«بلد تصنع الناس / الناس تخلق البيوت / البيوت تبنى الحب / الحب يدٌ تقاوم الخراب/ ؛ «الخراب سلطانٌ»/ السلطان من أمد إلى أبد يمتلك البلد/ فكيف البلد تصنع الناس/ والناس تصنع البيوت/ والبيوت تبنى الحب؟!» ربما تكون هذى القصيدة خلاصة الديوان الأحدث للشاعر أحمد المريخى «حركات مراهقين». هى إجمال تفاصيل «موال الصبر» الذى سرد الشاعر سيرته الذاتية فى الجزء الأول من ديوانه عبر أبطال مثل غازلة الصوف، وفاتل حبال، وبائع سمك، وصاحب طائر، وصانع فخار، وكلهم عناوين قصائد وحكايات تتقاطع تيماتها، ومصائرها حيث: الحسرة أكبر من الألم/ والحيرة أقسى من الحسرة / والهلع أقوى من الجميع.
يضم هذا الجزء ست قصائد، يمكن اعتبار كل منها أحد مقاطع قصيد طويل، حيث تتصاعد المضامين طوليا مع توالد القصائد، فى بناء دائرى يرتبط أوله بما بعده وصولا إلى الآخر والعكس مثل:
«والأفكار تتقاطع؛
تذكر الأطفال والأحلام وغازلة الصوف،
تذكر الضيوف،
ورأى مصيره فى شبح راع فقد غنماته فى غفلة،
فكان الهلع أقوى من الحيرة والحسرة والألم،
وكان أروع من المصير».
الجزء الثانى عنوانه «حكايا»، ومضات مكثفة متباينة القصر، يتجاور خلالها أبطال من الطبيعة مع البشريين، كالوردة والشجرة والعصفورة، ويعتمد أكثره على تيمة المفارقة التى انحاز لها الشاعر كثيرا فى ديوانه الأول «ضد رغبتى»، وتتسرب خلاله حالة من الوجع ليست أقل قتامة وشفافية من القسم الأول، ورغم الإصرار على اكتمال «الحكيوة» ينشر الفراغ الموزع بين سطور كل منها، وعلى مستوى القصيدة الواحدة كذلك تفاصيل غير مرئية، يمكنها أن تزيح أو تضيف أو تستبدل تفاصيل الحكايات المسرودة، وربما تبقى على المصير:
• «وكان اليوم، غافلت النادل والرواد وكان وكان....»
• «كان لها أن تنجو/ لولا الشوارع خاوية/ الرصيف يتسع للمارة/ الشجرة مظلة/ القاهرة التى أبدا لم تنم... هادئة/ عندما استقبلها عابر سبيل/ فتش أحشاءها/ وتركها دون اسم أو رسم.. ودون ضجيج». ثم يعود المريخى فى القسم الثالث من الديوان إلى ذاته التى أوهمنا أنه ركنها على جنب، وكانت احتلت فى الديوان السابق أغلبه، ليستكمل «حركات المراهقين» الصادر عن دار وعد، عبر حكيه عن ذات «على مشارف الأربعين»، تستكمل تدوين هزائمها، بصيغة ربما أكثر غموضا، وحدة ربما:
• «فيا أبانا الذى أفنانا
فى الأرض
وفى السماوات
وفى الملكوت
وتعتقد بأنك سيد العارفين..
«طز»
أنت خطأ العالم
وما نحن بحالمين».
• «وسكان مصر ينفضون سيرتى/ يبحثون فى سرعة مهولة عن رخامة لقبر فى مدافن/ ثم يجمعون فى ملل جنيهات نعيى فى جريدة/ الجريدة مائدة لا تنظرها زوجتى إلا فى ومضات الطعام/ تقطف فى خطفة ما بان من خبرى/ إن كان حلوا تنسمت/ وإن كان مرا تردنى لمآلى/ وتلقمنى لزبال من مصر».
يختتم هذا الجزء قصيدة «عرض أخير» التى أهداها الشاعر لأعضاء حركة 6 أبريل، ورسمها اتكاء على تيمة السخرية المريرة، لذا لن يضحك إلا من ليس له علاقة بالعرض:
«أنا الشرير؛
أعذب الضابط المسكين
أخرج السكين من أسفل ظهرى
وأشهرها فى أنفه المزكوم
لن أنسى أن أغلق الباب... ب«مدرعة» طبعا
وعندما يصفعنى على خدى أدير له
«مؤاخذتى»
وأتركه يتعذب برائحة الشعب».
لا أعرف لماذا اختار أحمد المريخى عنوان «حركات مراهقين» رغم النضج الواضح على مستوى اللغة والبنية والدلالة، ولا أعرف أى مستوى من المراهقة قصد، مثلما لا أعرف لماذا اختار تقسيم ديوانه رغم ترابطه ودورانيته منذ البدء إلى الآخر، ووحدة الهم، وتقارب مستوى اللغة، لكن ما أعرفه أن الفرق والنقلة بين تجارب المريخى كبيران، هذا ما كشفه هذا الديوان حاد التميز والرهافة، وستؤكده قصائد أخرى قرأتها، سيضمها ديوانه المقبل، لتكتمل ملامح تجربة غير عادية لشاعر جنوبى عطلنا عن قراءته تردده فى النشر، وإصراره على ألا يدفع مقابل نشر شعره، ليس بخلا ولكن احتراما لجلال الكتابة.