وزير الري ومحافظ أسوان يتفقدان مشروع "سيل" بقرى وادي الصعايدة بإدفو    الجمارك تفرج عن بضائع بقيمة 27.2 مليار دولار منذ بداية 2025    لمتوسطى الدخل..طرح كراسات شروط حجز 15 ألف شقة ب "سكن لكل المصريين" الأربعاء    محافظ المنوفية يتفقد أعمال تطوير ورفع كفاءة كورنيش شبين الكوم    الرابطة تتمسك بالهبوط مقابل تمرد ثلاثي جماهيري    نجم البرازيل خارج ريال مدريد.. مفاجأة ضخمة    فابريجاس المرشح الأول لخلافة ألونسو في ليفركوزن    الأرصاد: طقس غداً الإثنين حار نهاراً معتدل ليلاً    شيرين فرغل كلمة السر وراء جائزة أفضل تصميم للجناح المصري بسوق مهرجان كان    روسيا تعلن إسقاط 75 طائرة بدون طيار أطلقتها أوكرانيا خلال 24 ساعة    دنيا عبد العزيز تهنئ الزعيم عادل إمام: أحلى حاجة حصلتلي إنه هو اللي اختارني    في اليوم العالمي للاتصالات.. مصر تعزز ريادتها الرقمية بإنجازات نوعية |إنفوجراف    60 ٪ نسبة التنفيذ بمشروع «سيل» بقرى وادي الصعايدة في إدفو    «يوم مفرح ومجيد».. قداس مشترك لبطاركة الكنائس الأرثوذكسية الشرقية بالكاتدرائية المرقسية (صور)    باكستان وإيران تتفقان على تعزيز التعاون في جميع المجالات    رئيس «الحركة الوطنية» يزور مجلس الشيوخ ويشارك في الجلسة العامة| صور    فصل التيار الكهربائي عن 5 مناطق بالعريش غدًا.. تعرف عليها    جامعة الفيوم تنظم الملتقى الأول للابتكار وريادة الأعمال    علاء عبدالعال يوضح مصيره مع الجونة    رئيس جامعة أسيوط الجديدة التكنولوجية يتفقد سير امتحانات نهاية العام -صور    انطلاق مبادرة تنظيف شواطئ وقاع البحر بشرم الشيخ| صور    يشكل خطراً.. حملة تموينية مفاجئة بدمياط تضبط مخزن غاز غير مرخص    رئيس جامعة القاهرة: الجامعات الأهلية قادرة على تقديم برامج تعليمية حديثة    جدول امتحانات الصف الأول الثانوي في المنيا الترم الثاني 2025    عميد «آثار القاهرة» الأسبق: نحتاج لمشروع وطنى وقانون موحد للآثار    يحيى الموجي يحسم الجدل حول زواج عبد الحليم حافظ وسعاد حسني    تواضع رغم النجاح| 4 أبراج لا تغريها الأضواء وتسعى للإنجاز بصمت    ما العيوب التي تمنع صحة الأضحية؟ الأزهر للفتوى يجيب    الحج رحلة قلبية وتزكية روحانية    حكم قراءة الفاتحة وأول البقرة بعد ختم القرآن؟.. علي جمعة يوضح    الصحة: استضافة حدث رفيع المستوى بشأن الأمراض النادرة بمقرها الدائم لدى الأمم المتحدة    هل الكركم ضار بالكلى؟    