تخصيص قطع أراضي لإقامة مشروعات تنموية في 3 محافظات    إيران تطبيق فئة سعرية جديدة للبنزين بدءا من ديسمبر    واشنطن توقف النظر بطلبات الهجرة للمواطنين الأفغان    أوكرانيا: اجتماع لفريق التفاوض قريبا.. وسنركز على خطوات محددة بمقترحات السلام    إندونيسيا.. ارتفاع عدد قتلى السيول والانهيارات الأرضية إلى 23    مصر تواصل إرسال قوافل المساعدات لغزة باليوم ال 48 لوقف إطلاق النار    هيئة الفضاء الصينية تشجع شركات الفضاء التجارى على التوسع فى التعاون الدولى    بنجلاديش.. حكم جديد بحق الشيخة حسينة وولديها بتهم فساد    الدباغ ينضم لبعثة الزمالك في جنوب أفريقيا قبل مواجهة كايزر تشيفز    نبيل الكوكي عن مواجهة زيسكو: هدف المصري الخروج بنتيجة إيجابية للحفاظ على الصدارة    حاولوا غسل 170 مليون جنيه.. التحقيق مع 4 عناصر جنائية لاتهامهم بالاتجار في المخدرات    إصابة شخص إثر انفجار أسطوانة غاز بقرية ترسا في الفيوم    الإعلان عن القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد.. بينهم 7مصريين    الصحة: فحص أكثر من 4.5 مليون شاب وفتاة ضمن مبادرة فحص المقبلين على الزواج    وزير الصحة يزور مدينة «باشاك شهير تشام وساكورا» الطبية أكبر مجمع طبي في أوروبا بإسطنبول    أسوان تحصد جائزتين بالملتقى الدولى للرعاية الصحية    الصحة: فحص أكثر من 4.5 مليون شاب وفتاة ضمن مبادرة فحص المقبلين على الزواج    وصول الطائرة البابويّة إلى مطار أنقرة وبداية الرحلة الرسوليّة الأولى للبابا لاوون ال14 إلى تركيا    اتخاذ الإجراءات القانونية ضد 4 عناصر جنائية لغسل 170 مليون جنيه من تجارة المخدرات    خبراء الأرصاد يتوقعون طقسًا خريفيًا مائلًا للبرودة بالقاهرة الكبرى    منظمات حقوقية: مقتل 374 فلسطينيا منهم 136 بهجمات إسرائيلية منذ وقف إطلاق النار    أشرف العشماوي ينافس في جائزة الشيخ زايد للكتاب ب مواليد حديقة الحيوان    زهراء المعادي: الموافقة على عرض الشراء الإجباري مرهونة بعدالة السعر المقدم    الجامعة العربية تؤكد أهمية دعم التكامل الاقتصادي العربي - اليوناني    اكتمال النصاب القانوني لعمومية اتحاد الكرة لمناقشة تعديلات لائحة النظام الأساسي    منال عوض تكرم عددًا من المسئولين لدورهم في نجاح "التنمية المحلية بصعيد مصر"    الأهلي يختتم تدريباته اليوم استعدادًا لمواجهة الجيش الملكي    وزير الشباب والرياضة يستقبل سفير دولة قطر لبحث التعاون المشترك    الفنانة الإسبانية ماكارينا ريكويردا تشارك في مهرجان مصر الدولي لمسرح الطفل والعرائس    وزير البترول يعقد لقاءً موسعاً مع شركات التعدين الأسترالية    وزير الري يعرض المسودة النهائية لهيكلة روابط مستخدمي المياه    وزير التعليم: إدخال مادة البرمجة والذكاء الاصطناعي إلى التعليم الفني العام المقبل    بسبب الإهمال.. استعباد مدير ووكيلي مدرسة في قنا    قبل موتها المفاجئ.. المذيعة هبة زياد تكشف تعرضها للتهديد والابتزاز    عشرات القتلى و279 مفقودًا في حريق الأبراج العملاقة ب هونغ كونغ    محامي رمضان صبحي: التواصل معه صعب بسبب القضية الأخرى.. وحالة بوجبا مختلفة    بسبب تعاطيهم الحشيش.. إنهاء خدمة 9 من العاملين أثناء أدائهم للعمل الحكومي    روز اليوسف على شاشة الوثائقية قريبًا    محافظ الجيزة يعتمد تعديل المخطط التفصيلى لمنطقة السوق بمركز ومدينة العياط    حقيقة فسخ بيراميدز تعاقده مع رمضان صبحي بسبب المنشطات    جامعة قناة السويس تنظم ندوة "تجليات وعبقرية المعمار المسلم" ضمن "طوف وشوف"    جامعة بنها ضمن الأفضل عربيًّا في تصنيف التايمز البريطاني    مواعيد مباريات اليوم الخميس 27 نوفمبر 2025    انطلاق امتحانات شهر نوفمبر لطلاب صفوف النقل    إصابة 9 أشخاص فى حادث انقلاب ميكروباص بطريق أبوسمبل    مرفق الكهرباء يعقد اجتماعا مع رؤساء شركات التوزيع لمناقشة أسباب زيادة شكاوى المواطنين    المعارضة تقترب من حسم المقعد.. وجولة إعادة بين مرشّح حزبى ومستقل    ضبط المتهم بالتعدى على فتاة من ذوى الهمم بطوخ وحبسه 4 أيام    عمر خيرت يوجه رسالة للجمهور بعد تعافيه من أزمته الصحية.. تعرف عليها    سر ظهور أحمد مكي في الحلقة الأخيرة من مسلسل "كارثة طبيعية" (فيديو)    عصام عطية يكتب: «دولة التلاوة».. صوت الخشوع    محافظ كفر الشيخ: مسار العائلة المقدسة يعكس عظمة التاريخ المصري وكنيسة العذراء تحتوي على مقتنيات نادرة    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 27نوفمبر 2025 فى المنيا.....اعرف مواعيد صلاتك    ضعف المناعة: أسبابه وتأثيراته وكيفية التعامل معه بطرق فعّالة    موعد أذان وصلاة الفجر اليوم الخميس 27نوفمبر2025.. ودعاء يستحب ترديده بعد ختم الصلاه.    خالد الجندي: ثلاثة أرباع من في القبور بسبب الحسد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 26-10-2025 في محافظة الأقصر    دار الإفتاء تكشف.. ما يجوز وما يحرم في ملابس المتوفى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مباراة سينمائية لرد اعتبار مشاعر الجمهور
نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 10 - 2011

