ارتفاع أسعار النفط وسط توقعات بإعادة ملء الاحتياطي الإستراتيجي الأمريكي    متى تصبح العمليات العسكرية جرائم حرب؟.. خبير قانوني يجيب    «البنتاجون»: أوستن أكد لنظيره الإسرائيلي ضرورة ضمان تدفق المساعدات إلى غزة    «الأرصاد» تكشف موعد انتهاء رياح الخماسين.. احذر مخاطرها    عاجل.. تعطيل الدراسة بالسعودية وعمان وتحذيرات بالإمارات واليمن بسبب الطقس    أول ظهور ل أحمد السقا وزوجته مها الصغير بعد شائعة انفصالهما    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على حليمة بولند وترحيلها للسجن    طريقة عمل الآيس كريم بالبسكويت والموز.. «خلي أولادك يفرحوا»    جامعة إيرانية تقدم منح دراسية لطلاب وأساتذة جامعات أمريكا وأوروبا المطرودين بسبب الاحتجاجات    بشرى سارة لجماهير الزمالك بشأن نجم الفريق    ملف رياضة مصراوي.. فوز الأهلي.. قائمة الزمالك.. وتصريحات كولر    حسن مصطفى: كولر يظلم بعض لاعبي الأهلي لحساب آخرين..والإسماعيلي يعاني من نقص الخبرات    وفاة الفنانة حسنة البشارية عن عمر ناهز ال 74 عاما    مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني يواصل تصدره التريند بعد عرض الحلقة ال 3 و4    الصليبي يبعد نجم برشلونة عن الملاعب حتى 2025    بعد تثبيت الفائدة بالفيدرالى الأمريكي..سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن الخميس 2 مايو 2024    لاعب الزمالك السابق: إمام عاشور يشبه حازم إمام ويستطيع أن يصبح الأفضل في إفريقيا    سعر الموز والخوخ والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 2 مايو 2024    مُهلة جديدة لسيارات المصريين بالخارج.. ما هي الفئات المستحقة؟    عاطل ينهي حياته شنقًا لمروره بأزمة نفسية في المنيرة الغربية    قوات الاحتلال تعتقل شابًا فلسطينيًا بعد اقتحام منزله في مخيم الجلزون شمال رام الله    واشنطن: العقوبات الأمريكية الجديدة ضد روسيا تهدف إلى تقويض إنتاج الطاقة لديها    كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في الموارد البشرية؟    احذر الغرامة.. آخر موعد لسداد فاتورة أبريل 2024 للتليفون الأرضي    هاجر الشرنوبي تُحيي ذكرى ميلاد والدها وتوجه له رسالة مؤثرة.. ماذا قالت؟    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    بشروط ميسرة.. دون اعتماد جهة عملك ودون تحويل راتبك استلم تمويلك فورى    هذه وصفات طريقة عمل كيكة البراوني    أهمية ممارسة الرياضة في فصل الصيف وخلال الأجواء الحارة    "ديربي إنجليزي والزمالك".