احتفلت الأوساط الثقافية في روسيا أول أمس الجمعة، بالذكرى التسعين بعد المائة لميلاد الكاتب الروسي فيودور ميخائيلوفتش دوستويفسكي (1821-1881)، أحد أعظم الروائيين في العالم والذي ترجمت أعماله إلى العديد من اللغات وأصبحت مصدر إلهام للفكر والأدب المعاصر. وتحظى هذه المناسبة باهتمام الأوساط الثقافية في روسيا، حيث افتتح قبل أيام في مدينة فيليكي نوفغورود الروسية، التي قضى الكاتب فيها جزءا كبيرا من حياته، المهرجان الدولي المسرحي الخامس عشر، الذي ينظم سنويا في ذكرى ميلاد الكاتب وذلك منذ عام 1992.
وتحت شعار "دوستويفسكي والثقافة العالمية" انطلقت وعلى مدى يومين فعاليات المنتدى العلمي بمدينة سان بطرسبرج بمشاركة جمع من الأدباء والمفكرين من مختلف أنحاء العالم.
ويهدف المنتدى لمناقشة المسائل الأساسية المتعلقة بتصور دوستويفسكي للعالم المعاصر، وتأثير تراثه الروحي والفكري على الفنانين والمفكرين والشخصيات السياسية والدينية من القرن التاسع عشر وحتى القرن الحادي والعشرين.
وعلى هامش المناسبة يقيم "متحف دوستويفسكي" بسان بطرسبرج معرضا فنيا تقدم فيه أكثر من تسعمائة لوحة تعرض لأول مرة مستوحاة من أعمال الكاتب الأدبية.
ملمح رسالي
عرف دوستويفسكي بتوجهه الإنساني ونزعته الفلسفية التي بدت واضحة في أعماله الأدبية، حيث يتجلى في رواياته المزج بين الصنعة الفنية والبعد الفكري الذي يضفي على أعماله ملمحا رساليا.
ويرى نقاد أدبيون أن دوستويفسكي من الكتاب القلائل الذين استطاعوا رسم الخطوط السيكولوجية لمفهوم العاطفة في التعبير الروائي إذ أخرجها من القوالب الجمالية والرومانسية التي غرق فيها كتاب القرن التاسع عشر وجعل منها تعبيرا واقعيا عن مكنونات إنسانية بحتة في قالب اجتماعي يشترك فيها الألم مع اللذة والخير مع الشر حتى لُقب بعبقري الرواية النفسية.
ومن أقواله الخالدة "يشبهونني بالأطباء النفسيين ولكن هذا الأمر ليس حقيقيا، فأنا واقعي بكل ما تحمله الكلمة من معنى ولهذا أعكس أعمق ما تحمله النفس البشرية من حقائق".
ويرى الكاتب دانييل جرانين أن صعوبة قراءة رواياته تكمن في أنها تجبرنا على اكتشاف ما في أنفسنا من سوء خوفا من أن نعثر فيها على تلك الأهواء التي تعصف بأبطاله، ويشعرنا بتأنيب الضمير والقضاء على كافة محاولات التهرب وتبرير الشر والفساد الأخلاقي.
رسالة تغيير
من جانبه، قال الأديب والمترجم أبو بكر يوسف (أحد مترجمي أعمال دوستويفسكي إلى العربية) إن الكاتب كان يحمل رسالة تغيير العالم من خلال فلسفة تقترب من فلسفة تولستوي باختيار طريق المقاومة السلمية ونبذ العنف في تغيير المجتمع، لكنه لم يكن فيلسوفا بقدر ما كان فنانا ذا بصيرة نافذة إلى أعماق الحقائق.
وأشار إلى أن دوستويفسكي تنبأ بمستقبل مضطرب لروسيا عندما بحث النظر في قضية "الإرهاب" في ذلك الوقت.
وأضاف يوسف أن الكاتب حاول من خلال مؤلفاته أن يقدم النموذج السلمي البديل القائم على حب البشرية وتغيير الإنسان بالمعرفة والحقيقة.
وأوضح أن دوستويفسكي كان يشكل عالما متوتر الأرجاء، يضطرم بشتى أنواع الفكر والصراعات، تقلب بين نار المثال الديني الذي لم يتحقق في الواقع ونار الواقع المرسوم حوله آنذاك، فكان "إيفان" أحد أبطال روايته "الأخوة كارامازوف" يقول لأخيه "إنني لا أرفض الله ولكني أرفض عالمه".
وعلى الرغم من مرور 130 عاما على وفاته، فإن أفكاره ومبادئه لا تزال تمثل أفكار جيل على قيد الحياة.
واكتسبت أعماله الأدبية طابعا عصريا يبدو أحيانا أشبه بالنبوءة بمعزل عن أبعادها الزمانية والمكانية.
ويرى كثيرون أن رواياته التي تفضح سائر أشكال العنف والاضطهاد لا يمكن أن تموت ما دامت الأنظمة القمعية قائمة بكل قبحها وبشاعتها.ومن أشهر أعماله "الجريمة والعقاب"، و"الأخوة كارامازوف"، و"الشياطين"، و"الأبله".