عاشت إسبانيا يومين من الدراما فى نهاية الاسبوع الماضى، الأول كان يوم الخميس مع تنظيم معارضين سياسيين وقيادات عمالية بالبلاد لإضرابات واسعة ضد سياسات التقشف، والثانى كان يوم الجمعة مع إعلان حكومة البلاد، التى يشكلها حزب الشعب اليمينى المحافظ، عن مشروع موازنة للعام الجديد يشمل أقوى اجراءات تقشفية لم تشهدها البلاد منذ سقوط الديكتاتور الأشهر «فرانكو»، قبل ثلاثة عقود. «نحن نطبق اجراءات استثنائية، لأننا فى ظرف استثنائى»، تلك كانت كلمات وزير الموازنة الاسبانى، التى تابعها ملايين الاسبان الساخطين على الظروف الاقتصادية الضاغطة، قبيل اعلانه عن تفاصيل الموازنة المقترحة من الحكومة، والتى تشمل اجراءات تقشفية لتدبير 27 مليار يورو من تخفيض الانفاق العام وزيادة الضرائب.
وتستهدف تلك السياسات التقشفية طمأنة الدائنين الدوليين على سيطرة الحكومة على العجز المالى للبلاد، التى يمثل اقتصادها ضعف حجم نظيره اليونانى والبرتغالى والإيرلندى مجتمعين، وتستهدف الحكومة الوصول بالعجز إلى 5.5% من الناتج الإجمالى، إلا أن السخط الشعبى ضد تحمل فاتورة التقشف يضع تحديات كبيرة أمام رئيس الوزراء اليمينى ماريانو راجوى.
فبالرغم من أن حكومة حزب الشعب، التى تم تشكيلها منذ نحو 100 يوم، جاءت من خلال أكبر أغلبية برلمانية فى البلاد منذ ثلاثين عاما، وفقا لتقرير لوكالة رويترز، إلا أن الإصلاحات التى أعلنت عنها فى تخفيض الانفاق العام وفى مرونة سوق العمل، ساهمت فى استجابة قطاعات واسعة من الشعب لدعوة الاحتجاج، فالمتظاهرون بمدريد كانوا يغنون ويهتفون يوم الخميس الماضى ضد سياسات الحكومة، التى ستسهل على الشركات فصل العمال، وفقا لرويترز، وأظهرت استفتاءات محلية تراجع شعبية الحزب الحاكم، تبعا لتقرير لصحيفة الجارديان.
وتدفع المقاومة الشعبية لإجراءات التقشف العديد من الخبراء للتشكك فى القدرة على تطبيقها، خاصة أن عمال الخدمات العامة الذين تم تخفيض أجورهم بنسبة 5% فى عام 2010، سيتم تجميد أجورهم فى العام الجارى أيضا، بحسب الجارديان.
كما يتشكك قطاع من المستثمرين فى تقديرات الحكومة التى بنت عليها الخطة التقشفية، فبينما تنتوى الحكومة أن تدبر 12.3 مليار يورو من خلال زيادات فى الضرائب واعفاءات للتشجيع على سداد ضرائب تم التهرب منها، وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال، قال خبير اقتصادى لرويترز أن «المخاطر الرئيسية تكمن فى أن توقعات الحكومة للإيرادات الضريبية فى 2012 تبدو متفائلة للغاية».
ويخشى المراقبون من أن يتسبب تقشف إسبانيا فى تعميق الركود الاقتصادى، حيث يتوقع أن تسجل البلاد نموا سلبيا فى العام الجارى ب1.7%، وبينما كانت الحكومة حريصة على تجنب المزيد من الركود، حيث لم تتضمن خطتها زيادة فى ضريبة القيمة المضافة أو تخفيض لإعانة البطالة أو المعاشات، توقع اقتصاديون أن اجراءات تخفيض العجز ستخفض النمو الاقتصادى هذا العام بنقطتين مئويتين مما يقود البلاد إلى الركود العميق.