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    هل يستحق ربيعة الطرد؟.. حكم دولي يفجر مفاجأة بشأن صحة ركلة جزاء الإسماعيلي أمام الأهلي    صندوق مكافحة الإدمان: 14 % من دراما 2024 عرضت أضرار التعاطي وأثره على الفرد والمجتمع    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 2 مايو في محافظات مصر    ترابط بين اللغتين البلوشية والعربية.. ندوة حول «جسر الخطاب الحضاري والحوار الفكري»    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    بسام الشماع: لا توجد لعنة للفراعنة ولا قوى خارقة تحمي المقابر الفرعونية    أخبار التوك شو|"القبائل العربية" يختار السيسي رئيسًا فخريًا للاتحاد.. مصطفى بكري للرئيس السيسي: دمت لنا قائدا جسورا مدافعا عن الوطن والأمة    الأنبا باخوم يترأس صلاة ليلة خميس العهد من البصخة المقدسه بالعبور    يوسف الحسيني : الرئيس السيسي وضع سيناء على خريطة التنمية    اشتري بسرعة .. مفاجأة في أسعار الحديد    حيثيات الحكم بالسجن المشدد 5 سنوات على فرد أمن شرع فى قتل مديره: اعتقد أنه سبب فى فصله من العمل    مفاجأة | عقوبة قاسية لتجار الذهب في السوق    برج الميزان .. حظك اليوم الخميس 2 مايو 2024 : تجاهل السلبيات    أول تعليق من الصحة على كارثة "أسترازينيكا"    لبنان.. الطيران الإسرائيلي يشن غارتين بالصواريخ على أطراف بلدة شبعا    بعد أيام قليلة.. موعد إجازة شم النسيم لعام 2024 وأصل الاحتفال به    حي الدقي ينظم قافلة طبية لأهالي مساكن روضة السودان وصرف العلاج بالمجان    مفاجأة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم في مصر بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال    مسؤول أمريكي: قد يبدأ الرصيف البحري الجمعة المقبلة العمل لنقل المساعدات لغزة    القوات الأوكرانية تصد 89 هجومًا روسيًا خلال ال24 ساعة الماضية    الوطنية للتدريب في ضيافة القومي للطفولة والأمومة    أكاديمية الأزهر وكلية الدعوة بالقاهرة تخرجان دفعة جديدة من دورة "إعداد الداعية المعاصر"    ميدو: جوميز مرحب ببقاء هذا اللاعب مع الزمالك في الموسم المقبل    حمالات تموينية للرقابة على الأسواق وضبط المخالفين بالإسكندرية    النيابة تستعجل تحريات واقعة إشعال شخص النيران بنفسه بسبب الميراث في الإسكندرية    بقرار جمهوري.. تعيين الدكتورة نجلاء الأشرف عميدا لكلية التربية النوعية    وزير الأوقاف: تحية إعزاز وتقدير لعمال مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أجل إستراتيجية عربية لتحقيق التنمية المسرحية
نشر في إيجي برس يوم 27 - 08 - 2011

