تسبب رحيل الفنان السوداني محمد وردي ، السبت الماضي عن عمر ناهز 79 عاما، بعد صراع طويل مع المرض، في حدوث حالة من الحزن الشديد لدى ملايين السودانيين داخل وخارج السودان، حيث تمكن وردي من جمع شمل شعبه بمختلف توجهاتهم الفكرية والسياسية بأغانيه الوطنية والعاطفية. ويعتبر وردي أول من غنى بكلمة إرحل في عهد الديكتاتورية، حيث عرف بأغانيه الوطنية وجرأته في التعبير عن رأيه ورفضه للظلم والديكتاتورية في الحكم، كما لقب ب"فنان أفريقيا الأول"، حيث انتشرت أغنياته في أفريقيا، وخاصة الدول المجاورة، مما أدى إلى نيله جائزة مطرب أفريقيا الأول في تسعينيات القرن الماضي، كما عرف عنه حبه للجنوب، ولقائده الراحل، جون قرنق، حتى إن رئيس دولة الجنوب، سلفا كير، طلب في مناسبة انفصال الجنوب، الاحتفاظ بعلم السودان، وشعب الجنوب قالوا إنهم سيحتفظون بمحمد وردي لأنه منهم. ولد الفنان محمد عثمان وردى بقرية صواردة في 19 يوليو 1932 جنوب مدينة عبرى بشمال السودان نشأ يتيما وتربى في كنف عمه، وأحب الآداب والشعر والموسيقى منذ نعومة أظافره، ورحل لمدينة شندى في أواسط السودان لإكمال تعليمه وعاد لمدينة حلفا بعد أن درس بمعهد تأهيل المعلمين وعمل كمعلم بالمدارس الوسطى ثم الثانوية العليا. بدأ وردي مشواره الفني عام 1953 كهاوٍ بعد أن زار العاصمة الخرطوم لأول مرة عندما تم اختياره بواسطة الاذاعة السودانية"هنا أم درمان "، وتحقق حلم طفولته في الغناء في الاذاعة بين الفنانين العمالقة، وفى خلال عامه الأول في الاذاعة تمكن وردى من تسجيل 17 أغنية مما دفع مدير الاذاعة في ذلك الوقت لتشكيل لجنة خاصة من كبار الفنانين والشعراء الغنائيين كان من ضمن أعضائها إبراهيم الكاشف أبرز المطربين في ذلك الوقت وعثمان حسين وأحمد المصطفى لتصدر اللجنة قرارا بضم وردى لمطربى الفئة الأولى كمغنٍ محترف بعد أن كان من مطربى الفئة الرابعة. وسجن وردي في عهد الرئيس الأسبق، جعفر نميري، بسبب أغنياته الوطنية المناهضة للنظام العسكري، كما قضى أياما كثيرة في المنفى خارج السودان، هربا من قمع الأنظمة الديكتاتورية. حيث كان يستقبله الجماهير السودانية استقبالا حافلا عند عودته إلى الوطن في كل مرة. وكانت آخر مشاركة لوردي مع الجنوبيين عند إعلان الدولة الجديدة في يوليو الماضي، والتي غنى فيها أغنيته الوطنية الشهيرة التي كتب كلماتها الشاعر السوداني الشهير محمد الفيتوري، التي يقول مطلعها "أصبح الصبح.. ولا السجن ولا السجان باق".. وقد رقص الدكتور حسن الترابي، زعيم المؤتمر الشعبي المعارض، يومها على أنغامها. مُنح الدكتوراه الفخرية من جامعة الخرطوم في عام 2005 تقديرا لمسيرته الفنية لأكثر من 60 عاما، ولما يزيد على 300 أغنية، وباعتباره أسطورة فنية سودانية خالدة وموسوعة موسيقية. ويعد وردي أول من غنى بكلمة «ارحل» في عهد نميري.. بسبب التهجير الذي طال أبناء جلدته في أقصى شمال السودان. انتمى إلى الحزب الشيوعي السوداني، وقد تم اعتقاله بسبب مجاهرته السياسية، حيث اعتقل في العام 1964 عندما خرج في مظاهرات مناهضة لتهجير أهله النوبيين من وادي حلفا في شمال السودان إلى حلفاالجديدة في شرق البلاد، بسبب إنشاء السد العالي في مصر، وقد صعد نجم وردي في تلك الفترة بالأغنيات الوطنية التي تعرف ب(الأكتوبريات) نسبة إلى ثورة 21 أكتوبر الشعبية، التي مجدت الثورة الشعبية التي كانت أول ثورة شعبية في أفريقيا والعالم العربي تطيح بحكم عسكري. تغنى وردي بالكثير من الأغنيات والأناشيد عندما أطاحت ثورة شعبية ثانية بنظام الرئيس الأسبق جعفر نميري (1969 - 1985)، التي سميت انتفاضة أبريل عام 1985، وقد كان نميري قد اعتقله في فترات مختلفة خلال فترة حكمه، أولها بعد فشل انقلاب الحزب الشيوعي في يوليو 1971، وقضى وردي عامين في السجن، ثم اعتقل مرة أخرى في عام 1976، لكنه ظل يغني أغانيه في المناسبات الاجتماعية، بعد أن منع نميري بث أغانيه فى الإذاعة والتليفزيون. وكان وردي من الشعراء اليساريين الذين قدموا قصائد كثرت فيها الرمزية لمناهضة حكم النميري، منها "قلت ارحل"، "بناديها"، وكانت أشهر قصيدة تغنى بها وردي تعبيرا عن ذهاب حكم النميري "بلى وانجلى انهد كتف المقصلة"، وأغنية "وطنا اللي باسمك كتبنا ورطنا"، ويقال إنه تغنى بها قبيل شهور من نهاية حكم النميري، وأيضا قصيدة "جيلي انا". وفي عهد الرئيس الحالي عمر البشير، اتخذ وردي قراره باختياره السفر إلى خارج السودان في أوائل التسعينيات، واختار القاهرة منفى له، وقد نشط ضمن التجمع الوطني الديمقراطي، وكانت له قصائد شهيرة منها «سلم مفاتيح البلد»، ومن ثم انضم إلى الحركة الشعبية بقيادة الدكتور، جون قرنق، وغنى وردي لثوار الجيش الشعبي في أدغال الجنوب، وللاجئين السودانيين في إثيوبيا، وللمقاتلين في شرق السودان، وبعدها هاجر وردي إلى الولاياتالمتحدة التي مكث فيها طويلا، إلى أن اكتشف مرضه بالفشل الكلوي هناك. وفي عام 2003 عاد وردي إلى السودان، وكان يتلقى العلاج من مرضه، وأجرى عملية جراحية نقل كلية في العاصمة القطرية الدوحة. أغنية إرحل
الفنان محمد وردي - مقطع من أغنية الطير المهاجر - عود