محافظ الجيزة: إزالة 20 حالة بناء مخالف بقرى البدرشين ضمن الموجة 26 لإزالة التعديات    خبيرة أسواق الطاقة: خطة حكومية لضمان استقرار السياسات الضريبية على المدى الطويل    البنك الدولي يخفض توقعاته لنمو اقتصادات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وسط تحديات نفطية وعالمية    لبنان: نكثف جهودنا الدبلوماسية لإلزام إسرائيل بوقف هجماتها    بنشر معاناة الأسرى بسبب إجرام الصهاينة .. المقاومة تواجه حرب الإبادة بإشعال الشارع الإسرائيلي ضد نتنياهو    مبعوث ترامب: الرئيس السوري الشرع معرض لخطر الاغتيال    مانشستر سيتي يعلن ضم النجم الفرنسي ريان شرقي رسميًا استعدادًا لكأس العالم للأندية    الشحات: تعرضت للظلم.. والمنافسة ستظل دائمًا بين الأهلي والزمالك    الإعلام الروسي يجيب.. هل تلقى حسام عبد المجيد عروضًا رسمية؟    أبو المجد يعلن قائمة منتخب شباب اليد استعدادا لمونديال بولندا    أمريكا تهزم كولومبيا في ختام بطولة خوفو الدولية للشباب وسط حضور دبلوماسي ورياضي رفيع المستوى    لخلاف مالي على تجارة المواشي.. إصابة 5 في مشاجرة بالمنوفية والنيابة تباشر التحقيق    أول تعليق من نجل شهيد الشهامة: كان فدائيًّا وترك لنا سيرة عطرة (فيديو)    صورة كريم عبدالعزيز في «المشروع X» تثير الجدل.. حقيقة أم مفبركة؟    «إن شاء الله هخف».. ملك أحمد زاهر تكشف تفاصيل أزمتها الصحية    «عملها قبل كده مع بنت أخوه».. 3 أسباب ترجّح غياب عادل إمام عن حفل زفاف حفيده الأكبر    أغانى وردة ومحمد رشدى على مسرح أوبرا دمنهور.. الخميس    كييف وموسكو تتبادلان دفعة جديدة من الأسرى بعد هجمات ليلية    "نيمبوس" متحور كورونا الجديد "قاتل" و"سريع الانتشار".. ارتفاع الإصابات ب "كوفيد" في إنجلترا بنسبة 97%.. الصحة العالمية تحذر: اللقاحات قد لا تكون فعالة في بعض الحالات    تشغيل تجريبي لمستشفى طب الأسنان بجامعة قناة السويس    تقرير عالمي يحذر إنتر ميامي من ثلاثي الأهلي.. ويستشهد بمواجهة باتشوكا    أمين «البحوث الإسلامية» يتفقَّد إدارات المجمع ويشدد على أهميَّة العمل الجماعي وتطوير الأداء.. صور    تفاصيل تعديلات مشروع قانون الإجراءات الضريبية الموحد وأهدافه    لطلاب الثانوية العامة.. مراجعات نهائية مجانية لكل المواد تبدأ فى سوهاج غدا    «ملحقش يلبس بدلة الفرح».. كيف أنهى عريس الغربية حياته قبل زفافه ب48 ساعة؟    مواعيد قطارات طنطا - الإسكندرية اليوم الثلاثاء فى الغربية    إعلام إسرائيلي: نتنياهو يعقد الليلة اجتماعًا تشاوريًا بشأن المحتجزين في غزة    عضو ب حزب «البتريوت الأوكراني»: «زيلينسكي» يطالب الغرب بضغط ملموس على روسيا بعد الهجوم العنيف على كييف    توزيع لحوم الأضاحي على 21 ألفا و680 أسرة من الأكثر احتياجا في أسوان    نقيب المحامين ل«الأعضاء الجدد»: الركود الاقتصادي يؤثر على المهنة ونواجه تحديات كبيرة    إعلام إسرائيلى: ترامب طلب من نتنياهو إنهاء الحرب    5 أبراج بتعرف تسمعك وتقدم لك الدعم أحسن من ChatGPT.. أبرزهم العذراء    زواج عريس متلازمة داون بفتاة يُثير غضب رواد التواصل الاجتماعي.. و"الإفتاء": عقد القران صحيح (فيديو)    الأوقاف تعلن أسماء الفائزين في مسابقة الصوت الندي 2025م.. تعرف عليها    الجريدة الرسمية تنشر قانون تنظيم إصدار الفتوى الشرعية    الثقافة تحتفل بعيد الأضحى بحدائق أكتوبر ضمن برنامجها بالمناطق الجديدة الآمنة    هويسن: الانتقال لريال مدريد كان رغبتي الأولى    الحكومة النمساوية تكشف هوية منفذ الهجوم على مدرسة في جراتس    التقويم الهجري.. سبب التسمية وموعد اعتماده    مؤسسة الجامعات الأوروبية في مصر تستضيف حفلًا فنيًّا جماهيريًّا مميزًا    الإجازات الرسمية المقبلة في 2025.. إليك القائمة الكاملة    شروط التعيين في الوظائف وفقا لقانون الخدمة المدنية    الداخلية تكشف ملابسات فيديو مشاجرة بقرية سياحية في مطروح    البورصة تواصل الصعود بمنتصف تعاملات أولى جلساتها عقب إجازة العيد    التضامن الاجتماعي: فريق التدخل السريع تعامل مع 561 بلاغا في مختلف المحافظات خلال شهر مايو    مدير معهد بحوث الإرشاد الزراعي يتفقد محطة بحوث كوم امبو    السعودية في مهمة صعبة أمام أستراليا لاقتناص بطاقة التأهل لمونديال 2026    المؤبد ل 8 متهمين لشروعهم في قتل شخصين بالقليوبية    الحكومة تستعد للإعلان عن القضاء على مرض الجذام    «الرعاية الصحية»: أكثر من 189 ألف خدمة طبية وتوعوية خلال عيد الأضحى    الحكومة تجهز فرصًا استثمارية في القطاع الصحي للسنوات العشر المقبلة    مستشفى القلب بجامعة أسيوط يستقبل 1856 حالة خلال شهر    شيكابالا لإدارة الزمالك: لن أعتزل والفريق سيعانى فى غيابى (فيديو)    الأزهر للفتوى يوضح سبب تسمية بئر زمزم    وزير الري يشيد بجهود العاملين خلال عطلة عيد الأضحى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 10-6-2025 في محافظة قنا    أسعار اللحوم البلدي والكندوز اليوم الثلاثاء 10-6-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    السيطرة على حريق شب داخل فيلا بالتجمع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الروائي أمير تاج السر يبدع سيرة موازية للفنان السوداني محمد وردي
الواقعي والمتخيل في سيرة محمد وردي
نشر في الشروق الجديد يوم 26 - 02 - 2012