عرف المسرح في عالمنا العربي ،منذ السنوات الأخيرة من القرن العشرين، ركودا كبيرا، وكسادا لا مثيل له، حتىأصبحنا اليوم نتحدث عن نكسة المسرح العربي أو احتضاره أو موته. ويعني هذا أنالمسرح قد تراجع بشكل كبير ، لتأخذ السينما والقنوات الفضائية مكانته السحريةالممتعة. وقد تراجع المسرح أيضا لحساب الشعر والرواية والقصة القصيرة والقصة القصيرةجدا. كما تراجع معه مسرح الطفل، ومسرح الشباب، ومسرح الهواة، والمسرح الجامعي،والمسرح الاحترافي. ومن ثم، لم يعد المسرح اليوم مهنة أو حرفة تؤمن عيش الفنان، أويمكن أن يقتات بها الممثلون أو المؤلفون أو المخرجون أو التقنيون، بل أصبح المسرحمجرد هواية أو فن لتزجية الوقت، وتسلية الناس وترفيههم. علاوة على ذلك، فقد تخلتالدولة عن دورها الهام في دعم المسرح ماديا وماليا، وتشجيعه معنويا وثقافيا؛ لأنالمسرح يشكل خطرا دائما ، يؤرق الدولة، ويقض مضجعها ، مادام هذا المسرح ينتقدالسلطة بشكل من الأشكال، وذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة،. ويقوم بتوعيةالجماهير الشعبية تلميحا وإيحاء وتحريضا، وهذا ما لا تقبله السلطات الحاكمة التيترى فيه عدوا خطيرا من الدرجة الأولى، ينبغي محاربته بجميع الأسلحة الفتاكة ، وصدهبشتى الوسائل سواء أكانت شرعية أم غير شرعية، ومنعه بأي حال من الأحوال منالانتشار والرواج والتداول.
وعلى الرغم من ذلك، فلا يمكنالحديث إطلاقا عن نهضة ثقافية عربية، أو عن تقدم حقيقي في غياب المسرح. فرقي الأمةوازدهارها مرتبط أشد الارتباط بعدد المسارح والمعاهد الفنية. لذا، لابد من التفكيرفي إستراتيجية عربية لتنمية المسرح، ولايمكن أن يتحقق هذا إلا في مجتمع ديمقراطي؛لأن المجتمع اليوناني الذي تطور فيه المسرح بكل أنواعه كان مجتمعا ديمقراطيا ،يؤمن بالتعددية، وحرية الرأي، ويقتنع بمبدإ الاختلاف، ويمتثل لروح الحوار البناء.إذاً، ماهي أهم الاقتراحات لتحقيق التنمية المسرحية في العالم العربي؟

