"قومي حقوق الإنسان": غرفة عمليات إعلامية لمتابعة انتخابات الشيوخ 2025    المصريون في الرياض يشاركون في انتخابات مجلس الشيوخ 2025    الاستعلامات: 86 مؤسسة إعلامية عالمية تشارك في تغطية انتخابات الشيوخ 2025    جنوب سيناء تستعد لانتخابات الشيوخ ب15 مقرًا و18 لجنة فرعية    انخفاض الحديد.. أسعار مواد البناء اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    النقل: استمرار تلقي طلبات تأهيل سائقي الأتوبيسات والنقل الثقيل    أوكرانيا تستهدف بنية تحتية روسية في موجة جديدة من الهجمات بالطائرات المسيرة    رئيس عربية النواب: أهل غزة يحملون في قلوبهم كل الحب والتقدير لمصر والرئيس السيسي    جوردون يتعاطف مع إيزاك: الناس تنسى أنك إنسان في هذا السيناريو    وديًا.. العين الإماراتي يفوز على إلتشي الإسباني    استقبال شعبي ورسمي لبعثة التجديف المشاركة في دورة الألعاب الأفريقية للمدارس    مبابي: حكيمي يحترم النساء حتى وهو في حالة سُكر    هايد بارك ترعى بطولة العالم للاسكواش للناشئين 2025 تحت 19 عامًا    "قول للزمان أرجع يا زمان".. الصفاقسي يمهد لصفقة علي معلول ب "13 ثانية"    قرار عاجل من النيابة بشأن البلوجر "أم سجدة"    مشاجرة دامية بين عاملَي كافتيريتين في سوهاج والمحافظة تُغلق المحلين    أمطار على 5 مناطق بينها القاهرة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس خلال الساعات المقبلة    عمرو دياب يوجه كلمة ل عمرو مصطفى ويشكره خلال حفل العلمين (تفاصيل)    60 مليون جنيه.. إجمالي إيرادات فيلم أحمد وأحمد في دور العرض المصرية    رئيس جامعة بنها يعتمد حركة تكليفات جديدة لمديري المراكز والوحدات    "100 يوم صحة" تُقدم أكثر من 26 مليون خدمة مجانية خلال 17 يومًا    إصابة 7 أشخاص في حادث تصادم ب الشرقية    المصريون بالسعودية يواصلون التصويت في انتخابات «الشيوخ»    انطلاق قمة «ستارت» لختام أنشطة وحدات التضامن الاجتماعي بالجامعات لعام 2024-2025    «يونيسف»: مؤشر سوء التغذية في غزة تجاوز عتبة المجاعة    مراسل إكسترا نيوز: الوطنية للانتخابات تتواصل مع سفراء مصر بالخارج لضمان سلاسة التصويت    «بيت الزكاة والصدقات»: غدًا صرف إعانة شهر أغسطس للمستحقين    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ عالم أزهري يجيب    تعاون بين «الجمارك وتجارية القاهرة».. لتيسير الإجراءات الجمركية    «الصحة» تطلق منصة إلكترونية تفاعلية وتبدأ المرحلة الثانية من التحول الرقمي    مدبولي يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات بمجلس الوزراء خلال يوليو 2025    مفاجأة.. أكبر جنين بالعالم عمره البيولوجي يتجاوز 30 عامًا    ابحث عن طريقة لزيادة دخلك.. توقعات برج الحمل في أغسطس 2025    شكل العام الدراسي الجديد 2026.. مواعيد بداية الدراسة والامتحانات| مستندات    تنظيم قواعد إنهاء عقود الوكالة التجارية بقرار وزاري مخالف للدستور    انخفاض الطن.. سعر الحديد اليوم السبت 2 أغسطس 2025 (أرض المصنع والسوق)    "صحة غزة": شاحنات تحمل أدوية ومستلزمات طبية ستدخل القطاع اليوم عبر منظمة الصحة العالمية    تنسيق المرحلة الثانية للثانوية العامة 2025.. 5 نصائح تساعدك على اختيار الكلية المناسبة    استمرار انطلاق أسواق اليوم الواحد من كل أسبوع بشارع قناة السويس بمدينة المنصورة    أيمن يونس: شيكابالا سيتجه للإعلام.. وعبد الشافي سيكون بعيدا عن مجال كرة القدم    ترامب: ميدفيديف يتحدث عن نووي خطير.. والغواصات الأمريكية تقترب من روسيا    22 شهيدا في غزة.. بينهم 12 أثناء انتظار المساعدات    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب قبالة سواحل مدينة كوشيرو اليابانية    ترامب يخطو الخطوة الأولى في «سلم التصعيد النووي»    90 دقيقة تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 2 أغسطس 2025    وفاة والد معتمد جمال مدرب الزمالك السابق    حروق طالت الجميع، الحالة الصحية لمصابي انفجار أسطوانة بوتاجاز داخل مطعم بسوهاج (صور)    رسميًا.. وزارة التعليم العالي تعلن عن القائمة الكاملة ل الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة والمعاهد المعتمدة في مصر    سعر الذهب اليوم السبت 2 أغسطس 2025 يقفز لأعلى مستوياته في أسبوع    الصفاقسي التونسي يكشف تفاصيل التعاقد مع علي معلول    عمرو دياب يشعل العلمين في ليلة غنائية لا تُنسى    استشارية أسرية: الزواج التقليدي لا يواكب انفتاح العصر    مقتل 4 أشخاص في إطلاق نار داخل حانة بولاية مونتانا الأمريكية    محافظ سوهاج يقرر غلق محلين بسبب مشاجرة بعض العاملين وتعطيل حركة المواطنين    أمين الفتوى: البيت مقدم على العمل والمرأة مسؤولة عن أولادها شرعًا (فيديو)    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ د. يسري جبر يوضح    وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أجل إستراتيجية عربية لتحقيق التنمية المسرحية
نشر في إيجي برس يوم 27 - 08 - 2011