رحل إمبراطور الغناء السوداني محمد وردي، تاركا وراءه أغنيات في الحب والسلام، ومديحا طويلا لبلد، غدا بلادا، مخلفا انشطار شماله عن جنوبه غصة في حلق الرجل، تمتم به في أواخر أيامه على سرير الموت.

على أن ما بقي منه أيضا سيرة روائية لم يكتبها، بل ناب عنه المبدع والروائي السوداني أمير تاج السر في تخيلها في روايته "زحف النمل"، نص قوامه الإبداع ولعبة الإيهام، وأساسه الشرط الجمالي لا التاريخي والوثائقي، باعتبار أن السيرة والتوثيق عمل المؤرخ، والجمال لعبة الروائي. وذلك وفقا لما قاله أحمد الشريقي في مقاله عن رواية "زحف نمل" الصادرة عن دار العين للنشر بالقاهرة.

ظلال سيرة

يحضر وردي (أحمد ذهب) بطل أمير السر في "زحف النمل" ظلالا روائية، فيها من التخييل أكثر من الواقع، ففي سيرة الرجل وفي حضوره الجماهيري الطاغي ما يغري بتورط مبدع روائي لمقاربة سيرته، والإفادة من أجواء درامية عايشها وردي. غير أن الرواية وإن وجدت تقاطعاتها مع بعض سيرة وردي، فإنها تبقى عملا إبداعيا صرفا يختار من الواقع حكايته ولا يكتب محاكيا الواقع.

يفتتح تاج السر الرواية بمشهد ينهار فيه بطله المغني على المسرح، إثر أحد تداعيات فشل كلوي، متخذا من معاناة بطله متكئا لجعل حياته كلها تدور حول هذا المرض ، مستفيدا من مرجعيته الطبية في فهم المرض بأبعاده النفسية.

وفي العنوان وصف لحال المريض حين يعاني المرض وكأن قبيلة من النمل تزحف في دمه، لكن ما هو حقيقي معاناة وردي مع هذا المرض، وما هو متخيل هو الانهيار على المسرح، وهو مدخل الروائي للبلوغ بالحدث أعلى درجات توتره الدرامي، وهي الفكرة التي داعبت تاج السر في رسم مشهد الانهيار على المسرح، الذي يلخص خواتيم حياة مغن قادم من الريف .

صعود المغني وهبوطه

وفي الحكاية -السيرة- صعود مغن وهبوطه، وما بينهما رصد لحياته التي تستحيل جحيما بعد التبرع له بكلية بديلة لكليته المعطوبة. وفي المعاناة المرصودة وتفاصيلها لابتزاز المتبرع "زيتون" لأحمد ذهب، رموزٌ أكثر ما هي إحالة للواقع. رموز لتحولات عصر نبغ فيه وردي، وتوارى بفعل موجات الغناء الحديث، وأشياء أخرى لها علاقة بتحولات في المجتمع والسياسة.

يرصد تاج السر ملامح سيرة ل"مغنٍّ" -مثقف- ينجح في إيقاف زحف النمل في دمه، ولكنه يعجز في الوقت نفسه عن إيقاف زحفه إلى حنجرته.