ترحيل المهاجرين لسوريا وأفغانستان.. محادثات وزيري داخليتي النمسا وفرنسا غدا    الداخلية تواصل تيسير الإجراءات للحصول على خدمات الجوازات والهجرة    «مأزق جديد».. بيراميدز يدرس عدم خوض مباراة سيراميكا ويلوح بالتصعيد    لجنة برلمانية توافق مبدئيا على مشروع قانون العلاوة للموظفين    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع لسرقته    رئيس «تعليم الشيوخ» يقترح خصم 200 جنيه من كل طالب سنويًا لإنشاء مدارس جديدة    "الإغاثة الطبية في غزة": مليون مواطن يواجهون الجوع وتكدس بشري في الشوارع    التعليم العالي: قافلة طبية من المركز القومى للبحوث تخدم 3200 مريض فى 6 أكتوبر    وفاة بالسرطان.. ماقصة "تيفو" جماهير كريستال بالاس الخالدة منذ 14 عامًا؟    حماس: الإدارة الأمريكية تتحمل مسئولية المجازر الإسرائيلية بغزة    بدائل الثانوية العامة 2025.. شروط الالتحاق بمدرسة العربى للتكنولوجيا التطبيقية    محافظ الدقهلية يفتتح الوحدة الصحية بالشيخ زايد بمدينة جمصة    أوكرانيا تعلن ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 973 ألفا و730 فردا    فيديو.. لحظة اصطدام سفينة بجسر في نيويورك ومقتل وإصابة العشرات    بعد عرض "كله مسموح".. كارول سماحة تشكر فريق المسرحية والجمهور    السلطات السعودية تحذر الحجاج من ظاهرة منتشرة تعيق حركة الطائفين والمصلين    التريلا دخلت في الميكروباص.. إصابة 13 شخصًا في حادث تصادم بالمنوفية    النائب عبد السلام الجبلى يطالب بزيادة حجم الاستثمارات الزراعية فى خطة التنمية الاقتصادية للعام المالي الجديد    في أجندة قصور الثقافة.. قوافل لدعم الموهوبين ولقاءات للاحتفاء برموز الأدب والعروض المسرحية تجوب المحافظات    رومانيا.. انتخابات رئاسية تهدد بتوسيع خلافات انقسامات الأوروبي    وسائل إعلام إسرائيلية: نائب الرئيس الأمريكي قد يزور إسرائيل هذا الأسبوع    «الرعاية الصحية» تعلن اعتماد مجمع السويس الطبي وفق معايير GAHAR    مصطفى عسل يهزم علي فرج ويتوج ببطولة العالم للإسكواش    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم.. في أول ظهور له.. حسام البدري يكشف تفاصيل عودته من ليبيا بعد احتجازه بسبب الاشتباكات.. عمرو أديب يعلق على فوز الأهلي القاتل أمام البنك    الأزهر: الإحسان للحيوانات والطيور وتوفير مكان ظليل في الحر له أجر وثواب    حكم صيام الأيام الثمانية الأولى من ذي الحجة.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لمصر لا لبورسعيد
نشر في الشروق الجديد يوم 09 - 02 - 2012