عرف المسرح في عالمنا العربي ،منذ السنوات الأخيرة من القرن العشرين، ركودا كبيرا، وكسادا لا مثيل له، حتىأصبحنا اليوم نتحدث عن نكسة المسرح العربي أو احتضاره أو موته. ويعني هذا أنالمسرح قد تراجع بشكل كبير ، لتأخذ السينما والقنوات الفضائية مكانته السحريةالممتعة. وقد تراجع المسرح أيضا لحساب الشعر والرواية والقصة القصيرة والقصة القصيرةجدا. كما تراجع معه مسرح الطفل، ومسرح الشباب، ومسرح الهواة، والمسرح الجامعي،والمسرح الاحترافي. ومن ثم، لم يعد المسرح اليوم مهنة أو حرفة تؤمن عيش الفنان، أويمكن أن يقتات بها الممثلون أو المؤلفون أو المخرجون أو التقنيون، بل أصبح المسرحمجرد هواية أو فن لتزجية الوقت، وتسلية الناس وترفيههم. علاوة على ذلك، فقد تخلتالدولة عن دورها الهام في دعم المسرح ماديا وماليا، وتشجيعه معنويا وثقافيا؛ لأنالمسرح يشكل خطرا دائما ، يؤرق الدولة، ويقض مضجعها ، مادام هذا المسرح ينتقدالسلطة بشكل من الأشكال، وذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة،. ويقوم بتوعيةالجماهير الشعبية تلميحا وإيحاء وتحريضا، وهذا ما لا تقبله السلطات الحاكمة التيترى فيه عدوا خطيرا من الدرجة الأولى، ينبغي محاربته بجميع الأسلحة الفتاكة ، وصدهبشتى الوسائل سواء أكانت شرعية أم غير شرعية، ومنعه بأي حال من الأحوال منالانتشار والرواج والتداول.
وعلى الرغم من ذلك، فلا يمكنالحديث إطلاقا عن نهضة ثقافية عربية، أو عن تقدم حقيقي في غياب المسرح. فرقي الأمةوازدهارها مرتبط أشد الارتباط بعدد المسارح والمعاهد الفنية. لذا، لابد من التفكيرفي إستراتيجية عربية لتنمية المسرح، ولايمكن أن يتحقق هذا إلا في مجتمع ديمقراطي؛لأن المجتمع اليوناني الذي تطور فيه المسرح بكل أنواعه كان مجتمعا ديمقراطيا ،يؤمن بالتعددية، وحرية الرأي، ويقتنع بمبدإ الاختلاف، ويمتثل لروح الحوار البناء.إذاً، ماهي أهم الاقتراحات لتحقيق التنمية المسرحية في العالم العربي؟

