كانت الشمس تقاوم السحاب الرمادى كى تدفئ القاهرة ولو قليلا. كنت واحدا من ملايين الدائخين بين الارتباك الذى تفرضه شعارات متضاربة، وبين حلم الوصول إلى درجة من هدوء يتيح لنا خطوات مصرية إلى المستقبل الذى حلم به ثوار الخامس والعشرين من يناير. أقود سيارتى إلى مقر أحبائى، فمعرض الكتاب هو بيت من أحببتهم، هؤلاء الذين يتأملون الكون ويخرجون التأملات إلى كلمات أو أحلام أو روايات. أعلم الوجه الذى سأبدأ من عنده خطواتى فى المعرض، إنه وجه الدكتور أحمد مجاهد ابن مصطفى مجاهد أول من علمنى فن اختصار السطور فيما أكتب، حيث كان ضمن هيئة سكرتارية تحرير «روزاليوسف» إلى أن انتقل إلى سكرتارية تحرير مجلة الإذاعة مع المتصوف الراحل الرائع أحمد بهجت. وأفرح عندما ينادينى د. أحمد بلقب «يا عمى» فهو خلاصة شديدة الجرأة والحزم وله ملامح هادئة تقول لك «كل شىء سيسير كما تتوقع، وسيخرج الناتج على أفضل صورة ذات مضمون مؤثر». عرفت عنه ذلك إبان عمله مساعدا فعالا لعماد أبوغازى عندما كان معاونا لجابر عصفور فى إدارة المجلس الأعلى للثقافة، فجابر هو من أنهى رحلة الثرثرة التى بلا صوت والتى احترفها الراحل يوسف السباعى إبان إدارته لهذا الموقع خلال سنوات طويلة، فدبت الحيوية فى الجهاز الثقافى الحساس، وبدأ ضوؤه يمتد من المحيط إلى الخليج، فمصر التى فترت قيادتها السياسية لإدارة العالم العربى، وجدت فى أسلوب جابر عصفور ما يعوض عجز السياسة لتكون الثقافة هى جسر التلاقى العربى. وكان عماد أبوغازى أكبر مساعدى جابر عصفور فى تلك المهمة القتالية التى تقيم المؤتمرات وتدعو الضيوف وتطرح المناقشات، وكان لابد من قادة آخرين يشاركون فى هذا الجهد الهادئ الذى يلقى الإنكار أحيانا، ويجد التقدير فى أحيان أخرى، وكان التقدير هو الغالب، والنقد هو النابع من رغبة فى التطوير وكان على أحمد مجاهد أن يشارك فى تلك المهمة القتالية. والتعاون بين عماد أبوغازى وأحمد مجاهد كان مثار إعجابى الشديد، فمصرية عماد أبوغازى تمتد لجذوره فهو حفيد لمحمود مختار هذا المثال الفنان المعجزة الذى تفخر ثورة 9191 بانحيازه لأحلامها المصرية، وعماد أبوغازى هو ابن هذا الراقى الكبير بدر الدين أبوغازى الذى رفض تخصيص قصر محمد محمود ليسكن فيه السادات؛ وطبعا كان لابد من خروج بدر الدين أبوغازى من موقع وزير الثقافة كى يأتى من يسهل للسادات الاستيلاء على قصر فنى شديد الثراء يضم من كنوز اللوحات العالمية ما يصعب الحصول عليه مرة أخرى، ويصعب وجود مكان آخر ليحتوى تلك الكنوز. وبقى من بدر الدين أبوغازى تلك البشارات الحية لعين قادرة على أن ترى موسيقى الإبداع فى أعمال فنانى مصر والعالم عبر دراسات تعلم الوجدان كيف يرى الفن الجميل بعد أن طمست السنوات قدرة العين المصرية على اكتشاف الجميل والمبهج القادر على غسيل الأعماق وأورث بدر الدين أبوغازى ابنه دماثة خلق وتواضعا له ضوء من كبرياء وإذا ما جاء أحمد مجاهد ليعاون عماد أبوغازى وجابر عصفور فى تلك المهمة القتالية التى ينتصر فيها الوجدان المصقول بخبرات ثقافية وسياسية تنتمى لجوهر خلاق، وترفض تعليب العقول فى صناديق سابقة التجهيز. وإذا