مستوحيا من اسم المشروب الأكثر شعبية بقطر ال(كرك) قارب المخرج والكاتب المسرحي القطري عبد الرحمن المناعي, إشكاليات الإنسان مواطنا ومقيما، عارضا لهواجسه في فرجة أقرب للارتجال، متخففا من (السينوغرافيا) ولعبة التجريب المسرحي مقتربا من مسرح الشارع والمقهى الذي تدور بفضائه حكايات ولوحات العمل، مدشنا افتتاحية مهرجان الدوحة المسرحي الأول الذي انطلقت فعالياته الثلاثاء، ورعاه وزير الثقافة والفنون والتراث حمد بن عبد العزيز الكواري، وشهد تكريم ثلة من رواد المسرح القطري. تنفتح ستارة المسرح على عامل المقهى الهندي الذي يمثل في أحد دلالات العمل على الشاهد الذي يعاين مشاغل رواد للمقهى متقاعدين, ورجل أعمال ومواطن.
ويحتل مقدمة المسرح يراقب عبر مكبر زوجته الشابة في عملها, بينما ينشغل أبو سعود (رجل الأعمال) مع موظفه الخاص بمراقبة الأسهم التي تهبط وترتفع, ويراقب أيضا حركة السوق التجاري الذي يسجل السمك فيه ارتفاعا عاليا.
شرائح مجتمعية
يقدم المناعي شخوصه لتمثل شرائح مجتمعية تعرض إشكالات المجتمع القطري في انتقالاته السريعة للحداثة, يستذكر أبو سعود في مونولوج طويل الجغرافيا القديمة وما حل بها من اطراد النمو العقاري واندثار مهنة الصيد.
بينما يظل المقهى وال"الكرك" مكانا أثيرا لدى شاربيه في مقهى "بكر" العامل الهندي لنكأ حكايات عقوق الوالدين, سالم وأمه، والتي تنتهي بدار المسنين, ومتقاعدين يشكوان الفراغ الطويل بعد سنوات الخدمة.
وفي محاولة لتخفيف الحوارات الطويلة في العمل، يلجأ المناعي إلى الكوميديا لطرد ملل المتلقي, والإفادة من الروح الكوميدية لممثليه الستة عشر في تقديم إطار ساخر لمجمل القضايا التي يطرحها العمل.
كما يلجأ إلى التوتير الدرامي لكسر الحوارات الطويلة مستخدما حكاية أحد المارة الذي يدلف المقهى ويصاب بإغماء, ثم يفيق من إغمائه ويستبدل بممثل شاب لتقمص دور المغمى عليه, لكيلا يسجل على رجل الأعمال أنه سجل بلاغا كاذبا, تنتهي الحكاية التسويقية بموت الممثل فعلا، في دلالة رمزية حيث بعث المناعي برسالة من خلال موت الممثل بالضائقة التي تمر بها هذه الشريحة أيضا.
حفرة الموتى
وجاء عمل المناعي بعد عمل على هامش المسابقة للمعد والمخرج فيصل رشيد (ثامن أيام الأسبوع) مقدما عبر لعبة السينوغرافيا، وفي النص أيضا هاجس الأسئلة الوجودية الكبرى ممثلا بالموت، مقدما توليفة من مسرح العبث والواقع لحكاية حي وجد نفسه في المقبرة، فلا هو قادر على العودة إلى مصاف الأحياء ولا هو قابل بمصير محتوم للانتهاء في حفرة الموتى, منهيا الحكاية باستسلام الحي لقدره بالقبول بفكرة الموت.
وفي العمل يحسب لمخرجه تقنيته العالية في إدارة شخوصه على المسرح, والإفادة من إمكانيات المسرح الحديث في التأويل ولعبة الإضاءة ومجمل سينوغرافيا العمل المسرحي كاسرا بموسيقى العرض ما يمكن أن تثيره قضية الموت من دلالات مفزعة على المتلقي.
وكان وزير الثقافة قد اعتبر في مؤتمر صحفي سابق أن المهرجان يأتي كواحدة من ثمار إستراتيجية قطرية, لبعث الحيوية في المسرح القطري الذي تعود إرهاصاته الأولى إلى مرحلة الستينيات، وحقق خلال مسيرته الطويلة إنجازات مهمة في مهرجانات المسرح العربي، لكنه مازال يفتقر إلى البنية التحتية ممثلة بقلة المسارح سواء في العاصمة أو ضواحيها.
ويواصل المهرجان فعالياته حتى السابع والعشرين من الشهر المقبل, ويشهد توزيع الجوائز التي تتنافس عليها أربعة عروض مسرحية هي: "كرك، مواطن بالمقلوب، البوشية، العرض الأخير". بينما تعرض على هامش المهرجان مسرحيتا "المزبلة الفاضلة وثامن أيام الأسبوع".