1- توفير البنيات التحتية:

لايمكن الحديث عن نهضة ثقافية في بلد ما إلا بتشييدقاعات العروض المسرحية ،وتشجيع الناس على الإقبال عليها بشكل لافت للانتباه،باعتبار أن المسرح أداة للتوعية والتنوير والتثقيف، ووسيلة لمحاربة الأمية والجهل.ويعد المسرح كذلك مسلكا حقيقيا للإفادة والإقناع والإمتاع. ولايمكن للمسرح العربيأن يحقق ازدهاره إلا بتشييد المسارح الفنية الواسعة والرحبة، وإنشاء المعاهدالتابعة لها للتعليم والتكوين والتأطير. زد على ذلك، لابد من بناء المركباتالثقافية التي تتوفر على قاعات للمسرح، ومكتبات فنية، وقاعات للتدريب والتكوينوالتأطير، وذلك بغية تقديم فرجات درامية سواء أكانت تراجيدية أم كوميدية أم مختلطةتجمع بين الملهاة والمأساة. ولابد كذلك من مراعاة الخصوصيات الحضارية والثقافيةحين بناء المسارح وتشييدها، حيث تخضع هندستها المعمارية للخصوصية العربية هويةوتأصيلا وتأسيسا. بمعنى أن تتلاءم المسارح مع الفضاءات العربية الفرجوية (الأسواق،والمواسم، والزوايا، والأضرحة، والملاعب، والساحات...)، كأن تؤسس الدولة أوالمؤسسات الخاصة مسارح دائرية أو شبه دائرية في فضاءات مفتوحة، كفضاء الحلقة،وفضاءات المسرح الاحتفالي...، مع التحرر من الفضاءات المسرحية الغربية المغلقة،بما فيها مسرح العلبة الإيطالية.

2- التشجيع المادي والمالي والمعنوي:

لايمكن للمسرح العربي أن يحقق نهضته الفنية والثقافيةالمرجوة إلا بالدعم الحقيقي، وتوفير الإمكانات المادية والمالية. بمعنى أن المسرحلايمكن أن يزدهر في ظل غياب التجهيزات المادية والتقنية والرقمية، أو في ظل غياب الإمكاناتالمالية. لأن المسرح لايمكن أن يتحقق بدون تمويل حقيقي وفعال. فلابد من تقديم منح وهبات تشجيعية ، وذلك في شكلمساعدات، للفرق والجمعيات والنوادي المسرحية، من أجل استكمال عملها الفني التأسيسيأو التجريبي. ولابد للدولة أو المؤسسات الخاصة أن تدعم بكلإمكاناتها المتوفرة المسرح التجريبي القائم على البحث والابتكار والاستكشاف؛ لأنهذا المسرح أساس النهضة الثقافية الحقيقية، ونواة التميز والإبداع والتفرد عربياوعالميا. وبتعبير آخر، على الدولة أن تشجع بكل ما أوتيت منإمكانات وطاقات المسرح التجريبي ماديا وماليا ومعنويا، من أجل أن ينتج هذا المسرح، عبر طاقاته الإبداعية المتميزة والخارقة، نظريات وممارسات متفردة، أو يقدم لنافرجات عربية نموذجية وحداثية لها قصب السبق عربيا وعالميا. ولأجرأة هذا التصور، يتعينعلى الدولة أو المحافظات أو البلديات المحلية أن تخصص نسبة 1% من ميزانيتها للمسرح.