كان أحمد مجاهد هو معاون لعماد أبوغازى فى الحركة اليومية لإدارة المجلس الأعلى للثقافة، فعلينا ألا ننسى أن صلة أحمد مجاهد بجابر عصفور لا تتوقف على أن كليهما أستاذ للأدب العربى بالجامعة، ولكن هناك تواصلا له أساس من محبة فياضة لواحد ممن أسسوا الثقافة المصرية المعاصرة، وهو الشاعر الذى لا نظير لصفائه وتصوفه وهو أستاذى صلاح عبدالصبور. أضحك لملامح صلاح عبدالصبور وهى تتراءى فى خيالى وأنا متجه إلى معرض الكتاب قائلا «النبوءة الوحيدة التى لم تصدق فيها حين قلت لى: أخشى أن نكون آخر القادرين على عشق الموسيقى واللوحة والكتاب». قال ذلك ونحن خارجان من مكتب منصور حسن إبان توليه منصب وزير الدولة لرئاسة الجمهورية ووزيرا للثقافة والإعلام، وكان من سبقنا إلى الخروج من مكتب منصور حسن فنان شاب هو فاروق حسنى الذى استدعاه منصور من روما ليوكل إليه إدارة الأفكار التى تبدأ من إعادة النظر إلى الخريطة المصرية بما تضمه من قدرات وخبرات وثروات، أشار لى صلاح عبدالصبور متحدثا عن فاروق حسنى «هذا الفنان الشاب ارتوى بشكل كبير من إبداعات صديق عمرك سيف وانلى فهو خريج كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، وهو مبدع فى دنيا الألوان واللوحات، فضلا عن دراسته غير العادية للموسيقى الكلاسيكية، ووجوده لسنوات فى أوروبا جعله على صلة بكل ثقافتها المتوسطية، فهو الآن وكيل الأكاديمية المصرية فى روما بعد سنوات قضاها فى باريس». ولم تسعف الظروف منصور حسن كى يضم فاروق حسنى لهيئة مكتبه فقد جرت الأحداث السياسية ليظل فاروق حسنى فى مكانه بروما وليمضى صلاح عبدالصبور إلى استكمال الشكل النهائى لتأسيس المجلس الأعلى للثقافة، فالمثقفون عليهم أن يديروا أنفسهم بأنفسهم. ويتركنى صلاح عبدالصبور ليركب سيارته من أمام منزله ليواصل السير إلى بيت أستاذته سهير القلماوى التى اعتزلت منصبها لإدارة الهيئة العامة للكتاب، ولتأسيسها لمعرض الكتاب وكان العقل الثقافى يغلى برفض التطبيع مع إسرائيل، وكان معرض الكتاب على الأبواب وعلى صلاح عبدالصبور أن يوازن بين حق المثقفين فى عدم التطبيع وفى نفس الوقت ألا يتسبب معرض الكتاب فى عرقلة خطوات السادات لاستكمال تحرير التراب المصرى من كل أثر لإسرائيل. ومازالت كلماته تعود إلى رأسى متسائلا عن عمق علاقته بسهير القلماوى، فيقول «إنها الابنة الأولى لطه حسين فى تحرير العقل من البقاء فى قمقم الأفكار الجاهزة». فأنت إن لم تدرس بعمق وتختار لنفسك طريقا حرا فى الإبداع فأنت لن تستطيع الوصول إلى المستقبل وأنت مجهز بقدرات نفسية وعقلية على السير إلى الأمام. يؤكد صلاح عبدالصبور حقيقة أساسية وهى أن سهير القلماوى اعتزلت العمل الوظيفى منذ أن ترنحت الثقافة على أيدى من ابتذلوها فى دائرة الولاء للرئيس السادات، صحيح أن جيهان السادات تحب التواصل مع الأستاذة الكبيرة، والصحيح أيضا أن سهير القلماوى قادرة على الاحتفاظ بمسافة بينها وبين الذوبان فى رحلة وضع العقل المصرى داخل جورب الرئيس وحرمه. ويسألنى صلاح عبدالصبور عن خطوات علاج الشاعر المبدع أمل دنقل، فأطمئنه بأن قرارات علاجه تسير فى مساراتها