أختها، ليروا هند قبل أن ترحل إلى سجن القناطر، و لكن الزمن لم ينتظرنا حتى لهذه اللحظة، فعندما وصلنا ، تأكدنا أن الفتيات تم ترحيلهن إلى سجن القناطر منذ السادسة صباحا، وما أن سمعنا هذا الخبر، حتى بدأت اتصالاتنا بالمحاميين، وبدأت معهم جولتنا للحصول على إذن الزيارة، ذلك الأذن الذب ذقنا الأمرين حتى نحصل عليه تقريبا على الساعة الواحدة والنصف ظهرا، ذهبنا مسرعين إلى سجن القناطر بعد رحلة شاقة، وحين وصلنا، استقبلنا الظابط بابتسامة وهو يقول " الزيارة خلصت، الساعة 4 مش هينفع تدخلوا".
أصررنا على الدخول و قلنا له أننا جئنا من مكان بعيد و أننا جئنا من أجل الفتيات المعتقلات و أنهن محترمات و يعملن بوظائف راقية، فكان رده " إن شاء الله تكون رئيسة جمهورية، الزيارة لها معاد و احنا مش ممكن نكسر القاعدة"، عدنا و لم نرى هند، تملكتنا كل أحاسيس المهانة والغضب من ذلك الموقف المؤلم الذي وضعنا فيه، كل ما أردناه فقط ، أن نرى هند و نقول لها" كلنا معك".
بعد ساعات من مغادرتنا لسجن القناطر، سمعنا عن خبر الإفراج عن الفتيات التي تم حبسهن و ترحيلهن إلى سجن القناطر، اتصلنا بالمحاميين لنتأكد أن الخبر صحيح، فأكدوا ذلك، و ها نحن ننتظر لحظة الإفراج ومغادرتهن للسجن، ليعودوا وهم حاملون على صدورهم وسام الفخر والانتصار لأنهم من أبناء هذا الجيل الذي ثار من أجل أن يعيش في مصر أجمل.