3- التأطير والتكوين في المجال المسرحي:

تستلزم تنمية المسرح العربي على جميع المستوياتوالأصعدة أن تشرف الدولة أو المؤسسات الخاصة على تكوين الممثلين والمخرجينوالتقنيين والمؤلفين تكوينا جديدا، وذلك في ضوء النظريات الحديثة والمعاصرة. ويشملالتكوين معرفة تقنيات التمثيل والتشخيص، والاطلاع على مبادىء السينوغرافيا ، وتمثلنظريات الإخراج، وإتقان آليات الكوريغرافيا ، واكتساب تقنيات التأليف المسرحي، ومعرفةطرائق الإعداد الدراماتورجي للنصوص. ويعني هذا إخضاع المسرح العربي لقواعد الفنوالعلم، مع الاستعانة بالموهبة المصقولة. وبتعبير آخر، أصبح من الضروري تكوينالممثلين في معاهد الرقص والموسيقا والتشكيل والرياضة البدنية، ودفعهم لتعرف علومالترتيل والتجويد والخطابة، والاطلاع على اللسانيات الصوتية، ودراسة تاريخ الفنونوالآداب والعلوم، واستيعاب آليات مدارس التشخيص، وتقنيات الإخراج.

4- تطوير السينوغرافيا المسرحية:

تعرف السينوغرافيا بكونها علم تصوير الخشبة أو المنظرالركحي، ويهتم هذا العلم كذلك بالديكور، ومعمار الخشبة المسرحية. وتعدالسينوغرافيا بمثابة تقنية إخراجية ترصد الجوانب البصرية والهندسية للعرض المسرحي،من إضاءة، وموسيقا، وتشكيل، وتقسيم للخشبة ، واهتمام بالكوريغرافيا، والأزياء،والماكياج.
وإذا كان العرض المسرحي يحملدلالات لغوية منطوقة مباشرة أو غير مباشرة، فإن السينوغرافيا تقوم بمهمة التوضيحوالتفسير والشرح . أي: تؤول بصريا كل العلامات الغامضة ، وتشرح بالملموس الفيزيقيكل الدلالات الملتبسة الغامضة ، وتفكك كل الإشارات السيميائية أو الرمزية ، وذلكمن خلال ربطها بمرجع بصري حسي. ويعني هذا أن السينوغرافيا تنقل النص المسرحي منخاصيته التجريدية إلى عالم التجسيد البصري، والممارسة الركحية ، والتفسيرالأيقوني، والتمثيل الحركي، والكوريغرافيا الجسدية. ومن هنا، تتكون السينوغرافيابصفة عامة من الأزياء، والماكياج، والكتل البشرية، والديكور، والإضاءة، والموسيقا،وتنظيم الخشبة، وبناء المناظر والديكور. ويعني هذا أن السينوغرافيا أشمل من الديكوروالمعمار المسرحي. ومن ثم، فلها وظائف فنية وبصرية وجمالية ومرجعية، لاتتحدد إلاحسب سياق العرض المسرحي، وحسب متوالياته المشهدية، وفصوله الدرامية.
هذا، وقد تطورت السينوغرافيامن فن الزخرفة والديكور وهندسة المعمار إلى فن خلق الصور والرؤى ، وذلك من خلالتفعيل الإضاءة والألوان والتشكيل والشعر والآليات الرقمية والمعطيات السينمائيةالموحية.
ونخلص من كل هذا أنه آن الأوانلتنويع السينوغرافيا المشهدية، كأن نوظف السينوغرافيا التاريخية، والسينوغرافياالأسطورية، والسينوغرافيا الاحتفالية، والسينوغرافيا الشاعرية، والسينوغرافياالكروتيسكية، والسينوغرافيا البلاستيكية، والسينوغرافيا الكوريغرافية،والسينوغرافيا السيميائية، والسينوغرافيا الإثنوسينولوجية، والسينوغرافياالتجريدية، والسينوغرافيا الدادائية، والسينوغرافيا التكعيبية، والسينوغرافيا السريالية،والسينوغرافيا العبثية، والسينوغرافيا الواقعية، والسينوغرافيا الطبيعية،وسينوغرافيا اللامعقول، والسينوغرافيا الأنتروبولوجية... ، دون نسيان الاهتمامبالسنوغرافيات المعاصرة، كالسينوغرافيا الرقمية، والسينوغرافيا السينمائية،والسينوغرافيا التشكيلية ، بدلا من الاكتفاء بتقنيات المسرح الفقير. ولابد كذلك مناستغلال تقنيات فن التشكيل وخدع الطبع والتصوير، بدلا من إعداد سينوغرافيات ثقيلةومكلفة ومرهقة. ويعني هذا أنه لابد من الاستفادة من التكنولوجيا المعاصرة في خلقسينوغرافيا مسرحية أكثر اقتصادا وتلوينا وإبهارا وإدهاشا للمتلقي الراصد، مع تأثيثديكور العروض المسرحية تأثيثا ورقيا وبلاستيكيا بطرائق جديدة ، وذلك لأداء رسالات محددةتلميحا وإيحاء وتوهيما.