ويرسم الروائي صورة باهرة لحلم مغنيه الذي داعبه وهو يدلف ليل المدينة "ألقيت ببصر الريف على ليل العاصمة المضاء بالكهرباء. وتخيلت شعبا متحضرا يحملني في نبضه حين أصدح بالأغنيات التي تمجده".

ظلال الواقع

والمعروف عن وردي أنه جاء إلى الخرطوم من أقصى شمال السودان ومن قرية صواردة، التي ولد فيها يوم 19 يوليو 1932، ونشأ يتيما وتربى في كنف عمه، وأحبّ الآداب والشعر والموسيقى منذ نعومة أظافره.

رحل لمدينة شندي شمالي السودان لإكمال تعليمه، وعاد لمدينة حلفا بعد أن درس بمعهد تأهيل المعلمين وعمل معلما بالمدارس الوسطى ثم الثانوية العليا.

بدأ مشواره الفني في عام 1953 بعد أن زار العاصمة الخرطوم لأول مرة ممثلا لمعلمي شمال السودان في مؤتمر تعليمي عقد آنذاك، ثم انتقل للعمل بالخرطوم بعد ذلك، وبدأ ممارسة الفن كهاوٍ حتى عام 1957، عندما تم اختياره بواسطة الإذاعة السودانية "هنا أم درمان"، بعد تجربة أداء ناجحة وإجازة صوته ليقوم بتسجيل أغانيه في الإذاعة.

في حين تسجل الرواية أن ذهب يخالف وردي فهو "براجماتي"، لا يجد حرجا في استغلال إضراب زملائه عن الغناء في الإذاعة ليكون بديلا لهم، ولِمَ لا، فهذه الخطوة الأولى والميسرة لولادة النجم القادم من الريف حاملا أمانيه وأحلامه بالشهرة العريضة في عالم الغناء.

حالم بالمجد الغنائي

والبطل الحالم بمجد غنائي يمكنه أن يكون اشتراكيا للاقتراب من حبيبته "حياة الحسن" -زوجته فيما بعد- التي تداعبها أحلام الاشتراكيين وتنخرط بعفوية في مناصرة الأطفال المشردين، الذين لا يجد "ذهب" بدوره بدا من مداعبتهم ودعمهم وتقديم الأغاني لهم للوصول إلى قلب "حياة"، وهو ما كان.

وما عرف عن وردي نشاطه السياسي، حيث انتمى إلى الحزب الشيوعي السوداني، وقد تم اعتقاله بسبب مجاهرته السياسية، حيث اعتقل في العام 1964 عندما خرج في مظاهرات مناهضة لتهجير أهله النوبيين من وادي حلفا في شمال السودان إلى حلفا الجديدة في شرق البلاد، بسبب إنشاء السد العالي في مصر، وكان ذلك في عهد الرئيس السوداني الأسبق الراحل إبراهيم عبود (1958-1964).

وقد أطاحت ثورة شعبية في أكتوبر 1964 بحكم عبود، وصعد نجم وردي في تلك الفترة بالأغنيات الوطنية التي تعرف ب"الأكتوبريات" نسبة إلى ثورة 21 أكتوبر الشعبية، التي مجدت الثورة الشعبية التي كانت أول ثورة شعبية في أفريقيا والعالم العربي تطيح بحكم عسكري.

وفي الرواية، فالولادة الحقيقية لذهب بدت وكأنها ولادة النجومية المريضة، ففي الفضاء الروائي الذي اختاره تاج السر (المستشفى) بداية ألق "ذهب"، والمستشفى وإن كان مكانا لتعاف في محطة المغني أحمد ذهب في رحلاته المتكررة للغسيل الكلوي فإنه المسرح الأول لانطلاقة ذهب الغنائية نحو النجومية وسلطنة الغناء، فهناك يلتقي مستمعيه ومعجبيه وكاتب كلماته ومحيطه الأول في المدينة.

في هذا الفضاء الأول، يتعرف "ذهب" على "أكوي شاويش" الريفي الجنوبي، وهنا لا ينسى أن يطنب على ريفه مديحا "ريف يلفه الغموض.. وتستره الغابات، ويرتديه الكر والفر والتمرد على النظم".

لوحة مديح

لوحة المديح للريف القادم منه "ذهب" لها ما يبررها في المقابلات السردية، فالوجه المغاير هو الصحراء التي تكنس إنجاز الرومانسي الريفي، ورحلة المجد الغنائي الذي بناه "الإمبراطور" و"السلطان" سلطان الطرب.

وفي الألقاب التي يفيضها تاج السر على بطله ومغنيه، كسلطان الطرب، وغيرها من الأوصاف، إفادة واضحة من مفردات الصحافة والتي تظهر جليا في أكثر من مشهد روائي، كتوظيف الصحفي فوزي بشرى في أحد مشاهد الرواية، والكاتب هاشم كرار والشاعر القطري سنان المسلماني.

سيذكر السودانيون ما حيوا وفي مناسباتهم العظيمة "أصبح الصبح فلا السجن ولا السجان باق" ومعها سيرة وردي، وأخرى موازية تفيض بالشفافية والتخييل لمبدع سوداني آخر هو أمير تاج السر و"زحف النمل".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.