أشكال فنية جديدة فجرتها ثورة 25 يناير منذ يومها الأول، صرخت بالغضب على الجدران، وأعلنت الميلاد الرسمى لفن الجرافيتى المصرى. فن الجرافيتى أصبح مثل مؤرخ شعبى، وبدلا من الغناء على الربابة، أصبح فنان الجرافيتى يكتب يوميات الثورة ويوميات القمع والاحتجاج على جدران البلاد. أدرك شريف عبدالمجيد هذه الحقيقة مبكرا، وهو المصور الفوتوغرافى المحترف الذى حمل آلة التصوير وذهب يلتقط أشكال الجرافيتى المختلفة فى القاهرة وأحيائها وفى الإسكندرية ومدن القناة والأقصر وغيرها، بحيث التقط ما يربو عن الألف صورة بطعم الرفض فى كل محافظة مصرية. وجمع ما يقرب من الثلاثمائة صورة فوتوغرافية فى كتاب فنى يصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب خلال معرض القاهرة للكتاب بعنوان (أرض أرض. حكاية ثورة الجرافيتى). يجمع عبدالمجيد بين الثورة والجرافيتى فى وثيقة شعبية، ويؤكد من ناحية أخرى الثورة الفنية التى أحدثها فى عالم الفن التشكيلى. وتأتى أهمية هذا الكتاب فى توثيق مادة فنية هى بطبيعتها قابلة للمحو، حيث عُرف فن الجرافيتى فى العالم كفن احتجاجى تجرمه السلطات فى كثير من الأحيان، وتعتبره نوعا من التخريب الذى يشوه الجدران وواجهات المبانى والمواصلات، فتقوم بمحوه بشكل منهجى. أو قد تقوم جماعات متشددة ما فى أى مكان فى العالم بالكتابة عليه اعتراضا عليه وتشويها للخطاب الذى يدافع عنه.
مقدمة الكتاب دراسة عن طبيعة هذا الفن الاحتجاجى الذى تجرمه معظم بلدان العالم فيما عدا البرازيل وخاصة مدينة ساو باولو التى تعتبر عاصمة الجرافيتى العالمية. ويقتفى المصور الكاتب بدايات الجرافيتى فى الستينيات، وهناك من يرجعها أيضا لسنوات الحرب العالمية الثانية، إلا أنه يرتبط ببداية معرفة الانسان الكتابة كما يقول عبد المجيد . ويرصد الكتاب بدايات فن الجرافيتى فى مصر الحديثة بشكله الاحتجاجى فى 2009 (حين استخدمته جماعات الإيموز، والكلمة تعنى المراهق الحساس أو العاطفى، والمعروف أن الجرافيتى تحديدا ظهر مع موسيقى الهيب هوب، وبالتالى فإن جماعة الإيموز ربما بدافع التميز حاولوا خلق شعارات لهم من خلال فن الجرافيتى). مع ثورة 25 يناير حين خرج الجرافيتى كالمارد من محبسه، إذ يعتبر أن أبطال الجرافيتى ورساميه، المجهولين فى أغلب الأحيان أو المتخذين أسماء مستعارة خوفا من بطش السلطة، أعادوا العلاقة التى كانت مفقودة بين الفنان ومتلقى الفن. وكما تجلت ثورة 1919 بمبدعها العبقرى محمود مختار الذى عبر عن هذه الثورة بعمله الخالد نهضة مصر وهو عمل مناسب لطبيعة هذه الثورة، بينما الجرافيتى هو أحد أبطال ثورة يناير، بدليل القبض على أحد ناشطى 6 أبريل وهو يقوم بعمل رسوم جرافيتى «إمسك فلول» بمدينة نصر دليلا على حيوية هذا الفن وأن رسامى الجرافيتى لهم ثائرون وأصحاب رؤية».