5- البحث عن نظريات مسرحية جديدة لتطوير المسرح العربي:

من المعروف أن الإبداع المسرحي لا يمكن أن يحقق جودتهووجوده وهويته وكينونته الحقيقية إلا من خلال الجمع بين النظرية والممارسة، وذلكفي علاقة جدلية ملتحمة ومترابطة ترابطا بنيويا وعضويا. و يعني هذا أن المسرح لايمكن أن يستمر ، أو يحقق التقدم والازدهار، أو يفرض نفسه في الساحة الثقافية المحليةأو العربية أو العالمية، إلا إذا كان مدعما بنظرية فلسفية أو فنية، وذلك في شكلنسق من التصورات الفكرية والجمالية ، وشبكة من المقاصد والأهداف والغايات، ترومتجديد المسرح بنية وتصورا، وتحديثه تجنيسا و تأسيسا وتأصيلا، مع طرح مجموعة منالأجوبة لأسئلة تتعلق بالوجود والإنسان والمعرفة والقيم.
ومن بين الحقول المعرفية التيعرفت التنظيرات بكثرة، نذكر: الحقل أو المجال المسرحي، فقد بدأ كثير من المبدعينوعلماء المسرح يصدرون بيانات وأوراق ومشاريع ودراسات تحمل في طياتها تأملاتتنظيرية، وذلك لفهم المسرح العربي من كل جوانبه المرجعية والجمالية والفنية، ووضعأسسه الفكرية والجمالية، قصد تأسيس مسرح عربي أصيل. وغالبا ما ينبني التنظيرالمسرحي على تحديد ماهية المسرح، وذكر مقوماته، والإشارة إلى تبعية المسرح العربيللغرب أو عدم تبعيته له. وبعد ذلك، ينتقل المنظر إلى رصد القواعد والمبادئ والأصولالنظرية ، وذلك سواء على المستوى الفكري أو على المستوى الفني والجمالي، مع تحديدالوظيفة والغرض من هذا التنظير الجديد.
ومن المعروف جيدا، أن التنظيرالمسرحي ليس جديدا في الساحة الثقافية العربية، بل كان معروفا لدى الغربيين ، فقدوجدناه عند أرسطو في كتابه:" فن الشعر"، وبرتولودبريخت في:" الأرغانون الصغير"، وكوردون كريك في نظريته حول إصلاح المسرح،و دنبيس ديدرو حول:" تناقضات الممثل"، وفيكتور هيجو في مقدمة مسرحيته:"هرناني"، الداعية إلى تكسير الوحدات الأرسطية الثلاث، وبيتر بروك في نظريتهالمتعلقة ب:"المساحة الفارغة"، وجيرزي كروتوفسكي صاحب:" نظرية المسرحالفقير"، وأنطونان أرطو صاحب المنهج الحركي و"مسرح القسوة"، وستانسلافسكي صاحب نظريةإعداد الممثل...وآخرين.
هذا، وقد عرفت الساحةالثقافية العربية في مجال المسرح منذ منتصف ستينيات القرن العشرين إلى يومنا هذامجموعة من النظريات والبيانات والأوراق والتصورات الدرامية ، التي حاولت البحث عنهوية المسرح العربي تأسيسا وتجنيسا وتجريبا وتأصيلا، سواء أكان ذلك على مستوىالمضمون أم على مستوى الشكل أم هما معا . وكل هذا من أجل مواجهة الاستلاب الحضاري والتغريبوالمسخ الثقافي.
ومن بين النظريات المسرحيةالمعروفة عربيا مسرح المقلداتي مع توفيق الحكيم، ومسرح السامر مع يوسف إدريس،والكوميديا المرتجلة مع علي الراعي، والاحتفالية مع عبد الكريم برشيد ، ومسرحالتسييس مع سعد الله ونوس ودريد لحام، والمسرح الحكواتي مع روجيه عساف ، ومسرحالصورة مع صلاح القصب، والمسرح التراثي مع عز الدين المدني، ومسرح الگوال مع عبدالقادر علولة، ومسرح النفي والشهادة مع محمد مسكين، والمسرح الثالث مع المسكينيالصغير، والبيان الجدلي مع عبد القادر عبابو، ونظرية الافتراض الجمالي مع نوال بنبراهيم،والنظرية الإسلامية مع عماد الدين خليل ونجيب الكيلاني وجميل حمداوي، ونظريةالاستدراك مع أحمد ظريف، و نظرية المرتجلات مع محمد الكغاط، والكوميديا السوداء معلحسن قناني ومصطفى رمضاني، والمسرح الفردي مع عبد الحق الزروالي، والنظرية المهنيةمع سعيد الناجي، والاحتفالية الجديدة مع محمد الوادي...
وما أحوجنا اليوم إلى نظرياتمسرحية جديدة لتفعيل دور المسرح، وتطوير الركح العربي تجريبا وتأسيسا وتأصيلا،وتنويع الريبرتوار المسرحي، وتحقيق التراكم والإنتاج الإبداعي تأليفا وتأثيثاوإخراجا ونقدا!

