قبل كل مرة يتجه فيها أحمد نيمو حسبما يناديه رفاقه لرسم جرافيتى فى أحد شوارع مدينة المنصورة، يختار المكان جيدا، والمواصفات المطلوبة هى: مكان يلفت نظر المارة على طريق للمواصلات العامة، وأن تكون المساحة مناسبة بحيث لا تضيق عليه عمله أو على حد تعبيره «ببقى عايز أنا اللى اتحكم فى الرسالة اللى عايز أوجهها مش العكس». أما لحظة الرسم نفسها فلا يحتاج نيمو إلى وقت طويل، يشرح ذلك قائلا: «لازم أخلص فى أسرع وقت، يعنى تقريبا بارسم واجرى!». ولا تعبر تلك العبارة عن حبه للتسرع، إذ إنه يقضى ساعات فى التحضير لهذه اللحظة، لكن السبب الرئيسى هو قلقه من ردود أفعال المارة غير المتوقعة، لذا تبدأ رحلته فى كل مرة بعد منتصف الليل، وفى كل مرة تكون هناك صحبة من الأصدقاء، أحدهم يراقب الأجواء، وآخر يستأذن من الأهالى إذا ما تطلب الأمر ذلك. ويعلق على ذلك بقوله: «فى القاهرة أصبح هناك وجود كثيف لرسامى الشارع، حتى إن كثيرا منهم لم يعد يخشى الرسم فى وضح النهار، والنقاش مع المارة، خاصة فى أماكن مثل ميدان التحرير إذ اعتدنا مشاهدة الجرافيتى هناك، أما فى المنصورة فما زال الأمر حديثا وغريبا.. أستطيع أن أؤكد أننى إذا ما حاولت الرسم قبل منتصف الليل أننى سأواجه مشاكل». يدرس أحمد نيمو طب الأسنان فى المنصورة، ولم يقاوم حب الرسم منذ طفولته، وفى بعض الأحيان ما يمر أحدهم على نيمو أثناء الرسم ليلا ويواجه سؤالا تقليديا عن دراسته، ويفاجأ صاحب السؤال بأنه لم يدرس الفن. لكن ما يعزيه هو قناعته بأن «الطب لابد أن يتوافر فى دارسة العلم والموهبة والفن، وإذا ما استطاع الموازنة بينهم سيصبح طبيب أسنان ناجح»، وهذا نقلا عن إحدى المحاضرات التى درسها فى الكلية. لكن هؤلاء المارة الأبرياء الذين يتجاوبون مع ما يقدمه من رسم على الحوائط ليسوا الأغلبية، فقد تعرض واحد من رسوم نيمو الأخيرة للتشويه بعد رسمه بأيام قليلة، وكان عن الصورة الشهيرة للجندى فوق سطح مجلس الشعب وهو يهدد بالتبول على المتظاهرين بالأسفل، ونقل نيمو هذه الصورة إلى جدار أحد شوارع المنصورة العامة كاتبا تحتها «شعبى وأنا حر فيه.. أعمل عليه بى بى».
هذا الرسم تعرض لمحاولة الطمس، وكان تعليق أحمد نيمو: «الناس مش عاوزة تشوف الحقيقة!».
ومنذ سن السابعة عشرة سنة بدأ شغفه بالجرافيتى، واليوم يكاد يكون الأشهر فى مدينة المنصورة دون أن يعرف ملامحه أغلب المارة، بدأ الأمر لديه بالاهتمام بالجرافيتى المرسوم على جدار غزة العازل قبل سنوات، خاصة رسومات الفنان البريطانى (بانكسى) فى تلك الفترة، ومع القراءة حول فن الشارع، والدخول إلى مواقع تشرح طرق متعدد لممارسة الرسم على الجدران، اختار نيمو التجربة والخطأ حتى وصل إلى مستواه الحالى، لكن تظل تجربة الانضمام إلى إحدى مجموعات الألتراس المصرية بمثابة تجربة أخرى أهم بالنسبة إليه، يعلق على ذلك قائلا: «فى وسط مجموعة الألتراس تتعرف على جميع الطوائف والثقافات والاهتمامات، ودرجات متفاوتة فى الموهبة، ونقاش جماعى يدفع إلى الأمام». الأعمال التى شارك فيها نيمو مع الألتراس كانت لها طابع المجموعة، وهو ما يختلف تماما عن عمله بمفرده الذى يعبر عن شخصيته وقناعاته. يضيف قائلا: «الشىء الملفت فى هذه التجربة أنك لن تجد مجموعة ألتراس تحاول إزالة أو تشويه رسم مجموعة أخرى حتى إن كانت مجموعة لفريق منافس».
فى عالمه الصغير داخل المنزل، لا يواجه صعوبات مع الأسرة التى تقدر ما يفعله، حتى إن حجرته تحمل رسما لمغنى البوب الراحل مايكل جاكسون، رسمه فى وقت فراغه، أما الأدوات التى يعمل بها من ألوان وألواح ورقية وكاتر فيراها غير مكلفة بالمرة. كل ما يطمح إليه هو انتشار ذلك الفن فى مدينته المنصورة.