ولن يجرؤ أحد على النيل من قيمة هذا الشاعر ويستريح أستاذى لمتابعتى أمر علاج أمل دنقل، فأضحك قائلا أنت لا تعلم أن أمل صديق ليلى لى، ألقاه لنجلس فى النسيونال وهو قد أخبرنى بتوقعه لمرضه عام 6691 حيث قال إن السرطان ينتظره عند الأربعين، وكثيرا ما حذرته ضد هذا التوقع، لأن التوقع هو استدعاء لما يخشاه الإنسان، يقرر الشاعر الكبير أن السرطان القادر على اغتيال الثقافة المصرية هو عدم قدرتنا على تلمس الحقيقة البديهية، وهى أننا كمثقفين عائلة يتميز أفرادها بقبول اختلاف كل مثقف منهم عن الآخر، وألا نسمح للأنانية ضيقة الأفق أن يلغى أحدنا الآخر. وعلينا أن ننتبه إلى الحقيقة البديهية التى تقول لنا أن الثقافة المصرية المعاصرة هى نسيج عبقرى يبدو كاعتذار واضح عن عدم استيعاب ثورة 32 يوليو لقيمة المثقفين، حين أوكلت إدارتها لبعض الوقت إلى د. عبدالقادر حاتم، فعلى الرغم من أن حاتم برع فى تأسيس التليفزيون إلا أنه أراد تحويل المثقفين إلى ببغاوات تردد قسم الولاء لشخص واحد هو جمال عبدالناصر، وأصر فيما بعد ذلك أن يجعل الولاء بعد حرب أكتوبر لشخص السادات ولم ينتبه إلى أن ثروت عكاشة هو من رأى كيف يمكن للثقافة أن تتنوع وتزدهر، ووصل الماضى الفرعونى القديم بالحضارة العربية، وصولا إلى رفاعة رافع الطهطاوى ومن بعده طه حسين وجيل الرواد وصولا إلى سهير القلماوى ومن تلاها من أجيال. يتراءى لى بعيون الخيال كيف حاول سمير سرحان عبر سنوات إدارته لمعرض الكتاب أن يجمع «الشامى» على «المغربى»، وكيف يمكن أن يوفق بين تيار يمثله ثروت عكاشة بكل ما فيه من أصالة، بتيار يمثله عبدالقادر حاتم بكل ما يمثله من تذويب للتفكير المستقبل كى يكون مجرد خيوط فى جورب الحاكم سواء أكان اسمه السادات أو مبارك أو أى اسم آخر، فقد كان حلمه الجمع بين تيار أستاذه رشاد رشدى أستاذ الأدب الإنجليزى الذى أقسم بالولاء للملك فاروق قديما وظل يقسم بالولاء لكل قائد من بعد ذلك، وبين لويس عوض أستاذ الأدب الإنجليزى أيضا الذى يبحث لنفسه دائما عن موقع قدم متمرد يرى فيه عكس ما يرى القطيع. ولم يكن باستطاعة سمير سرحان التوفيق بين تفرد محمد حسنين هيكل ورضوخ موسى صبرى الذى حاول أن ينال فى عصر السادات مكانة الأستاذ هيكل عند جمال عبد الناصر. وطبعا نسى سمير سرحان أن عبدالناصر كان قارئا نهما، والأستاذ هيكل مثقف كثيف التواصل مع أنحاء الكون، ويصعب على أى شخص أن ينال مكانة هيكل التى تزامنت مع رفعة مكانة ثورة يوليو، والتى كان محمد حسنين هيكل يمثل فيها دور الكشاف النورانى الضخم لطريقها، حتى فيما بعد الهزيمة العسكرية التى وقعت فى عام 7691 فهيكل صانع سياسات وليس مجرد «جورنالجى» كما يقول عن نفسه تواضعا. ولعل مجىء فاروق حسنى كوزير للثقافة كان حجر عثرة فى طريق من تمنوا المنصب الوزارى، بداية من صفوت الشريف الذى حلم بالجمع بين وزارتى الإعلام والثقافة، فقد آمن بضرورة سحق العقول كى يضعها فى قالب واحد مثلما فعل حاتم، ولكن مبارك الذى أتقن فن الحفاظ بشخص تجعله عدوا لك لأنه يهددك، لذلك لم يمنح صفوت الشريف حلم الجمع بين المنصبين، واستطاع فاروق حسنى أن يجعل من عمله