1- توفير البنيات التحتية:

لايمكن الحديث عن نهضة ثقافية في بلد ما إلا بتشييدقاعات العروض المسرحية ،وتشجيع الناس على الإقبال عليها بشكل لافت للانتباه،باعتبار أن المسرح أداة للتوعية والتنوير والتثقيف، ووسيلة لمحاربة الأمية والجهل.ويعد المسرح كذلك مسلكا حقيقيا للإفادة والإقناع والإمتاع. ولايمكن للمسرح العربيأن يحقق ازدهاره إلا بتشييد المسارح الفنية الواسعة والرحبة، وإنشاء المعاهدالتابعة لها للتعليم والتكوين والتأطير. زد على ذلك، لابد من بناء المركباتالثقافية التي تتوفر على قاعات للمسرح، ومكتبات فنية، وقاعات للتدريب والتكوينوالتأطير، وذلك بغية تقديم فرجات درامية سواء أكانت تراجيدية أم كوميدية أم مختلطةتجمع بين الملهاة والمأساة. ولابد كذلك من مراعاة الخصوصيات الحضارية والثقافيةحين بناء المسارح وتشييدها، حيث تخضع هندستها المعمارية للخصوصية العربية هويةوتأصيلا وتأسيسا. بمعنى أن تتلاءم المسارح مع الفضاءات العربية الفرجوية (الأسواق،والمواسم، والزوايا، والأضرحة، والملاعب، والساحات...)، كأن تؤسس الدولة أوالمؤسسات الخاصة مسارح دائرية أو شبه دائرية في فضاءات مفتوحة، كفضاء الحلقة،وفضاءات المسرح الاحتفالي...، مع التحرر من الفضاءات المسرحية الغربية المغلقة،بما فيها مسرح العلبة الإيطالية.

2- التشجيع المادي والمالي والمعنوي:

لايمكن للمسرح العربي أن يحقق نهضته الفنية والثقافيةالمرجوة إلا بالدعم الحقيقي، وتوفير الإمكانات المادية والمالية. بمعنى أن المسرحلايمكن أن يزدهر في ظل غياب التجهيزات المادية والتقنية والرقمية، أو في ظل غياب الإمكاناتالمالية. لأن المسرح لايمكن أن يتحقق بدون تمويل حقيقي وفعال. فلابد من تقديم منح وهبات تشجيعية ، وذلك في شكلمساعدات، للفرق والجمعيات والنوادي المسرحية، من أجل استكمال عملها الفني التأسيسيأو التجريبي. ولابد للدولة أو المؤسسات الخاصة أن تدعم بكلإمكاناتها المتوفرة المسرح التجريبي القائم على البحث والابتكار والاستكشاف؛ لأنهذا المسرح أساس النهضة الثقافية الحقيقية، ونواة التميز والإبداع والتفرد عربياوعالميا. وبتعبير آخر، على الدولة أن تشجع بكل ما أوتيت منإمكانات وطاقات المسرح التجريبي ماديا وماليا ومعنويا، من أجل أن ينتج هذا المسرح، عبر طاقاته الإبداعية المتميزة والخارقة، نظريات وممارسات متفردة، أو يقدم لنافرجات عربية نموذجية وحداثية لها قصب السبق عربيا وعالميا. ولأجرأة هذا التصور، يتعينعلى الدولة أو المحافظات أو البلديات المحلية أن تخصص نسبة 1% من ميزانيتها للمسرح.