6- تطوير النقد المسرحي:

آن الأوان لتطوير النقد المسرحي العربي، وتجاوزالمقاربات السائدة، كالمقاربة الفنية، والمقاربة الانطباعية، والمقاربة الصحافية،والمقاربة التاريخية، والمقاربة المرجعية. واستبدال كل ذلك بالمناهج النصية،ولاسيما المناهج المعاصرة سواء أكنت سيميائية أم تفكيكية أم تداولية أم أسلوبية أمقرائية. والمنهج الأصلح لتناول قضايا المسرح العربي ، وتحليلعروضه ونصوصه هو المنهج السيميولوجي، الذي يتناول المعطى الدرامي تفكيكا وتركيبا،وذلك قصد التوصل إلى البنى العميقة التي تتحكم في العرض المسرحي توليدا وتكونا وبناء،وتحديد آليات الانتقال من البنية السطحية إلى البنية العميقة ، وذلك بغية معرفةطرائق انبثاق المعنى، معتمدين في ذلك على طريقة المستويات والبنى المنهجية لمعرفةكيفية تشكيل الدلالة النصية في هذا العرض المسرحي.
هذا، ويتم التركيز ، في إطارالمقاربة السيميائية، على مساراتها المنهجية ، كالمسار السردي، والمسار التمثيلي،والمسار التصويري، والمسار التوليدي، والمسار التلفظي.
هذا،وتتطلب المقاربةالسيميوطيقية في التعامل مع العرض المسرحي والدرامي أثناء عمليتي : التفكيك والتركيب البنيويين، الانطلاق من مجموعة منالنصوص المتداخلة والمتراكبة داخل العرض الميزانسيني، التي يمكن حصرها في: نصالمؤلف، ونص الممثل، ونص المخرج، ونص السينوغراف، ونص الراصد. ومن ثم، يصعبالإحاطة سيميائيا بكل تلك النصوص الشائكة والمعقدة. كما يعد المسرح في تركيبته البنائيةوالجمالية فنا شاملا وأب الفنون . وبالتالي، فهذا يتطلب من السيميوطيقي الإلمامبمجموعة من العلوم والمعارف والفنون والصور، وذلك للاستهداء بها في أثناء عمليةالتشريح والتحليل، كمعرفة تقنيات السينما والموسيقى والأدب والتشكيل والرقصوالنحت، والإلمام أيضا بتقنيات الإضاءة والسينوغرافيا ودراسة المنظور...
ولا نكتفي بسيميائية الفعلوالعمل كما عند كريماص وجوزيف كورتيس ورواد مدرسة باريس، بل ننتقل إلى سيميائيةالعلامات والرموز لدى بورس، فسيميائية الذات والأهواء والعواطف والانفعالات كماعند كريماص وجاك فونتانيي، ثم البحث عن مفاهيم جديدة نظرية وتطبيقية لمقاربةالنصوص والخطابات الاستهوائية. ونضيف إليها سيميائية الكلام والحواروالتواصل،مستلهمين نظرية سيميائية الكلام الروائي عند الباحث المغربي محمد الداهي.