على الساحة الثقافية نوعا من تطوير وتعميق ما جاء به ثروت عكاشة، ولعل إبداع فاروق حسنى أنه حاول ذلك مع رجل مثل مبارك الذى حاول استخدام الثقافة كمجرد واجهة يخفى خلفها مسلسل الشراهة والشراسة فى جمع المال والثروة، ونجح فاروق حسنى فى إقامة حاجز بين استبداد مبارك وبين العقل المصرى المثقف، ومن الابتذال أن ننسى جسارة الرجل وإضافاته للثقافة المصرية، ونتجاهل أعمال بناء دار الأوبرا، أو إعادة تأهيل شارع المعز لدين الله الفاطمى، وإحياء دار الكتب بباب الخلق، وتجديد المتحف الإسلامى، وغير ذلك من إنجازات وقف وراءها فاروق حسنى. نعم من الابتذال أن ننسى تشجيعه غير المحدود لفكرة جابر عصفور بإحياء الترجمة ببر مصر المحروسة، فصار عندنا حتى الآن أكثر من ألفى كتاب مترجم، وصرت أنا كاتب هذه السطور أسير قراءة ما يقدمه هذا المشروع الذى صار مركزا قوميا للترجمة. ومازال المشروع يتواصل. وما أن أصل إلى معرض الكتاب حتى أجد الزحام - نفس الزحام - الذى كنت أجده منذ أن كان معرض الكتاب مجرد عدد محدود من القاعات فى أرض المعارض والتى صارت الآن دارا للأوبرا، فسنوات المعرض الاثنتا والأربعون موجودة فى ذاكرتى، بل أكاد أن أقول ان المعرض هو النافذة التى أطللت منها على العالم العربى لألتقى بروايات جبرا إبراهيم جبرا، هذا الفلسطينى العذب الذى عاش فى بغداد أثناء سنوات ازدهارها قبل أن يدهمها تتار القرن الواحد والعشرين أى جنود المارينز الأمريكيين، وتعرفت من بوابة معرض الكتاب على إبداعات حنا مينا وشعر محمود درويش وترجمات الأدب اليابانى، فصارت أيام المعرض هى فرحى الشخصى. وهاهو د. أحمد مجاهد يجلس فى مكتبه لاستقبال ضيوف من تونس ومن العالم العربى بآهات أحزان هذا العالم الذى تحاول مؤامرات الغرب إعادة افتراسه من جديد. وأجد سكرتيره وهو يدخل حاملا آخر ما طبعته الهيئة العامة للكتاب ألا وهو ديوان عبد الرحمن الأبنودى الأخير «الميدان» ويفاجئنى أحمد مجاهد بالقول أنه قام أيضا بطباعة الديوان على سى دى بصوت عبدالرحمن الأبنودى. وأطل أمامى لأجد أغلب ما أنتج صديق رائع أحببته وآمنت، أنه واحد من أكبر المظلومين فى تاريخنا الثقافى ألا وهو حسين ذوالفقار صبرى، وحين أصف الرجل بالصديق فليس معنى ذلك أنى كنت ألقاه كثيرا، فقد لقيته مرتين لا أكثر ولا أقل، ولكنى كنت أتابع أى حرف يكتبه أو يصدر عنه. فكتابه عن هزيمة الخامس من يونيو كان هو العلاج الشافى لشخصى من آلام تلك الهزيمة ، وكتابه عن حور محب هو النبوءة التى لم يرها وهى تتحقق عبر ثورة الشباب فى الخامس والعشرين من يناير. وعلى البعد من المجلد الذى يضم أعمال حسين ذو الفقار صبرى أجد مجموعة مسرحيات صلاح عبدالصبور هذا المؤسس النبيل الذى نال أحمد مجاهد درجة الدكتوراه بدراسة محترمة عن شعر صلاح. وها هو التواصل يعلن عن نفسه من جديد، فأرى إعادة طباعة لثلاثة من أعمال ثروت عكاشة عن تاريخ الفن من موسوعته الهائلة «العين تسمع والأذن ترى»، أسأل د. أحمد مجاهد أخيرا امتلكنا طباعة تليق بتلك الموسوعة، يبتسم أحمد مجاهد ليؤكد أنه أضاف للهيئة العامة للكتاب مطبعة قادرة على طباعة كل راق ومحترم