«نعم كان يوجد وزير ثقافة قبل الثورة غير فاروق حسنى»... يبدو أن هذه الجملة، أثارت «حفيظة» بعض قراء موقع الشروق الالكترونى، تعليقا على موضوع منشور فى الصفحة الأخيرة، نُشر بعد رحيل الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة الأسبق.
هؤلاء القراء، كان منهم الناقد د.مجدى يوسف الذى قال بالنص، دون تصرف منا: «إن الراحل كان صاحب «نيات طيبة»، ولكنه كان فى الوقت ذاته غير قادر على التمييز بين الظواهر الفكرية والثقافية، فيضع مثلا «جوته»، و«برخت» فى سلة واحدة، بينما هما فى الأساس متناقضان. وقد كان صديقنا صلاح جاهين لا يتحدث عنه إلا بسخرية شديدة من «شدة ذكائه» والعياذ بالله! كما كان الراحل حسين فوزى لا يتحدث معى عنه إلا بقدر كبير من التحفظ كى لا أقول الاشمئزاز مع أن كليهما كان غربى التوجه فيما يتعلق بعملية التحديث فى مصر. ولكننا درجنا فى هذا البلد على الاحتفال بأى من كان، لا سيما إذا ما كان يوما فى السلطة بكل ما أتاحته له من إمكانات الشعب المصرى حين كان مغلوبا على أمره، وقد ذهب ذلك بعد ثورة يناير إلى غير رجعة، كى يتصرف فيها على قدر رؤيته المتواضعة فى مثل حالة ذلك الضابط الراحل. فنقرأ الفاتحة على روحه، وهذا يكفى تماما».
كم يكون قاسيا، الدفاع عن شخص ما؛ لأنه كان يوما مسئولا ثقافيا، كأن المفترض ألا يتولى المثقف منصبا إداريا. وهل كان الراحل العظيم إبراهيم أصلان، الكاتب الأقرب لى ولأجيال كثيرة، فى موضع «خادم السلطة»، حين تولى رئاسة مشروع مكتبة الأسرة. بالطبع لا.
المفترض أن كل شخص مسئول فقط عن أعماله وأفعاله، حتى ولو كان يعمل فى هيئة حكومية. والسؤال: هل ترك ثروت عكاشة فعلا مؤلفات تستحق الإشادة أم لا؟ وهل حين تولى وزارة الثقافة كان خادما لها أم للسلطة؟ وهل تنطبق عليه العبارة التالية: «ولكننا درجنا فى هذا البلد على الاحتفال بأى من كان، لا سيما إذا ما كان يوما فى السلطة»؟
بنظرة بسيطة على مؤلفات عكاشة، ومواقفه الثقافية، نعرف أن عكاشة رغم كل الانتقادات له، كان وزيرا مهما للثقافة، مقارنة مع نظرائه من الوزراء السابقين والحاليين.
وبعيدا، عن التقارير الصحفية السريعة التى تهتم بالتواريخ والانجازات، وهى التقارير التى حصرت الرجل فى مهام وظيفته كوزير للثقافة، ودوره فى إنقاذ آثار النوبة ومعبدأبوسمبل، وبعض الأمور الأخرى، إلا أن أهمية عكاشة، لا تتمثل فى أنه وزير ثقافة، بقدر أهمية كتبه. وتكفى موسوعته الفنية «العين تسمع والأذن ترى» للحديث عنه. وهذا يعنى أن الاحتفاء بعكاشة لم يكن؛ لأنه «كان يوما فى السلطة»، إنما؛ لأنه كان يوما صاحب أهم الإنجازات فى تاريخ الثقافة المصرية، فهو «الرجل الذى عاش حياته مثقفا حتى وهو غارق فى دهاليز السياسة وكواليسه الخفية»، بتعبير غالى شكرى، لذلك هنا لا نرثيه؛ لأن «أولى الناس بالرثاء من يُحيل أحلامه إلى ذهب وفضة» بحسب جبران.