كأنما أصبح قدرا على مصر وثورتها أن تعيشا فى حالة من عدم الاستقرار المزمن، فما تكاد مصر تنجح فى كسر حلقة مفرغة من المشاكل حتى تصبح مجددا على شفا حفرة من الفوضى. فى الآونة الأخيرة كان ثمة تفاؤل حذر بمستقبل الأوضاع فى مصر، فهناك وزارة جادة مهما قيل عن رفض قطاعات مهمة من الثوار لها، وهناك تقدم محسوس فى الملف الأمنى، وهناك الأهم وهو وجود مؤسسة تشريعية منتخبة بغض النظر عن رضانا عن بنيتها من عدمه. فجأة وفى هذا المناخ من التحسن النسبى تحدث تلك الموجة من السرقات المسلحة واختطاف الأفراد بل والدولة نفسها كما فى حالة هويس إسنا وصولا إلى الكارثة المروعة غير المسبوقة فى تاريخ الرياضة المصرية بل والعالمية، والتى نجم عنها استشهاد ما يزيد على سبعين من خيرة شباب مصر ناهيك عن مئات المصابين.

وقد كان طبيعيا بل وضروريا أن تكون هناك ردود أفعال بمستوى بشاعة الحدث، تدين ما جرى، وتطالب بالقصاص العادل من المسئولين عنه سواء على نحو مباشر أو غير مباشر، لكن ما لم يكن طبيعيا هو عدد من ردود الأفعال غير المنضبطة أو المسئولة لما وقع. من ردود الأفعال هذه على سبيل المثال ما يتعلق بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى لاشك فى أنه المسئول الأول عما وقع بحكم مسئوليته عن إدارة شئون البلاد، لكن المسئولية السياسية شىء والجريمة الدنيئة شيء آخر، فقد نسبت قطاعات من الجماهير الغاضبة مما جرى إلى المجلس تواطؤه فيما وقع، والسبب أنه يريد بذلك إعادة تفعيل قانون الطوارئ (مع أن قانون الطوارئ مازال ساريا فى حالات البلطجة)، أو أنه يريد أن يثبت أن رحيله عن السلطة سوف يرتبط بالفوضى (مع أن حدوث الفوضى فى ظل إدارته شئون البلاد هو أقوى سند للمطالبين بتسليمه السلطة فورا أو فى أسرع وقت ممكن). وترتب على هذا الموقف من المجلس أن رددت المظاهرات شعارات مثل «لا نريد سوى رأسك أيها المشير أولا»، أو «الألتراس قالها خلاص رأس المشير هو الكأس»، أو «الألتراس أهلاوى وثورى رأس المشير هو الدورى»، لكن أخطر هذه الشعارات قاطبة هو ذلك العلم الكبير الذى عُلق على مدخل محطة مصر أثناء انتظار وصول القطار الذى حمل مشجعى الأهلى، وقد كُتب عليه «الجيش المصرى: أمامك الاختيار: الانحياز للشعب أو المجلس العسكرى»، وهو شعار خطير ليت من كتبوه يقدرون خطورته، إلا إذا كانوا هم أيضا من الفلول المندسة، وأخيرا وليس آخر فإن اتهام المجلس بالتواطؤ يحتاج برهانا أقوى من الشعور بكراهيته، ففى حالة اتهام الداخلية بالتقصير كانت ثمة شواهد مثل عدم تفتيش المشجعين قبل دخولهم الملعب، والسماح بدخول «بلطجية» من خارج المدينة بما فى ذلك بين الشوطين، وتقاعس قوات الأمن عن القيام بدورها منذ ما قبل بداية المباراة وحتى وقوع الكارثة، وبعض الأقوال المنسوبة لضباط شرطة يحملون رتبا عالية ويشاركون فى التحريض ضد جماهير الأهلى.

●●●

لكن أخطر ما حدث من ردود أفعال يتعلق بإلصاق تهمة ما حدث بأبناء بورسعيد، تلك المدينة التى وقفت جماهيرها فى مشهد مهيب ليلة مؤامرة المرشدين الأجانب على قناة السويس بعد تأميمها فى 1956 تشد من أزر مرشدى مصر الأبطال فى أولى خطواتهم لقيادة قوافل السفن العابرة فى قناة السويس، ثم لعبت دورا تاريخيا فى حماية أرض مصر من الهجوم البريطانى الفرنسى 1956، فدُمِرَت مبانيها، وسقط من أبنائها شهداء ولكنهم «أحياء عند ربهم يرزقون»، ثم خاضوا أروع معارك المقاومة الشعبية حتى رحلت قوات الاحتلال بعد أقل من شهرين من بدء العدوان.

تصاعد الاتهام للمدينة باتهام جماهير النادى المصرى أولا، ثم عدلت التسمية إلى جماهير بورسعيد التى تحدث الإعلام المشبوه عن وحشيتها وهمجيتها، ثم طالت الاتهامات المدينة بأكملها على إيقاع الإعلام الرياضى الذى استولى عليه الدخلاء على المهنة الإعلامية فى القنوات الفضائية، والذى يتميز بانفلات لا يصدق، وسوابقه معروفة فى كوارث سابقة مثل أحداث مباراة مصر والجزائر الشهيرة التى بدأت مسئولية هذا الإعلام عنها بالشحن والتحريض وإهانة الجزائر رئيسا (هل تذكرون «شد اللحاف يا بوتفليقة»؟) وعلما وشعبا، ثم استمرت المسئولية أثناء تغطية الأحداث فيما كان الإعلام من النوع نفسه على الجانب الجزائرى يقوم بالدور ذاته، واستمرت الاتهامات وتصاعدت بشكل شديد البذاءة كما تشهد بذلك شعارات مكتوبة فى ميدان التحرير.

