داهمنى هذا السؤال وأنا أفكر فى طبيعة المهام الموكلة إلى الهيئة التشريعية القادمة بما فيها تشكيل لجنة المائة لوضع الدستور، مع التعقيد الشديد الذى سيكون فى العملية الانتخابية لأنها عمليا ستكون أربع عمليات انتخابية فى نفس الوقت (قائمة شعب، فردى شعب، قائمة شورى، فردى شورى). لجنة التعديلات الدستورية لم تمس مجلس الشورى حين قدمت التعديلات للاستفتاء فى مارس الماضى على فرضين: أولا: إنها لم تكن تضع دستورا جديدا ولم تكن تكتب إعلانا دستوريا، وإنما هى كانت مكلفة بإصلاح العطب فى دستور 1971 على ثلاثة مستويات: القضاء على تأبيد السلطة وتركزها، وضمان الإشراف القضائى التام على العملية الانتخابية، وفتح طريق فى دستور 1971 كى يمكن الانطلاق منه إلى عمل دستور جديد لأن دستور 1971 بصيغته السابقة كان دستورا دائما. والحقيقة أن البعض، وأنا منهم، كان يرى أن مصر لم تكن بالضرورة بحاجة لدستور جديد تماما حتى لا ندخل أنفسنا فى الجدل الذى نحن فيه الآن بشأن ما استقر فى عرفنا بالفعل، لكن كنا بحاجة لنقاش ومن ثم تعديل ما يرتبط بخمس مسائل فقط، أوضحتها فى حينها، وهى: كوتة العمال والفلاحين، ووضع رئيس الوزراء حتى لا يكون مجرد سكرتير أول لرئيس الجمهورية وإنما أن يشترط فيه أن يحظى مع أقرانه الوزراء بثقة أغلبية البرلمان، وتحصين الباب الثالث وتطويره حتى نضمن ألا تخضع الحقوق والحريات الشخصية لسيطرة السلطة التنفيذية بأى حال من الأحوال، وعلاقة مجلس الشعب بمجلس الشورى، وتوضيح وضع القوات المسلحة فى علاقتها بمؤسسات الدولة الأخرى. وكان هذا سيجعل لدينا دستورا عصريا شديد القرب من نماذج الدولة شبه الرئاسية مثل فرنسا، والبرتغال، وأوكرانيا أو أن ننقل عددا من الصلاحيات الخاصة بوضع السياسة العامة للدولة تماما من اختصاص رئيس الجمهورية إلى رئيس الوزراء كى يكون لدينا نظام شبه برلمانى كما هو فى بولندا ورومانيا وإثيوبيا مثلا. أيا ما كان الأمر، كان من المنطقى والحال كذلك أن يظل مجلس الشورى موجودا كمجلس ثان يشبه المجلس الأعلى فى اليابان أو فرنسا (وكلاهما دولة موحدة، أى ليست فيدرالية) مع تقسيم صلاحيات واضح لضمان المزيد من الكفاءة بحيث يكون لأحد المجلسين صلاحيات أكبر فى مجال التشريع وإقرار الميزانية والآخر يكون له صلاحيات أكبر فى مجال الرقابة ومتابعة التنفيذ. هذا ما كان يتفق مع الروح العامة السائدة بأننا نعدل دستور 1971. أما الآن فقد انعقدت الإرادة على عمل دستور جديد، ولم يعد لمجلس الشورى من حجية بقاء إلا أنه كان أقرب لقطعة غيار جئنا بها لإصلاح آلة تبين أننا سنتخلص منها. إذن ما الغرض منه الآن؟ انتخابات الشورى القادمة ستعقد الأمور على مستويين: أولا: هى تضاعف مجهود القضاة والناخبين بلا مبرر. وإلغاؤها سيضعنا أمام بديل الاكتفاء بمجلس الشعب، أو عمل مجلس واحد جديد باسم «مجلس الأمة» مثلا وليكن عدد أعضائه مقاربا من عدد أعضاء المجلسين معا أو أقل قليلا. ثانيا: هو سيفرز لنا نفس نوعية النواب الذين سيأتون من مجلس الشعب لأنه ينطبق عليه نفس الشروط (لاسيما 50 بالمائة عمال وفلاحين) مع فارق واحد فى شرط السن. فلو كنا مثلا سنفعل فى حالة مجلس الشورى المصرى ما فعلت إيران من جعل شرط الترشح لمجلس الشورى هو الحصول على درجة الماجستير على الأقل، لتبين الإنسان له قيمة، وهو أنه مجلس للمتخصصين. مع ملاحظة أن إيران ليس فيها سوى مجلس واحد. أظن أننا لا نحتاج مجلس الشورى فى الانتخابات القادمة هذه، أو ربما نحتاجه بشروط مختلفة فى عدد ونوعية أعضائه وفى صلاحياته. إنما مجرد التمسك به حتى لا نرجع فى كلمنا، سيكون أمرا غير قابل للفهم.