على الرغم من أن خطة تسليم السلطة التى أعلنها المجلس العسكرى تسير للأمام مع استكمال الانتخابات التشريعية، والاستعداد لتولى رئيس منتخب لمسئولية الحكم فى يونيو 2012، فإن التوتر السياسى فى مصر مازال مستمرا بما له من آثار على أدائها الاقتصادى، حيث «تشهد البلاد صراعا محتدما على السلطة بين خليط من اللاعبين فى المشهد، يتضمن الجيش والشرطة والقوى الثورية، والإسلاميين، وبقايا النظام القديم»، بحسب تقييم الكتاب السنوى لبنك الاستثمار سى آى كابيتال، والذى توقع استمرار هذا التوتر على الأقل حتى يتم انتخاب رئيس الجمهورية. «تغير التحالفات وموازين القوى، والتطلعات الديموقراطية تعيد تشكيل مصر، ولكنها تهز فى تلك الأثناء اقتصادها»، هكذا يلخص التقرير المشهد المصرى معتبرا أن عدم الاستقرار الذى أعقب ثورة يناير أدى إلى خروج العديد من المستثمرين الأجانب سواء من البورصة أو الاستثمار المباشر، وساهم فى تراجع النمو الاقتصادى، واتساع للعجز المالى، وتراجع قيمة العملة المحلية، والاحتياطيات من النقد الأجنبى.
وقد أدت الضغوط الاقتصادية لتراجع معدل النمو إلى 1.8% فى 2010/2011، كما تحول ميزان المدفوعات إلى العجز بنحو 9.8 مليار دولار، ليساهم فى خصم نحو 18 مليار دولار من الاحتياطى، كما يشير التقرير إلى أن محاولات الحكومة لإرضاء «طلبات الجمهور الساخط» ساهمت فى الضغط على ميزانية الدولة التى ارتفع العجز فيها إلى 9.5% من الناتج المحلى الإجمالى فى العام المالى الماضى، وتوقع سى آى كابيتال أن يؤدى استمرار «المظاهرات الفئوية»، إلى المزيد من رفع الأجور والرواتب، بما يساهم فى زيادة العجز خلال العام الحالى.
ويتوقع بنك الاستثمار استمرار نفس الضغوط خلال العام المالى الحالى، الذى ينتهى فى يونيو، حتى تتضح الرؤية السياسية والاقتصادية للبلاد، وفى تلك الأثناء ستواصل أوضاع عدم اليقين التأثير على الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال 2011/2012، والتى يتوقع أن تصل قيمتها إلى نحو 600 مليون دولار، مما يدفع معدل الاستثمار فى مصر للتراجع بنحو 8.2% بحسب سى آى كابيتال، وهو ما سينعكس بدوره على معدل النمو الاقتصادى ليصل إلى 0.4% بنهاية العام المالى، مقابل 1.8% فى العام الماضى.
كما سيساهم تباطؤ النمو فى الصادرات وضعف عائدات السياحة فى زيادة عجز الميزان الحالى لمصر لنحو 3.2 مليار دولار، على الرغم من استقرار إيرادات قناة السويس وارتفاع تحويلات العاملين بالخارج، كما يساهم ضعف الاستثمارات فى محفظة الأوراق المالية (البورصة) فى الضغط بشكل أكبر على احتياطيات النقد الأجنبى، بحسب التقرير.
وستحافظ أوضاع عدم اليقين التى تحكم المشهد فى مصر على الزيادة المتواضعة فى الإنفاق الخاص، الذى يعد محركا أساسيا لنمو الاقتصاد المصرى خلال السنوات الماضية، خصوصا مع زيادة معدلات البطالة وارتفاع أسعار المستهلكين، مما يحد من قدرة الأفراد على التوسع فى الإنفاق.
ورغم أن التقرير يتوقع أن تتحسن الإيرادات العامة بنحو 8% خلال العام المالى الحالى، مقارنة بالعام الماضى، فإن العجز أيضا سيرتفع إلى 11.8% من الناتج المحلى، متجاوزا النسبة التى تستهدفها الموازنة والبالغة 8.6%.
مع أخذ التخفيضات المتتالية لتصنيف مصر الائتمانى وارتفاع أسعار الفائدة فى الاعتبار، فإن تكلفة الاقتراض ستواصل الارتفاع مسببة مزيدا من الضغط على الميزانية، كما يزيد استمرار التوتر السياسى مع ضعف الأداء الاقتصادى من صعوبة حصول مصر على التمويل الخارجى.
وكان ممتاز السعيد، وزير المالية، قد أكد التزام الحكومة بألا يتجاوز عجز الميزانية 134 مليار جنيه أى 8.6% من الناتج المحلى الإجمالى، فى العام المالى الحالى، خصوصا بعد إعلان الحكومة عن تطبيق خطة تقشفية توفر نحو 20 مليار جنيه من النفقات العامة، بحسب ما أكده عدد من الوزراء فى بيانات رسمية.
«مصر تقف على الحافة»، بنمو متراجع ومؤشرات اقتصادية ضعيفة، مما يجعل الرؤية قصيرة الأجل لأوضاعها سلبية، إلا أن مرورها بأوقات صعبة لا يعنى أن «قصة مصر» قد انتهت، حيث تبقى إمكانات الانطلاق على المدى الطويل قائمة، هكذا يقول تقرير سى آى كابيتال فى نهاية تقديرات لأداء الاقتصاد المصرى فى عام 2012.