أرجأت محكمة جنايات أمن الدولة العليا، طوارئ بالجيزة، مساء اليوم الأربعاء، محاكمة 76 متهمًا، في أحداث الاعتداءات، التي وقعت على السفارة السعودية ومديرية أمن الجيزة، إلى جلسة 21 مايو المقبل؛ لسماع مرافعة هيئة الدفاع عن المتهمين. واستمعت المحكمة اليوم إلى مرافعة النيابة العامة، والتي طالب ممثلها مصطفى عبد العزيز، رئيس نيابة أمن الدولة، بتوقيع أقصى عقوبة مقررة قانونًا بحق المتهمين، واصفًا المتهم الأخير عمر عفيفي محمد (الضابط السابق الذي يعيش بالولايات المتحدةالأمريكية حاليًا) بأنه محرك قافلة الخيانة التي ارتكبت أفعالًا ألقت بظلالها على الوطن بأكمله".
وأضاف أن: "المتهمين لم يمهلوا الوطن فرصة للخروج من حالة الوهن والانفلات الأمني، التي تستوجب منا أن نقف جميعًا صفًا واحدًا، شعبًا وجيشًا وشرطة وقضاء لمواجهة ذلك الوهن".
وقال ممثل النيابة في مرافعته: "إن فصول الخزي والعار المتمثلة في جرائم المتهمين، بدأت عندما نسي المتهم الأخير عمر عفيفي، خير بلاده عليه وامتلأ قلبه بالحقد والكراهية لبلاده، فأخذ يطلق من سهام غله إلى مصر، مرة بترويجه للأكاذيب ومرات أخرى بالتحريض على أعمال العنف والتخريب عن طريق شبكة الإنترنت؛ حيث نشر مقاطع تحرض على القيام بأعمال عنف وتخريب".
وأضاف قائلاً: "إن تلك الصورة التي رسمها بأكاذيب منها ادعاؤه بأن الرئيس المخلوع حسني مبارك غير موجود بمصر، وأن نجليه غير متواجدين بمحبسيهما، وأن الحكومة على وشك الاستيلاء على إيداعات المصريين بالبنوك لسد عجز الموازنة، ومطالبة المودعين بالبنوك المسارعة بسحب تلك الإيداعات ولو ترتب على ذلك انهيار الاقتصاد المصري".
وذكرت النيابة أن: "المتهم عفيفي اتبع تلك السموم بمقاطع تحرض على أعمال عنف ضد المنشآت الحكومية والشرطية، مستغلا الدعوة للخروج في مظاهرات سلمية، فيما عُرف بجمعة تصحيح المسار، ونشر مقطع "فيديو" آخر، عنوانه موعدنا 9 سبتمبر، والذي دعا فيه للخروج واقتحام كافة المنشآت الحكومية والشرطية، واحتلالها لتعطل العمل بها بدءًا من اليوم التالي، شارحًا تفاصيل مخططه والأدوات التي يجب أن يحملها كل المشاركين في ذلك المخطط، وما يتوجب عليه فعله، وكيفية التصدي لقوات الأمن وتعطيلها عن أداء دورها".
وقالت النيابة: "إن ذلك التحريض الذي اضطلع به المتهم الضابط السابق عمر عفيفي، لقي أثرًا في نفوس بعض الضعفاء الذين انخرطوا وسط المتجمهرين السلميين في ذلك اليوم، بقصد تنفيذ ذلك المخطط، وانطلقوا في تنفيذ العديد من أعمال التخريب والإتلاف والحرق دون تمييز بين الممتلكات العامة والخاصة، والتعدي على قوات الشرطة ومنشآتها، فقاموا بقذف الحجارة والزجاجات الحارقة على مقر مديرية أمن الجيزة والقوات المنوط بها تأمينه، بقصد اقتحامه، وأضرموا النيران بها فأصابوا ما يقرب من مائة ضابط ومجند، وأحرقوا ما يقارب 20 سيارة شرطية، وخربوا النقاط الأمنية التابعة لإدارة المرور، كما اعتدوا على مقر سفارة المملكة العربية السعودية".
وانتقلت النيابة إلى الحديث عن الجانب القانوني في القضية، وأشارت إلى أنها: "تتهم كلا من المتهمين الماثلين أمام المحكمة بالاشتراك في تجمهر، الغرض منه ارتكاب الجرائم سابقة الذكر، مع العلم بالغرض من ذلك التجمهر، ولا تتهم كلا منهم بارتكاب كل من تلك الجرائم على حدة".