بدت هذه الاتهامات للمدينة وأبنائها مناقضة لذاتها ولمجريات الأحداث، فأما التناقض الداخلى فمرده أن هذا الاتهام يتعارض مع اتهام المجلس العسكرى والداخلية وفلول الحزب الوطنى بالمسئولية عما جرى، وأما التناقض مع مجريات الأحداث فلأن الغالبية العظمى من أبناء بورسعيد لم تشارك فيها اللهم إلا بسلوك إيجابى مسئول. صحيح أن قطاعا واسعا من جماهير النادى المصرى لابد وأن يكون مسئولا عما وقع، أو على الأقل عن الانسياق للمحرضين والقتلة، لأن أعداد الذين نزلوا إلى الملعب تفوق العشرة آلاف، ولا يمكن أن يكون هؤلاء كلهم من «البلطجية»، لكن شباب بورسعيد سارع إلى نقل المصابين إلى المستشفيات فى سياراتهم، والتبرع بدمائه من أجل إنقاذهم حتى لم تعد هناك حاجة إلى مزيد، وفتح أهل بورسعيد أبواب بيوتهم لحماية بعض مشجعى الأهلى من مطاردة القتلة و«البلطجية»، وأعطوهم من الملابس ما يساعد على إخفاء هويتهم حماية لهم فى هذه الظروف، وحطم متظاهروها أحد المقاهى الذى يملكه رجل أعمال قيل إنه موَل أعمال البلطجة، وإنه ينتمى إلى فلول النظام البائد، وغير ذلك الكثير. وقد صُدِمَ أبناء بورسعيد بما وقع وبهذه الاتهامات الظالمة، فخرجوا فى اليوم التالى فى مظاهرات تحمل شعارات مثل «بورسعيد بريئة...دى جريمة دنيئة»، و«سامحنا يا شعب مصر.. بورسعيد بتحب مصر»، وحملت سيدات بورسعيديات وقورات لافتة مكتوبا عليها «بورسعيد مصرية ماهياش يهودية».

●●●

ثم إن ما حدث لا يمكن فصله بأى حال من الأحوال عن مناخ التعصب الرياضى عامة والكروى خاصة الذى يسود الساحة الرياضية المصرية منذ سنوات عديدة، ويؤدى إلى أعمال شغب وتخريب تمر فى كل مرة مرور الكرام، وربما سمح هذا المناخ من التعصب الممجوج بتحرك من يريد بثورة يناير شرا، بدليل الأحداث المماثلة التى شهدناها فى الشهور الأخيرة وإن كان لا وجه للمقارنة بينها وبين الجريمة التى وقعت فى بورسعيد بدءا بمباراة الزمالك والأفريقى التونسى وانتهاء بمباراة الأهلى والمحلة، وقد امتدت ظاهرة التعصب بطول البلاد وعرضها حتى أصبحنا نسمع عن اقتتال فى أعقاب مباراة بين ناديين من الدرجة الثالثة أو الرابعة، بل إننا لا يجب أن ننسى فى خضم المأساة الإنسانية التى وقعت وصدمتنا جميعا فى سقوط هذا العدد غير المسبوق من الشهداء من جماهير الأهلى أن هذه الجماهير فى آخر مباراة بين الناديين فى مدينة بورسعيد قد حطمت محطة سكة حديد بورسعيد وعددا من المحال المحيطة بها، كما يجب ألا ننسى تلك اللافتة المستفزة التى حملتها جماهير الأهلى فى المباراة الأخيرة (بلد البالة.. ماجابتش رجالة) والتى كانت سببا إضافيا فى اشتعال الموقف، وإن كانت لا تبرر ما وقع من جريمة نكراء بطبيعة الحال.

قد لا يفطن الكثيرون إلى خطورة اتهام مدينة مصرية بسلوك القتل والبلطجة، لأن معنى هذا أننا نسير بخطى حثيثة فى طريق تمزيق الدولة المصرية، ففى البدء كانت محاولة الوقيعة بين مسلمى مصر وأقباطها، وها نحن الآن نتحدث عن صراع مدن أو أقاليم، وقد هدد ألتراس النادى الأهلى لدى استقبالهم مشجعى ناديهم العائدين من بورسعيد أنهم سيقتصون من أى فريق من محافظات القناة(!) فى المباريات المقبلة فى استمرار واضح لظاهرة أخذ كل منا القانون بين يديه، وبالمناسبة فإن الألتراس علامة استفهام كبيرة. صحيح أن فيها من فيها من العناصر المحترمة من شباب مصر، لكن سجل قواعدها فى مجال أعمال الشغب والتخريب منذ ما قبل الثورة أكبر من أن ينسى، ولقد أعطتها مشاركتها فى الثورة «شرعية» جعلت تصرفاتها خارج نطاق النقد، وتلك مسألة فيها نظر.

ولأن ثمة اتفاقا على أن كارثة بورسعيد ليست مسألة كروية فإن المهم الآن جنبا إلى جنب مع تحديد المجرمين والمقصرين والقصاص منهم أن يكون هناك مخرج سريع ومأمون من الأزمة السياسية الراهنة فى مصر، وهذه قصة أخرى. وليسامحنى الأستاذ هيكل على التأسى على نحو غير مباشر بعنوان واحد من كتبه الفارقة فى اختيار عنوان هذا المقال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.