«القصص موجودة حين نتذكرها» .. لم يكن هذا مجرد عنوان طرحه المخرج جوليان موراتف فى فيلم يحمل الجنسية البرازيلية والفرنسية والأرجنتينية، بل هو شعار وحقيقى لمعظم ما تطرحه شاشة السينما العالمية فى مهرجان أبوظبى، فالأفلام تأخذ من المشاهد وترد تحاول أن تعيده للحياة مرة أخرى وتعيد ترتيب أفكاره حتى ولو تربعت فكرة الرحيل والموت على عرش أولوياته حتى يشعر بالراحة.

تخترق الأفلام بحق كهف الأحلام المنسية، وتنفض عنها غبار الزمن ولعنته، وهى تضع مشاهديها تحت خيارين لا ثالث لهما: إما أن تحب نفسك أو لا تحبها.. وهو ما يعنى المواجهة مع مجتمع لا يرحم ضحاياه.. إذا ما امتلكهم الخوف وعدم الرغبة فى تقرير مصيرهم.

وجاء فيلم افتتاح مهرجان أبوظبى السينمائى الدولى فى دورته الخامسة ليقر من جديد نظرية الأمل، وكان عرضه فى الهواء الطلق بمثابة مساحة رحبة للتفكير واطلاق العنان فى واقع وحاضر ومستقبل، فبطل فيلمنا الكندى «السيد لزهر» الذى يدعى بشير لزهر لاجئ جزائرى يأتى إلى كندا ليصبح معلما بديلا لمجموعة من الطلاب المصدومين بحق بعد انتحار معلمتهم أمام أعين البعض فى المدرسة، ويحاول أن يسعى للتعايش رغم مأساته التى يحملها معه كل يوم.