3- التأطير والتكوين في المجال المسرحي:

تستلزم تنمية المسرح العربي على جميع المستوياتوالأصعدة أن تشرف الدولة أو المؤسسات الخاصة على تكوين الممثلين والمخرجينوالتقنيين والمؤلفين تكوينا جديدا، وذلك في ضوء النظريات الحديثة والمعاصرة. ويشملالتكوين معرفة تقنيات التمثيل والتشخيص، والاطلاع على مبادىء السينوغرافيا ، وتمثلنظريات الإخراج، وإتقان آليات الكوريغرافيا ، واكتساب تقنيات التأليف المسرحي، ومعرفةطرائق الإعداد الدراماتورجي للنصوص. ويعني هذا إخضاع المسرح العربي لقواعد الفنوالعلم، مع الاستعانة بالموهبة المصقولة. وبتعبير آخر، أصبح من الضروري تكوينالممثلين في معاهد الرقص والموسيقا والتشكيل والرياضة البدنية، ودفعهم لتعرف علومالترتيل والتجويد والخطابة، والاطلاع على اللسانيات الصوتية، ودراسة تاريخ الفنونوالآداب والعلوم، واستيعاب آليات مدارس التشخيص، وتقنيات الإخراج.

4- تطوير السينوغرافيا المسرحية:

تعرف السينوغرافيا بكونها علم تصوير الخشبة أو المنظرالركحي، ويهتم هذا العلم كذلك بالديكور، ومعمار الخشبة المسرحية. وتعدالسينوغرافيا بمثابة تقنية إخراجية ترصد الجوانب البصرية والهندسية للعرض المسرحي،من إضاءة، وموسيقا، وتشكيل، وتقسيم للخشبة ، واهتمام بالكوريغرافيا، والأزياء،والماكياج.
وإذا كان العرض المسرحي يحملدلالات لغوية منطوقة مباشرة أو غير مباشرة، فإن السينوغرافيا تقوم بمهمة التوضيحوالتفسير والشرح . أي: تؤول بصريا كل العلامات الغامضة ، وتشرح بالملموس الفيزيقيكل الدلالات الملتبسة الغامضة ، وتفكك كل الإشارات السيميائية أو الرمزية ، وذلكمن خلال ربطها بمرجع بصري حسي. ويعني هذا أن السينوغرافيا تنقل النص المسرحي منخاصيته التجريدية إلى عالم التجسيد البصري، والممارسة الركحية ، والتفسيرالأيقوني، والتمثيل الحركي، والكوريغرافيا الجسدية. ومن هنا، تتكون السينوغرافيابصفة عامة من الأزياء، والماكياج، والكتل البشرية، والديكور، والإضاءة، والموسيقا،وتنظيم الخشبة، وبناء المناظر والديكور. ويعني هذا أن السينوغرافيا أشمل من الديكوروالمعمار المسرحي. ومن ثم، فلها وظائف فنية وبصرية وجمالية ومرجعية، لاتتحدد إلاحسب سياق العرض المسرحي، وحسب متوالياته المشهدية، وفصوله الدرامية.
هذا، وقد تطورت السينوغرافيامن فن الزخرفة والديكور وهندسة المعمار إلى فن خلق الصور والرؤى ، وذلك من خلالتفعيل الإضاءة والألوان والتشكيل والشعر والآليات الرقمية والمعطيات السينمائيةالموحية.
ونخلص من كل هذا أنه آن الأوانلتنويع السينوغرافيا المشهدية، كأن نوظف السينوغرافيا التاريخية، والسينوغرافياالأسطورية، والسينوغرافيا الاحتفالية، والسينوغرافيا الشاعرية، والسينوغرافياالكروتيسكية، والسينوغرافيا البلاستيكية، والسينوغرافيا الكوريغرافية،والسينوغرافيا السيميائية، والسينوغرافيا الإثنوسينولوجية، والسينوغرافياالتجريدية، والسينوغرافيا الدادائية، والسينوغرافيا التكعيبية، والسينوغرافيا السريالية،والسينوغرافيا العبثية، والسينوغرافيا الواقعية، والسينوغرافيا الطبيعية،وسينوغرافيا اللامعقول، والسينوغرافيا الأنتروبولوجية... ، دون نسيان الاهتمامبالسنوغرافيات المعاصرة، كالسينوغرافيا الرقمية، والسينوغرافيا السينمائية،والسينوغرافيا التشكيلية ، بدلا من الاكتفاء بتقنيات المسرح الفقير. ولابد كذلك مناستغلال تقنيات فن التشكيل وخدع الطبع والتصوير، بدلا من إعداد سينوغرافيات ثقيلةومكلفة ومرهقة. ويعني هذا أنه لابد من الاستفادة من التكنولوجيا المعاصرة في خلقسينوغرافيا مسرحية أكثر اقتصادا وتلوينا وإبهارا وإدهاشا للمتلقي الراصد، مع تأثيثديكور العروض المسرحية تأثيثا ورقيا وبلاستيكيا بطرائق جديدة ، وذلك لأداء رسالات محددةتلميحا وإيحاء وتوهيما.