وأوضح ممثل النيابة أن: "المشرع رأى أن انخراط الشخص وسط آخرين يحملون نفس الأهداف الإجرامية، يجعله في حالة نفسية، تختلف تمامًا عن حال وجوده منفردًا؛ إذ إن وجوده وسط تلك الحشود يزيده ثقة في قدرته على إلحاق الأذى بالأشخاص والمنشآت بقوة المتجمهرين المجتمعين لا بقوته فقط، ومن جانب آخر فإنه يلقي على عاتقه عبء التفكير في عواقب أفعاله ومدى إمكانية خضوعه للمساءلة القانونية؛ لأن مظنة شيوع الاتهام تكون نصب أعين كل متهم قبل ارتكابه لجريمة من ضمن الجرائم التي يسفر عنها التجمهر".
وأضافت النيابة أن: "القانون أكد أنه إذا وقعت جريمة بقصد تنفيذ الغرض المقصود من التجمهر، فجميع الأشخاص الذين يتألف منهم التجمهر وقت ارتكاب هذه الجريمة يتحملون مسؤوليتها جنائيًا، بصفتهم شركاء إذا ثبت علمهم بالغرض المذكور".
وواصل ممثل النيابة قائلا: "قد يحاول المتهمون التنصل من أسهم الاتهام بالتسربل في رداء الثوار الشرفاء، والادعاء بأن تواجدهم كان في تجمع بريء، لم يكن القصد منه ارتكاب جرائم إلا أن آخرين قد خرجوا عن الطبيعة السلمية لذلك التجمع، غير أن ذلك الأمر مردود بما توافرت عليه أحكام القضاء من أن التجمع قد يكون بريئًا مسموحًا به في بدء تكوينه، ثم ينقلب إلى تجمهر يعاقب عليه، ويكفي حصول التجمهر عرضًا ومن غير اتفاق سابق لاستحقاق المتجمهرين للعقاب".
واستعرض ممثل النيابة أدلة الإدانة بحق المتهمين، موضحًا أنه: "تم تحريك الدعوى الجنائية ضدهم عما ارتكب من وقائع بمنطقة مديرية أمن الجيزة ومحيط السفارة السعودية، في يومي 9 و10 سبتمبر 2011، أما وقائع التجمهر الأخرى والتي حدثت أمام السفارة الإسرائيلية، فقد أحيلت للقضاء العسكري".
وأشارت النيابة إلى أنه: "من بين الأدلة شهادة الشاهد الأول هشام أحمد عبد الرحمن والتي حملت شهادته رصدًا حول كيفية حدوث المخطط والتحريض على ما اقترفه المتهمون جميعًا بإيعاز وتشجيع من المتهم عمر عفيفي؛ حيث قال الشاهد إنه تلاحظ له حال تصفحه موقع (الفيس بوك) على الإنترنت وجود حساب إلكتروني باسم العقيد عمر عفيفي، يتضمن عبارات ومقاطع ومشاهد مسجلة تُحرض المواطنين على التظاهر والإضراب والاعتصام، ما يهدد أمن واستقرار البلاد، وخاصة قطاع السياحة الذي يعمل به، فهاله ما شاهده وسارع بإبلاغ السلطات".
وأكدت النيابة أن: "التحريات التي أجرتها أجهزة الأمن أكدت صحة أقوال الشاهد، وأن المتهم عمر عفيفي هو المتحدث بالمقاطع والمشاهد المسجلة، فاستصدرت أذونًا متعاقبة من النيابة العامة بمراقبة وتسجيل ما يظهر بذلك الحساب، والتي أسفر تنفيذها عن قيام المتهم المذكور بما نسب له من اتهام".
وذكرت النيابة أن: "المقاطع التي تم ضبطها، تضمنت الطرق والمخططات التي طرحها المتهم للتصدي لقوات الشرطة، ومقاومتها بالقوة والعنف على نحو ما شهد به العميد جمعة توفيق، بما وقع من الاعتداءات محل الاتهام، وهو ما أكدته شهادة النقيب محمود حمادة خطاب والذي شاهد المتهم محمد الديب السيد محمد، ممسكًا بمبالغ مالية يلوح بها بطريقة ظاهرة بين المتجمهرين، يحرضهم على الاستمرار في أعمال العنف ضد قوات الأمن المنوط بها تأمين مقار البعثتين الدبلوماسيتين للمملكة العربية السعودية وإسرائيل ومديرية أمن الجيزة، ويشجعهم على اقتحام الأخيرة وإضرام النيران في مركبات الشرطة مروجًا لذلك بعبارة "لازم نولعها نارعليهم"؛ حيث ضُبط المتهم حال قيامه بتوزيع المبالغ المالية وبحوزته مبلغ أربعة آلاف جنيه".
وأخذ ممثل النيابة يعرض لأقوال الشهود، مؤكدًا أنهم: "أجمعوا على عده أمور، تؤكد ارتكاب المتهمين لما هو منسوب إليهم من اتهامات، وأن الأجواء في منطقة الأحداث في ظل التعامل بين قوات الأمن والمتجمهرين والإطلاق المكثف للقنابل المسيلة للدموع من قبل تلك القوات، كانت لا تسمح بحال من الأحوال بتواجد آخرين من غير المشاركين في الأحداث على مسرح الأحداث".