على مدار العام الدراسى يقتحم بشير قلوب وعقول الأطفال فى رؤية تعليمية رائعة بحق فهو يصاحبهم ويحكى لهم القصص ويبرز طاقاتهم الإبداعية ويصالح أحلامهم على الحياة.. لدرجة أننى تمنيت لو أصبح التعليم فى بلدى هكذا، لا حقائب ثقيلة، لا مقررات «رزلة»، المدرس والتلاميذ يذوبون فى عالم واحد من المعرفة، وكانت الرسالة التى يطرحها المخرج فيليب فالاردو ذكية للغاية، حيث طرح فكر المواطن العربى الجزائرى برغبة شديدة فى أن هذا المواطن لديه حضارة وثقافة ورؤية، ويكن أن يكون مؤثرا على أجيال الغرب عبر سيناريو ساحر مؤثر ومعبر عن الشقاء والحب وخسارة وحسرة المدرس الجزائرى من أنه لا يستطيع أن تقبله البلد، وعليه أن يرحل فور انتهاء العام الدراسى.. وبدا الفيلم الذى ينافس على جائزة أوسكار أحسن فيلم أجنبى، وتألق فيه عنصرا الايقاع والتمثيل وكذلك أداء الأطفال الرائع، ليكون بمثابة استنهاض جديد لصراع الحضارات، والمدرس هنا كان يحاول أن يعطى الأطفال منهجا حياتيا لا شخصيا أو أيديولوجيا، كان يعلمهم كيف ينسون أحزانهم، كيف يفكرون بالقلم، كيف يتخيلون عالما أفضل حسب قدرتهم الذهنية.. كان المدرس يحاول أن يقول للجميع إنه يفعل الصواب، لكن حلمه يبقى ناقصا، فلم تستطع كندا أن تمنحه البقاء، وكأن الهدف يحتاج لأكثر من محاولة.

بهذا الفيلم وغيره يبدو أن مهرجان أبوظبى السينمائى الذى يديره الأمريكى المخضرم بيتر سكارليت قد تخطى الأمركة فهو لغة سينمائية مغايرة مثلما شاهدنا الفيلم الرائع «دجاج بالبرقوق» وهو فرنسى ألمانى بلجيكى.. وكأن السينما الجميلة لم تعد لها جنسية واحدة.

فإن صناعها مثل متلقيها لهم هم مشترك، ذابت الجغرافيا وبقى تاريخ مواطن اليوم.. وكيف ينظر للحياة مهما كانت همومه بسيطة أو معقدة؟

وأعترف أننى فور خروجى من العمل السينمائى البديع صورة وحوارا والمدهش تمثيلا وإخراجا، ووقائع وخيال، قد عشت لحظة سعيدة، افتقدتها كثيرا خلال الفترة الماضية، وقد كنت أؤمن أن السينما وحدها كفيلة بتغيير النظر للحياة، مثلما أؤمن بالقضاء والقدر.

كنت أدرك أننى سأعثر على فيلم يمكنه أن يبكينى ويضحكنى يسعدنى ويشعرنى بقليل من الأحزان فى نفس واحد.. يشعرنى أننى أعيش وأتنفس، وهذا هو ما فعله معى بطل «دجاج بالبرقوق».

الفيلم تدور أحداثه فى إيران، وبدا مخرجاه مورجان ساندابى، فنسان بارانو، شديدا الذكاء حينما بدآ بمشهد ربما بمثابة رسالة، فبطلنا ناصر على عازف الكمان المبدع الشهير ويلتقى فى الشارع بحبيبته بعد فراق أكثر من ربع قرن، ليناديها: إيدان هل تذكرينى؟ فتقول له: لا، ألم تعرفيننى؟ فترد: اطلاقا، وتتركه وتذهب مع حبيبها.

كان المشهد ملهما رمزيا، إذا اعتبرنا أن المواطن الإيرانى ناصر على الذى جال العالم يعزف تتنكر منه حبيبته، وعاد الفيلم ليروى قصة الرجل على طريقة الفلاش باك.. قصة موته بعد عشرة أيام قضاها فى السرير ينتظر الموت برغبته، قرر أن يهجر الحياة.. وظل يبحث عبر صور فانتازية كوميدية عن وسيلة مريحة وشيك للموت ولم يجد سوى هجر البشر وزوجته وأولاده والطعام والبقاء فى السرير.. ورغم أن راوى الفيلم أخبرنا بموته مبكرا، إلا أننا كنا فى كل مشهد نرى الرجل ينبض بحياة وحلم ويأس وحب وهجر، وكأنها مفردات إنسان حقيقى، فلا يوجد إنسان فى عصرنا هذا يحيا دون معاناة دون روح حتى لو كان حلمه هو الرحيل.

