صدر مؤخراً للروائية الأردنية سميحة خريس رواية بعنوان يحيى، عن دار ثقافة للنشر والتوزيع، والدار العربية للعلوم - ناشرون في بيروت. تمتد الرواية على 465 صفحة، تقص حكاية يحيى الكركي وتروي زمانه ومكانه قبل أربعة قرون إبان فترة الحكم العثماني .. وكانت خريس، التي تحمل جائزة أبي القاسم الشابي التونسية، قد أصدرت عددا من الروايات والمجموعات القصصية منها: مع الأرض العام 1978، أوركسترا العام 1996، وفي مجال الرواية صدر لها: رحلتي العام 1980، المد العام 1990، شجرة الفهود: تقاسيم الحياة العام 1995، شجرة الفهود: تقاسيم العشق العام 1997، القرميّة العام 1998، خشخاش العام 2000، دفاتر الطوفان العام 2003، الصحن في العام 2003، و نحن وغيرها. وترجم البعض منها إلى أكثر من لغة عالمية وبعضها تم تحويله إلى أعمال درامية إذاعية ومرئية ومسرحية وبعضها فاز بجوائز محلية وعربية. * متى وكيف حدث أن عثرت على يحيى الكركي؟ وما الذي حفزك لاستعادته وجعله بطل روايتك الأخيرة.. والتي حملت اسمه أيضا يحيى؟ * كان عثوري على يحيى الكركي وتعرفي عليه للمرة الأولى قبل نحو ثلاث سنوات، وكان ذلك أثناء ندوة عقدت في الجامعة الأردنية، وكانت الندوة تبحث في موضوعة بذور التفكير والنهضة عند العرب، وقتها تحدث احد الزملاء الباحثين عن شخصية عربية أردنية كركية، قال أنها عاشت قبل نحو 400 سنة، وكان صاحبها متصوفا يدعى يحيى الكركي، وكان يطرح أفكارا يحاور فيها الفكر الإسلامي، كما أنه اتهم بالجنون والزندقة لمجرد انه أرسل رسالة لقاضي القضاة في دمشق يسأله فيها: هل تجوز الدعوة لأمير المؤمنين على المنابر في زمن يسود فيه الظلم، ويكثر فيه القفر؟!!. وبالطبع كانت النتيجة الحتمية لهذه الرسالة كما قلت اتهامه بالزندقة، بل حكم عليه بقطع رأسه. فكانت نهاية حياة يحيى الكركي. ومنذ تلك اللحظة ولدت شرارة روايتي يحيى * وهكذا تابعت جذور وتفاصيل الحكاية... فأي مسارات سلكت؟ وما الذي أردت قوله عبر هذه الرواية؟ * نعم، تابعت التفاصيل وخيوط الحكاية على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، ذلك أن حكاية يحيى شغلت بالي كثيرا.. فبحثت عبر الانترنت، والكتب، وتتبعت الذين أرخوا لأعلام الكرك، لكنني لم أجد أكثر مما قيل في الندوة. ولكن هذه النتيجة في البحث الأولي دفعتني إلى نوع خاص من التحدي للبحث عن الشخص يحيى - في عصره. ولهذا قررت كتابة رواية يكون هو بطلها، انتصارا لحرية التفكير وحرية الاجتهاد، والاستعانة بالتاريخ لفهم الحاضر ولإسقاط ما حدث قديما- فيما يحدث في يومنا هذا من رفض للتعددية، وحرية الفكر، ورفض الاختلاف في تعدد وجهات النظر والرؤى. * وماذا عن المراجع والمصادر؟ هل أسعفتك في نبش الماضي ومعرفة ما جرى سابقا بخصوص يحيى؟ * عندما عدت للمراجع والمصادر وجدت تجاهلا تاما من المؤرخين لحوالي 300 عام من الحكم العثماني، فالمصادر تتحدث عن بدايات الحكم العثماني، ثم يحدث انقطاع تاريخي توثيقي تام لعقود طويلة، ثم نجد توثيقاً لما جرى من نهضة تبدأ منذ العام 1800، ولكن أفلح بحثي في إيجاد أشياء قليلة متناثرة بين كتب الدارسين والباحثين في تلك المرحلة. * قلة المعلومات وندرتها، كانت حافزك للسفر.. كما أعرف.. لمواصلة نبش تفاصيل حكاية وزمن يحيى الكركي.. فإلى أين قادتك أماكن الرواية؟ * سافرت إلى مسرح ذلك الوقت، وقت يحيى الكركي، ولأن الخريطة الجغرافية لذلك الزمن، كانت مرتبطة بالحكم العثماني، سافرت إلى مدينتي القاهرة، ودمشق، وعايشت أماكن تلك الحقبة، كما أنني تتبعت المصادر البحثية للحكاية في القاهرة من خلال مكتبة الأزهر، وفي دمشق من خلال مكتبة الأسد، وفي العاصمة الأردنية عمان من خلال مكتبة الجامعة الأردنية. * وماذا عن رحلتك إلى تركيا.. هل أسهمت بإضافة شيء جديد إلى الرواية؟ * مصادري كلها بالعربية، إذ أنني لم ألجأ إلى مصادر باللغة التركية. ولكنني زرت أماكن ومعالم تلك الحقبة، وهي أيضا وظفتها في العمل الروائي. * هل يمكننا القول أن الرواية فيها شيء من السيرة الذاتية ليحيى الكركي المعتمدة على الوثيقة التاريخية؟ أم هي رواية من تخييلك؟ كيف تصنفينها أنت؟ * لم أكتب السيرة لشخصية الرواية، ولا اعتقد ولا ادعي أنها سيرة يحيى الكركي، وهذا يعني أنها حكاية تخييلية إلى آخرها، من هنا أقول حكاية مرحلة، يهمني الكتابة عن المجموع وليس عن الشخوص، وإن اعتمدت الكتابة بالعودة إلى الأشخاص في تلك المرحلة، رغم أنني ظللت طوال الثلاث سنوات الماضية اجمع معلومات وأعيد الكتابة لمرات كلما وجدت معلومة جديدة.ولكنني في الوقت ذاته قمت بعمل روائي لشخصية البطل، اصطحبتها من لحظة مولدها في الكرك، إلى لحظة مقتلها.. أسست لهذه الشخصية بنوع من التفكير الذي استلهم أحوال الكرك وسينا ودمشق - مسرح الأحداث - التي عاش فيها ذلك الرجل يحيى، كما إنني حاولت الاعتناء بالتفاصيل التي تميز الرواية عن العمل التاريخي.لكنني في الوقت نفسه حرصت على ألا افلت الفن لصالح التوثيق، وحتى النسيج الواقعي الذي استلهمته من تلك الحقبة وحكاية يحيى عمرته بنسيج من تخيليي الروائي فكان يحيى الكركي كما جاء في روايتي يحيى. * كيف تصفين بطلك يحيى.. الذي ذهب ضحية أفكاره التنويرية، وحقه في السؤال؟ * لم تكن شخصية يحيى عادية، رغم أنه إنسان عادي بسيط، فهو قامة رفيعة دفع حياته ثمنا للحرية من اجل التغيير والإصلاح، والقيم الإنسانية النبيلة .والرواية تتشابك في أطروحاتها بين جملة من القضايا انطلاقا من المحيط الإنساني، وصولا لآثار التحولات السياسية والاجتماعية والفكرية في ذاك الزمان وتلك الأمكنة. ومن هنا بدأت الرواية بتصوير معرفي لحظة مولد يحيى الكركي، مع اعتناء تاريخي برصد ومتابعة أحوال المنطقة آنذاك وما عايشته من أزمات ومعاناة تتعلق بالفكر والهوية. * وماذا عن الكرك في زمن الرواية؟ هل هي كما نعرفها اليوم؟ * سيجد قارئ الرواية تفاصيل كثيرة عن الكرك، وتحديدا في الفترة التي تتبعتها في الرواية بين عامي 1570 ولغاية 1610، ذلك أن الخريطة الجغرافية كانت مختلفة، وحتى خريطتها العشائرية كانت مختلفة تماما، إذ كانت الكرك مزدهرة قبل هذا التاريخ، وبعده، لكن في تلك الفترة سحبت منها الأضواء، وأصبحت تتبع لواء البلقاء، وعودتي لتلك الحقبة كانت بهدف صنع المشهد الروائي الخاص بزمن الحكاية. * اجراء البحوث بهدف كتابة رواية عمل مرهق، ومكلف ماديا أيضا، لهذا يحتاج إلى تمويل، من هنا كنت حصلت على دعم الصندوق العربي للثقافة والفنون؟ * هذا صحيح، فالصندوق العربي للثقافة والفنون، قام مشكورا بدعم هذه الرواية، انطلاقا من دوره في دعم الإبداع الفني وحرية التعبير الثقافي في العالم العربي، ذلك أن هذه الرواية تحتاج إلى العودة إلى مراجع كثيرة وهي مكلفة، كما احتاجت إلى السفر إلى الأماكن التي عاصرتها الرواية، والبحث عن روح المكان بهدف إعادة تصويره في عملي الروائي. الصندوق دعم الجانب البحثي والترحال، أما النشر فكان عبؤه على عاتق داري النشر البيروتيتين دار ثقافة للنشر والتوزيع، و الدار العربية للعلوم - ناشرون. * يبدو أن نبش الماضي واستلهامه موجة عالمية. هل ترين ضرورة أن يتبعها الروائي العربي؟ * لا يمكننا أن نرسم طريق الروائي العربي، ونقول له سر في خط هذا الطريق، فالروائي لا يعرف المحركات التي تصنع عمله بالضبط، ولكنه في النهاية يسعى إلى صناعة فن روائي ناجح. لكنني فعلا لاحظت انه بشكل عام هناك كتاب عالميون معروفون اختاروا هذا الخط، ربما لحاجة ملحة لاستحضار الماضي بهدف فهم الحاضر.