دخل العراق أزمة سياسية حادة تعكس مخاوف أبناء الطائفة السنية من التهميش، عقب أيام قليلة من انسحاب آخر جندى أمريكى من بلاد الرافدين، لينتهى «رسميا» احتلالا دام ثمانى سنوات وتسعة أشهر. هذه المخاوف السنية تزايدت بإصدار القضاء مساء أمس الأول مذكرة اعتقال بحق طارق الهاشمى، النائب السنى لرئيس الوزراء الشيعى نورى المالكى، وذلك بالتزامن مع سعى الحكوة إلى إقالة صالح المطلك، النائب السنى لرئيس الوزراء، من منصبه بعدما وصف المالكى بأنه «ديكتاتور أسوأ من (الرئيس العراقى الراحل) صدام حسين». الهاشمى والمطلك هما من أبرز قياديى قائمة «العراقية»، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق، إياد علاوى (شيعى علمانى)، وتمتلك 82 من 325 نائبا، و9 وزراء بين 31. وقد جاءت الخطوتان الأخيرتان عقب صدور دعوات تطالب بإنشاء أقاليم تتمتع بحكم ذاتى بسلطات واسعة فى محافظات تسكنها أغلبيات سنية.
وبحسب المحلل السياسى المختص بالشأن العراقى، عبدالحليم محجوب، فإن «القوى السياسية تتسابق حاليا لاحتلال المواقع التى تراها من حقها، وكل طرف يحاول اختبار قوة الآخر، وهذه المحاولات لإبعاد قيادات سنية ما هى إلا محاولة من المالكى لجس نبض القوى السياسية السنية».
ومضى محجوب قائلا إنه «فى المقابل يسعى السنة لاختبار قوة الحكومة المركزية (التى يسيطر عليها الشيعة) عبر الدعوة لإنشاء إقليم له سلطات ستكون بالضرورة على حساب الحكومة فى بغداد». يُذكر أن مجلس محافظة ديالى شمال شرق العاصمة بغداد، أعلن أنه جرى جمع توقيعات 15 عضوا من بين أعضائه ال29 للمضى فى الاجراءات الرسمية لإنشاء إقليم يتمتع بحكم ذاتى.
وكان مجلس محافظة صلاح الدين (وسط)، التى تسكنها أيضا غالبية سنية، قد أعلن فى 27 أكتوبر الماضى، المحافظة اقليما مستقلا اداريا واقتصاديا؛ ما رفضته الحكومة المركزية فى بغداد. وهو الآخر، جمع مجلس محافظة الأنبار (غرب)، أكبر محافظات العراق، توقيعات 16 من بين أعضائه ال29، لاجراء استفتاء شعبى حول المطالبة باعلان المحافظة، التى تسكنها غالبية سنية، اقليما مستقلا. وتنص المادة 119 من الدستور على انه «يحق لكل محافظة او اكثر، تكوين اقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه».
ورغم اتفاق محجوب مع الرأى الذى يرى أن السنة باعتبارهم أقلية يحاولون بناء سلطات محلية لهم على حساب الحكومة المركزية التى يشعرون أنهم لن يشكلوها يوما ما، إلا أنه يشدد على أننا «يجب ألا نكون أسرى اللحظة الراهنة».
وتابع: «أراهن على سنوات قليلة مقبلة، لن تزيد على خمس سنوات، ستظهر فيها قيادات جديدة سنية وشيعية وكردية، لا تخضع لتوجهات الإسلام السياسى فى الطائفتين.. وعلى أى حال لن يكون للأحزاب الدينية من الطرفين نفس الحضور فى الانتخابات المقبلة، كما لا أتوقع استمرار المالكى فى منصبه خلال العامين المقبلين».
وبحسب محجوب سيكون ل«حل الأزمة النووية الإيرانية، وضعف قبضة التيارات المتشددة على السلطة فى طهران تأثيرا كبيرا على الواقع العراقى؛ لأنه سيخفف حدة الصراع مع السعودية، وبالتالى يقلل من التدخل فى الساحة السياسية ببغداد».