وأشارت النيابة إلى أن: "المشاركين في تلك الأحداث قد انقسموا إلى فريقين؛ الأول يتكون من قوات الشرطة المدافعة عن مقر مديرية الأمن ويساندهم في ذلك عدد من المواطنين الشرفاء الذين تطوعوا للذود عن المنشآت العامة ببلادهم، والفريق الآخر تكون من المتهمين الماثلين، وآخرين ممن لم يتم ضبطهم تحملوا ذات الأجواء في إصرارٍ منهم على ارتكاب جرائمهم".
وأكدت النيابة أن: "من تم إلقاء القبض عليهم وأصيبوا في تلك الأحداث من الفريق الأخير كانوا هم الأكثر مشاركة في التعدي على قوات الأمن، وسخر ممثل النيابة من المبررات التي ساقها المتهمون لتبرير سبب وجودهم في مكان الأحداث؛ فمنهم من قرر أنه قد تواجد للتنزه أو لاستطلاع الأمر أو كان مارًا بالصدفة، عائدًا من عمله وتم ضبطه دون أن يكون مشاركًا في الأحداث".
وقال: "إن تلك الادعاءات ساذجة؛ حيث إن الأجواء كانت ساخنة وخطرة ومشبّعة بآثار قنابل الغاز المسيل للدموع، فكيف يمكن تصديق أن من بين المتهمين من خرج للتنزه وسط تلك الأجواء المبهجة؛ ليستنشق العبير المسيل للدموع، كما لم تكن تلك الأجواء كفيلة بإقناع البعض الآخر بأن يسلك طريقًا آخر للعودة من عمله".
واختتم ممثل النيابة عرضه للأدلة قائلا إنه: "ثبت من معاينة النيابة للتلفيات الناجمة عن الواقعة تخريب مكتب الحرس، التابع لإدارة حرس المنشآت بوزارة الداخلية، والمكلف بتأمين مقر البعثة الدبلوماسية لإسرائيل، وتهشيم الزجاج والإضاءة والأثاث والواجهات ودورات المياه الخاصة به، وإتلاف الواجهة الزجاجية لمكتب آخر خاص بقسم تأمين مقر ذات البعثة، وتحطيم الكشافات الخاصة بعمودي إنارة بالطريق العام، وإتلاف ثلاث كاميرات للمراقبة الخاصة، بمقر البعثة الدبلوماسية للمملكة العربية السعودية، وتهشيم زجاج الاستعلامات الخاصة بها".
وأضافت النيابة أن: "التلفيات شملت أيضًا احتراق نقطتين أمنيتين تابعتين لإدارة مرور الجيزة، احتراق مبنى قسم التأمين الخارجي لجامعة القاهرة وتخريبه بالكامل، وتلفيات وتهشم بزجاج واجهات مديرية أمن الجيزة وإحدى كاميرات المراقبة الخاصة بها وبوابتها الرئيسية وآثار لحجارة متناثرة وتهشم بنوافذ ولافتة مبنى التأمين الصحي لأفراد الشرطة والمصابيح الخارجية لها ومكتب التأمين التابع لقطاع الأمن المركزي المقابل لها، وإحراق وإتلاف 19 سيارة من سيارات الشرطة، وعدد من السيارات الخاصة والتابعة للسفارة السعودية، وأن تقرير مصلحة تحقيق الأدلة الجنائية متفق مع ما انتهت إليه معاينة النيابة العامة، وما أكدته أقوال الشهود".
كانت تحقيقات النيابة العامة، كشفت النقاب عن أن من بين المتهمين 40 متهمًا لهم سوابق اتهام في قضايا جنائية ومسجلين خطر، إلى جانب وجود 3 متهمين أحداث، بالإضافة إلى ضابط الشرطة السابق عمر عفيفي، الذي نسبت إليه النيابة تهمة التحريض مع باقي المتهمين على ارتكاب تلك الجرائم.
ونسبت النيابة إلى المتهمين الآخرين جميعًا في القضية؛ تهم: التجمهر واستعمال القوة والعنف مع موظفين عموميين، والتعدي على ضباط وأفراد الشرطة، ومحاولة احتلال مبنى مديرية أمن الجيزة والسفارة السعودية بالجيزة بالقوة، وتخريب أملاك عامة، ووضع النيران عمدًا، وإتلاف منشآت معدة للنقل العام لغرض إرهابي، والإتلاف العمدي للأموال الخاصة؛ تنفيذًا لغرض إرهابي، وحيازة وإحراز أسلحة بيضاء، بقصد استعمالها في نشاط يخل بالأمن والنظام العام.