كان فتى المقهى منهمكاً في توصيل الطلبات إلى مرتاديه وينادي بصوت رنان "أيوة جاي" عندما صمت فجأة وأشار بيده ليصمت الزبائن محاولاً تمييز الصوت الصادر من مكبرٍ للصوت يشبه مكبرات رفع الأذان والتي كثيراً ما تستخدم للإعلان عن الوفيات في المناطق الشعبية ولكنه سرعان ما عاد للعمل بعدما تيقن أن المنادي يروج لمرشح انتخابي، ملوحاً بيده: "أنا بحسب حد مات". وبعد دقائق معدودة، اقتربت سيارة نصف نقل مثبت على أعلاها المكبر وفي قمرة قيادتها شخصان، أحدهما يمسك سماعة الميكروفون والآخر يقود السيارة ولكن الغريب أن الشخص الذي يمسك بسماعة الميكروفون كان يتحدث قليلاً ثم يثبتها أمام الكاسيت حيث مقطع من أغنية لعبدالحليم حافظ يغني فيه "يا جمال يا حبيب الملايين".
كانت هذه إحدى وسائل الدعاية القديمة التي استخدمت في الانتخابات السابقة أثناء حكم الرئيس السابق حسني مبارك ولكن الجديد فيها هو عودة الربط بين أغنية كانت قد خصصت للرئيس الراحل جمال عبد الناصر وبين اسم المرشح الذي يحمل الإسم نفسه "جمال"، لم تسلم هذه الطريقة من سخرية مرتادي المقهي الذي هاجم بعضهم الأسلوب، فيما امتدحه أخرون على أساس أن المرشح نجح في فكرة الترويج لنفسه وأبلغ اسمه للناخبين في هذا الحي.
يقول صبحي وهو موظف بالمعاش "ما العلاقة بين الزعيم جمال عبد الناصر وهذا المرشح؟ لم يمارس السياسة طول حياته، أم هو تلقيح جثث" ولكن الحاج محمود وصف المرشح بالشاطر، قائلا "عرف يتصرف ويوصل اسمه للناس" وانقسم الحاضرون ما بين مؤيد لفكرة محمود ومتفق مع كلام صبحي وثار جدل حول الانتخابات والمرشحين ومن سينال الأغلبية التي كان يحتكرها الحزب الوطني المنحل.
أساليب مبتكرة
تفنن المرشحون في ابتكار أساليب دعاية انتخابية تلائم مرحلة ما بعد الإطاحة بنظام مبارك وثورة 25 يناير، فمنهم من يطوف الشوارع بسيارات تغني أغنيات تحمل اسمه ومنهم يقوم بعمل لافتات تحمل صورته ويمنحها هدية للمحلات الصغيرة بعد أن يكتب اسماء المحال عليها بجوار اسم المرشح ومنهم من يبيع بعض السلع بنصف ثمنها في مقره الانتخابي.
وفي بعض الحالات يقوم المرشحون بعمل حفلات زفاف جماعي بالمجان للمقبلبن على الزواج في دوائرهم ومنهم من قام أثناء ايام عيد الأضحى بعمل سحب على خروف العيد بشرط أن يتم التقاط صور للمرشح والناخب الرابح والخروف المربوح.
أما الإسلاميون من الإخوان المسلمين والسلفيين فيلجأون إلى دعاية أكثر التحاماً بالناخبين فمنهم من ينظم ما يسمى بالقوافل الطبية التي توفر الأطباء المعالجين والدواء للناخبين في الأحياء الفقيرة ومنهم من ينظم ما يسمى بحملات طرق الأبواب حيث يسألون الناخبين عن كيفية تقديم المساعدة لهم ويبلغونهم ببرامجهم الانتخابية في الوقت نفسه.
كانت اللجنة العليا للانتخابات قد حددت سقفاً مالياً للدعاية الانتخابية بحيث لا تتجاوز 500 ألف جنيه مصري للمرشحين على المقاعد الفردية ونحو خمسة ملايين جنيه مصري للقوائم التي تتراوح ما بين أربع مرشحين وإثنا عشر مرشحاً.
دعاية الكترونية
يلجأ المرشحون في أول انتخابات بعد سقوط مبارك إلى شبكة الإنترنت التي استخدمها الشباب والناشطون لحشد المصريين ضد النظام، فكل مرشح له موقع ترويجي على الفيسبوك أو تويتر أو موقع الكتروني أو ربما مدونة يكتب من خلالها ما يريد ويتوجها ببرنامجه الانتخابي.
ولم تسلم حملات الدعاية على الانترنت أيضاً من التعليقات الساخرة لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، أما الدعاية التي حازت على أكبر قدر من التعليقات، فكانت للافتة علقها مواطن قبطي يدعم فيها حزب النور السلفي وكتب عليها "بوتيك مايكل يؤيد حزب النور"، في إشارة واضحة إلى نبذ الطائفية ولكن نشر تلك الصورة دفع المستخدمين إلى تساؤلات مثيرة حول مستقبل الأقباط في مصر إذا ما تولى حزب أو ائتلاف ديني مقاليد الحكم.
وكان لحزب النور نصيبه من التعليقات الساخرة بعد أن نشر أحد أعضائه صورة طفل في كيس وكتب أن هذه أكياس الحق يقدمها الحزب هدية للشعب المصري وهو ما لم يفهمه كثير من مرتادي الموقع الإلكتروني فيما فسره آخرون على أن محاولة للتقرب مع مستخدمي مجتمع الانترنت ورسم صورة مختلفة للحزب الذي يقدم دائما على أنه متشدد.
وعمد عدد من مستخدمي الموقع إلى رصد الملصق الدعائي لمرشحة حزب الوفد ذات ال 29 عاماً "نهال عهدي" منتقدين كونه يميل إلى الإعلانات عن منتجات بشرة أو شعر حيث تظهر المرشحة بشعرها الأصفر وعيناها الخضراوين كنجوم السينما أو فتيات الإعلانات.
وثارت التعليقات أيضاً على فيسبوك ضد المستشار السابق "مرتضى منصور" بسبب الملصقات التي علقها على حوائط الشوارع الرئيسية كاتباً أدناها "الملك لله وحده" وهي الجملة التي يكتبها عادة المرشحون على رأس ملصقاتهم الدعائية وليس أدناها كما يكتبها ملاك الأراضي على ممتلكاتهم.
ويقول عماد جاد المحلل السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاقتصادية "إن لجوء المرشحين إلى الانترنت ومواقع التواصل الإجتماعي متفاوت في الغرض ما بين الاستخدام الشكلي الصوري إلى الاستخدام المدروس والذي يستهدف أصوات نحو 20 مليون مستخدم للانترنت في هذا البلد" مضيفا: من الصعب خداع الناخب المصري وعلى النخبة أن تحاول توعيته حتي يستطيع التمييز بين من يستطيع أن يساعد البلاد في هذه المرحلة وبين من يريد حصانة برلمانية ووجاهة اجتماعية ليس إلا.