وناصر على العازف الماهر تزوج بدون حب رغم أن زوجته حلمت به لسنوات كفارس أحلام، وأنجب ولدا وبنتا.. كان لا يعيش سوى لفنه، وكالعادة تشعر الزوجة المثالية منزليا أنها تفتقد الزوج الكلاسيكى الذى يشاركها المسئولية، فتقوم بالتخلص من ضرتها «آلة الكمان» وتكسرها، وهنا ينكسر معها قلب ناصر وما تبقى من عواطف تجاه زوجته، إلا أن يلتقى بفتاة إيران يحبها وتحبه بجنون، لكن والدها يرفض زواجه منها بحجة أنه مجرد عازف، ويترك ناصر البلد لسنوات طويلة لكن إيران كانت دوما فى قلبه فهى الحب والوطن، ويقرر ناصر هجر الجميع والبقاء فى السرير يقابل عزرائيل ملك الموت ويحاول أن يهرب منه، لكن لا أحد يستطيع أن يهرب من الموت، ويحكى له عزرائيل قصة عبر مشاهد ساحرة محمومة ورسوم متحركة قصة رجل ذهب إليه عزرائيل ليخطف روحه فاستنجد بأنه لا يريد الموت وعليه الذهاب إلى الهند، وهناك التقى عزرائيل وسأله الرجل إذن لماذا لم تأخذ روحى أمس، فقال له لأنه كنت انتظرك فى الهند وكان عليك أن تموت بها.

أما قصة اسم الفيلم «دجاج بالرقوق» فهى تعود لأكلة ناصر المفضلة من يد زوجته فعندما كان مستسلما للحدث حاولت أن تعيده لقلبها فعملت له الأكلة وطلبت منه أن يسامحها وهو ما يفعله. واقع الأمر أن الفيلم الذى شهدنا به أداء تمثيلا وصور جمالية شهد أيضا حوارا إنسانيا شجيا عن قصة الموت والحياة، أم ناصر مريضة فتطلب من ابنها ألا يصلى من أجلها حتى تموت وهو عندما شعر أن الموت تأخر عنه نجده يقول «من المؤكد أن هناك أحد يصلى له» وبالفعل نجد ابنه يصلى له ويتمنى أن يتوقف الابن عن الصلاة لأجله حتى يرحل، وكما كان مشهد البداية بين ناصر وإيران نراه مرة أخرى فى النهاية، لكن اللقطة التى لم تظهر فى البداية وشهدناها هى أن إيران بعد أن قالت له لم أعرفك وقفت تبكى على الحائط وتقول ناصر على حبيبى.. وكأنها كوطن للقلب والعقل والآلام لا تعترف بمن تحب سوى فى وجدانها فقط.. تاركة الباب مفتوحا أمام حلم لم يكتمل ويأس نضجت صورته ونهاية نرسم جزءا من رتوشها بإرادتنا نحن.

الفيلم عرض بمهرجان البندقية السينمائى ويشارك فى المسابقة الرسمية لأبوظبى، ولم يكن هو الوحيد الآتى من مهرجانات السينما العالمية الكبرى، فقد حرصت إدارة المهرجان الذكية على اختيار مجموعة من أجمل وأهم الأفلام التى طرحت على شاشات مهرجانات العالم لتكون وجبة سينمائية غنية لمواطنى المهرجان ومنها الإيرانى «انفصال نادر وسيمين» الذى عرض ببرلين، والأمريكى «منتصف شهر مارس» بطولة وإخراج جورج كلونى، «وإذا وقعت شجرة»، «قصة جبهة تحرير الأرض» الذى عرض فى مهرجان صندانس و«إيلينا» الروسى من كان، وأتمنى اليابانى من تورونتو، والبحر الأصفر الكورى الجنوبى من كان، والسويدى «بهلوانيات فتاة» من برلين و«بوليس» الفرنسى من كان، وهنا نذكر ما قاله بيتر سكارليت مدير المهرجان عن هذه الأفلام أنها فرصة رائعة لاكتشاف مجموعة من القصص والشخصيات.

بينما أشار الناقد وصاحب العين الذكية فى اختيار الأفلام انتشال التميمى بأن المهرجان سعى لأن يضع بين أعين مشاهديه وجبة سينمائية تمزج كل مفردات الحياة من أفكار ومشاعر.

وأنا أقول فى النهاية إن هذه الأفلام مبادرة رد اعتبار لمشاعر المشاهد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.