ويمكن الاستعانة أيضابالمقاربة الإثنوسينولوجية التي ترتكز على مجموعة من المبادئ النظرية والتطبيقية،ويمكن حصرها في النقط التالية:
.مقاربة الظواهر الثقافية الإثنوغرافية، وذلكباعتبارها فرجات شعبية وممارسات أدائية احتفالية.
.تحديد مكونات الأشكال الفرجوية، وترسم طرائقاشتغالها، وتتبع تطورها أو نكوصها.
.رصد الأشكال التعبيرية والفرجات المسرحية فيأبعادها التاريخية والأنتروبولوجية والفلسفية ، مع تحديد بنياتها الشكلية،واستخلاص عناصرها البنيوية والسيميائية الثابتة والمتغيرة، كأن ندرس فن الحلقةبالمغرب مثلا، وذلك بمعرفة تاريخها، ورصد مكوناتها السيميائية اللفظية وغيراللفظية، وتعرف بناها الفنية والجمالية والكوريغرافية والإيقاعية، وتحليل خطابها الدلالي،واستقراء أبعادها الأنتروبولوجية والطقسية والفلسفية، وعلاقة تلك الفرجةالاحتفالية بالإنسان والمجتمع.
.البحث عن العلاقات المفترضة بين الأشكالالفرجوية الثقافية بالفن المسرحي، وهل يمكن اعتبارها رافدا من روافده أم هي شكلفني مستقل له هدفه وكيانه الخاص؟
.معرفة كيفية استثمار أشكال الفرجات الفطرية أومحتوياتها التراثية، والإفادة من بعض أجوائها لتطعيم العرض المسرحي بمزيد منالأصالة والثراء والتأسيس.
.الاعتماد على منهجية الملاحظة والإدراك والوصفو التحليل والتأويل، ووصف الأشكال الفرجوية بطريقة علمية موضوعية.
.البحث عن الفني والجمالي والدرامي في تلكالظواهر الفرجوية الثقافية الأنتروبولوجية، سواء أكانت تلك الظواهر بسيطة أم مركبة.
.دراسة تلك الفرجات الشعبية الفلكلورية على ضوءمناهج علمية متعددة ومتداخلة، وذلك من أجل تكوين فهم أدق وأعمق بجماليات الفرجة،ومعرفة طرائق اشتغالها أداء وعرضا وفضاء وجسدا وتصويتا وتنغيما.
.التعامل مع الممارسات الفرجوية الإثنوغرافية،وذلك باعتبارها ظواهر رمزية وسيميائية، وأشكالا علاماتية تستوجب الوصف والتفكيكوالتركيب.
.ربط الفرجة الفلكلورية بكل مكوناتها الجسديةوالموسيقية والحركية وطقوسها الأنتروبولوجية والمشهدية.
.البحث عن مواطن الإبداع والأصالة في تلكالممارسات الفرجوية الشعبية الاحتفالية ذات البعد اللامادي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.