5- البحث عن نظريات مسرحية جديدة لتطوير المسرح العربي:

من المعروف أن الإبداع المسرحي لا يمكن أن يحقق جودتهووجوده وهويته وكينونته الحقيقية إلا من خلال الجمع بين النظرية والممارسة، وذلكفي علاقة جدلية ملتحمة ومترابطة ترابطا بنيويا وعضويا. و يعني هذا أن المسرح لايمكن أن يستمر ، أو يحقق التقدم والازدهار، أو يفرض نفسه في الساحة الثقافية المحليةأو العربية أو العالمية، إلا إذا كان مدعما بنظرية فلسفية أو فنية، وذلك في شكلنسق من التصورات الفكرية والجمالية ، وشبكة من المقاصد والأهداف والغايات، ترومتجديد المسرح بنية وتصورا، وتحديثه تجنيسا و تأسيسا وتأصيلا، مع طرح مجموعة منالأجوبة لأسئلة تتعلق بالوجود والإنسان والمعرفة والقيم.
ومن بين الحقول المعرفية التيعرفت التنظيرات بكثرة، نذكر: الحقل أو المجال المسرحي، فقد بدأ كثير من المبدعينوعلماء المسرح يصدرون بيانات وأوراق ومشاريع ودراسات تحمل في طياتها تأملاتتنظيرية، وذلك لفهم المسرح العربي من كل جوانبه المرجعية والجمالية والفنية، ووضعأسسه الفكرية والجمالية، قصد تأسيس مسرح عربي أصيل. وغالبا ما ينبني التنظيرالمسرحي على تحديد ماهية المسرح، وذكر مقوماته، والإشارة إلى تبعية المسرح العربيللغرب أو عدم تبعيته له. وبعد ذلك، ينتقل المنظر إلى رصد القواعد والمبادئ والأصولالنظرية ، وذلك سواء على المستوى الفكري أو على المستوى الفني والجمالي، مع تحديدالوظيفة والغرض من هذا التنظير الجديد.
ومن المعروف جيدا، أن التنظيرالمسرحي ليس جديدا في الساحة الثقافية العربية، بل كان معروفا لدى الغربيين ، فقدوجدناه عند أرسطو في كتابه:" فن الشعر"، وبرتولودبريخت في:" الأرغانون الصغير"، وكوردون كريك في نظريته حول إصلاح المسرح،و دنبيس ديدرو حول:" تناقضات الممثل"، وفيكتور هيجو في مقدمة مسرحيته:"هرناني"، الداعية إلى تكسير الوحدات الأرسطية الثلاث، وبيتر بروك في نظريتهالمتعلقة ب:"المساحة الفارغة"، وجيرزي كروتوفسكي صاحب:" نظرية المسرحالفقير"، وأنطونان أرطو صاحب المنهج الحركي و"مسرح القسوة"، وستانسلافسكي صاحب نظريةإعداد الممثل...وآخرين.
هذا، وقد عرفت الساحةالثقافية العربية في مجال المسرح منذ منتصف ستينيات القرن العشرين إلى يومنا هذامجموعة من النظريات والبيانات والأوراق والتصورات الدرامية ، التي حاولت البحث عنهوية المسرح العربي تأسيسا وتجنيسا وتجريبا وتأصيلا، سواء أكان ذلك على مستوىالمضمون أم على مستوى الشكل أم هما معا . وكل هذا من أجل مواجهة الاستلاب الحضاري والتغريبوالمسخ الثقافي.
ومن بين النظريات المسرحيةالمعروفة عربيا مسرح المقلداتي مع توفيق الحكيم، ومسرح السامر مع يوسف إدريس،والكوميديا المرتجلة مع علي الراعي، والاحتفالية مع عبد الكريم برشيد ، ومسرحالتسييس مع سعد الله ونوس ودريد لحام، والمسرح الحكواتي مع روجيه عساف ، ومسرحالصورة مع صلاح القصب، والمسرح التراثي مع عز الدين المدني، ومسرح الگوال مع عبدالقادر علولة، ومسرح النفي والشهادة مع محمد مسكين، والمسرح الثالث مع المسكينيالصغير، والبيان الجدلي مع عبد القادر عبابو، ونظرية الافتراض الجمالي مع نوال بنبراهيم،والنظرية الإسلامية مع عماد الدين خليل ونجيب الكيلاني وجميل حمداوي، ونظريةالاستدراك مع أحمد ظريف، و نظرية المرتجلات مع محمد الكغاط، والكوميديا السوداء معلحسن قناني ومصطفى رمضاني، والمسرح الفردي مع عبد الحق الزروالي، والنظرية المهنيةمع سعيد الناجي، والاحتفالية الجديدة مع محمد الوادي...
وما أحوجنا اليوم إلى نظرياتمسرحية جديدة لتفعيل دور المسرح، وتطوير الركح العربي تجريبا وتأسيسا وتأصيلا،وتنويع الريبرتوار المسرحي، وتحقيق التراكم والإنتاج الإبداعي تأليفا وتأثيثاوإخراجا ونقدا!