كأى مطبعة عالمية، وإن كانت المجلدات الثلاثة من موسوعة ثروت عكاشة التى أعطاها سنوات ما بعد اعتزال العمل السياسى العام. وأقول لأحمد مجاهد كأن ما يجمعك مع د. شاكر عبد الحميد وزير الثقافة الحالى هو الإصرار على مواصلة تراكم الجاد من الأعمال الرفيعة المستوى، يقول لى أحمد مجاهد «يبدو أنك التقطت جوهر إضافة شاكر عبدالحميد التى يصر عليها فى كتاباته ويواصلها معنا حاليا كوزير ثقافة» أقول لأحمد مجاهد: وكأنك تقدم لى الآن وعدا بأن تطبع كل مؤلفات ثروت عكاشة التى سبق وتعاقد عليها صديقنا الراحل الجميل ناصر الأنصارى، وهو من قال لى «إن ثروت عكاشة هو المؤسس المعاصر للثقافة المصرية من بعد طه حسين، وعلينا أن نحفظ أعماله لمن يأتى من بعدنا من أجيال» يقول لى أحمد مجاهد: لابد أنك تعرف عمق علاقة ثروت عكاشة بصلاح عبدالصبور، وكل من ارتوى من شعر صلاح وإتساع رؤيته لابد أن يتوقف عن ثروت عكاشة بالاحترام الذى يليق بمؤسس عظيم. ويقدم لى أحمد مجاهد كتيبات صغيرة تبدو وكأنها مجموعة أوراق بسيطة تقترح أسلوب استخدام دواء ما، وأطلق على كل واحدة من تلك الأوراق اسم «قطفة»، فكل منها تضم سطورا من عمل ما، ويتم توزيعها مجانا لعلها تفتح شهية من يقرأها لشراء الكتاب المأخودة منه تلك القطفة. وأفتح واحدة منها لأجد قطفة من رواية لسيد قطب الذى كان ناقدا أدبيا فأراه القيمة قبل أن تجنده جماعة الإخوان المسلمون، وأجد قطفة أخرى من مذكرات خيرى شلبى المبدع الذى لا نظير له فى قراءة ما لانعرفه نحن عن حياة القاع المصرى، وهم جموع البشر الذين يعيشون على الهامش وقطفة ثالثة من مسرحية لصلاح عبدالصبور، ورابعة من آخر مؤلفات وحيد حامد وخامسة من رواية إنجيل الابن للمؤلف الأمريكى الكبير نورمان ميلر، وسادسة من قصيدة صلاح جاهين الرائعة «على اسم مصر يقول التاريخ ما شاء.. أنا مصر عندى أحب وأجمل الأشياء». ابتسم لأحمد مجاهد مهنئا على طباعة الهيئة لمجموع أعمال صلاح جاهين الإبداعية وراجيا أن نطبع أيضا أعماله الكاريكاتورية. وأتابع التجول فى المعرض لأكتشف حقيقة واضحة، وهى قلة بيع الكتب التراثية التى كان بيعها بأعداد كبيرة فيما قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير يمثل نوعا من الاحتجاج ضد ما كان قائما. والآن حين تخطو مصر إلى طريق المستقبل صارت كتب الدراسات السياسية هى الأكثر مبيعا. ويطل من رأسى صوت أستاذى الجليل فتحى غانم إياك أن تنغمس فى السياسة، فالفن والإبداع هما ترمومتر المزاج النفسى لعموم البشر. وهنا ومن على باب معرض الكتاب أعيد التواصل مع د. أحمد مجاهد سائلا إياه «متى نطبع روايات فتحى غانم التى لم تعد موجودة»، فيضحك قائلا «إحنا لسه فى قلب المعرض، وإنت عارف إنى تعاقدت على أعماله الكاملة، وسأواصل نشرها فى أسرع وقت. التواصل مع التراكم للجيد المتميز هو لعبة مصرية قديمة، ولكن المميز فى التراكم الجديد أننا لا نمحو ما قام به من سبقنا، بل نفخر لأننا نواصل البناء على ما نملك. وهكذا استطاعت عدة ساعات بسيطة أن تضيف لقلبى فرحا فى زمن يبدو من خارجه شديد الارتباك، لكن المصريين قادرون على شق طريقهم إلى المستقبل.