6- تطوير النقد المسرحي:

آن الأوان لتطوير النقد المسرحي العربي، وتجاوزالمقاربات السائدة، كالمقاربة الفنية، والمقاربة الانطباعية، والمقاربة الصحافية،والمقاربة التاريخية، والمقاربة المرجعية. واستبدال كل ذلك بالمناهج النصية،ولاسيما المناهج المعاصرة سواء أكنت سيميائية أم تفكيكية أم تداولية أم أسلوبية أمقرائية. والمنهج الأصلح لتناول قضايا المسرح العربي ، وتحليلعروضه ونصوصه هو المنهج السيميولوجي، الذي يتناول المعطى الدرامي تفكيكا وتركيبا،وذلك قصد التوصل إلى البنى العميقة التي تتحكم في العرض المسرحي توليدا وتكونا وبناء،وتحديد آليات الانتقال من البنية السطحية إلى البنية العميقة ، وذلك بغية معرفةطرائق انبثاق المعنى، معتمدين في ذلك على طريقة المستويات والبنى المنهجية لمعرفةكيفية تشكيل الدلالة النصية في هذا العرض المسرحي.
هذا، ويتم التركيز ، في إطارالمقاربة السيميائية، على مساراتها المنهجية ، كالمسار السردي، والمسار التمثيلي،والمسار التصويري، والمسار التوليدي، والمسار التلفظي.
هذا،وتتطلب المقاربةالسيميوطيقية في التعامل مع العرض المسرحي والدرامي أثناء عمليتي : التفكيك والتركيب البنيويين، الانطلاق من مجموعة منالنصوص المتداخلة والمتراكبة داخل العرض الميزانسيني، التي يمكن حصرها في: نصالمؤلف، ونص الممثل، ونص المخرج، ونص السينوغراف، ونص الراصد. ومن ثم، يصعبالإحاطة سيميائيا بكل تلك النصوص الشائكة والمعقدة. كما يعد المسرح في تركيبته البنائيةوالجمالية فنا شاملا وأب الفنون . وبالتالي، فهذا يتطلب من السيميوطيقي الإلمامبمجموعة من العلوم والمعارف والفنون والصور، وذلك للاستهداء بها في أثناء عمليةالتشريح والتحليل، كمعرفة تقنيات السينما والموسيقى والأدب والتشكيل والرقصوالنحت، والإلمام أيضا بتقنيات الإضاءة والسينوغرافيا ودراسة المنظور...
ولا نكتفي بسيميائية الفعلوالعمل كما عند كريماص وجوزيف كورتيس ورواد مدرسة باريس، بل ننتقل إلى سيميائيةالعلامات والرموز لدى بورس، فسيميائية الذات والأهواء والعواطف والانفعالات كماعند كريماص وجاك فونتانيي، ثم البحث عن مفاهيم جديدة نظرية وتطبيقية لمقاربةالنصوص والخطابات الاستهوائية. ونضيف إليها سيميائية الكلام والحواروالتواصل،مستلهمين نظرية سيميائية الكلام الروائي عند الباحث المغربي محمد الداهي.
ويمكن الاستعانة أيضابالمقاربة الإثنوسينولوجية التي ترتكز على مجموعة من المبادئ النظرية والتطبيقية،ويمكن حصرها في النقط التالية:
.مقاربة الظواهر الثقافية الإثنوغرافية، وذلكباعتبارها فرجات شعبية وممارسات أدائية احتفالية.
.تحديد مكونات الأشكال الفرجوية، وترسم طرائقاشتغالها، وتتبع تطورها أو نكوصها.
.رصد الأشكال التعبيرية والفرجات المسرحية فيأبعادها التاريخية والأنتروبولوجية والفلسفية ، مع تحديد بنياتها الشكلية،واستخلاص عناصرها البنيوية والسيميائية الثابتة والمتغيرة، كأن ندرس فن الحلقةبالمغرب مثلا، وذلك بمعرفة تاريخها، ورصد مكوناتها السيميائية اللفظية وغيراللفظية، وتعرف بناها الفنية والجمالية والكوريغرافية والإيقاعية، وتحليل خطابها الدلالي،واستقراء أبعادها الأنتروبولوجية والطقسية والفلسفية، وعلاقة تلك الفرجةالاحتفالية بالإنسان والمجتمع.
.البحث عن العلاقات المفترضة بين الأشكالالفرجوية الثقافية بالفن المسرحي، وهل يمكن اعتبارها رافدا من روافده أم هي شكلفني مستقل له هدفه وكيانه الخاص؟
.معرفة كيفية استثمار أشكال الفرجات الفطرية أومحتوياتها التراثية، والإفادة من بعض أجوائها لتطعيم العرض المسرحي بمزيد منالأصالة والثراء والتأسيس.
.الاعتماد على منهجية الملاحظة والإدراك والوصفو التحليل والتأويل، ووصف الأشكال الفرجوية بطريقة علمية موضوعية.
.البحث عن الفني والجمالي والدرامي في تلكالظواهر الفرجوية الثقافية الأنتروبولوجية، سواء أكانت تلك الظواهر بسيطة أم مركبة.
.دراسة تلك الفرجات الشعبية الفلكلورية على ضوءمناهج علمية متعددة ومتداخلة، وذلك من أجل تكوين فهم أدق وأعمق بجماليات الفرجة،ومعرفة طرائق اشتغالها أداء وعرضا وفضاء وجسدا وتصويتا وتنغيما.
.التعامل مع الممارسات الفرجوية الإثنوغرافية،وذلك باعتبارها ظواهر رمزية وسيميائية، وأشكالا علاماتية تستوجب الوصف والتفكيكوالتركيب.
.ربط الفرجة الفلكلورية بكل مكوناتها الجسديةوالموسيقية والحركية وطقوسها الأنتروبولوجية والمشهدية.
.البحث عن مواطن الإبداع والأصالة في تلكالممارسات الفرجوية الشعبية الاحتفالية ذات البعد اللامادي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.