شهدت روسيا فى عام 1917 ثورتين. الثورة الأولى كانت فى فبراير ثم فترة من عدم الاستقرار والارتفاع الشديد فى البطالة وحالة من الإفقار الشديد، فقام الشيوعيون باختطاف الثورة عبر ثورة ثانية فى أكتوبر لأنهم نجحوا فى أن يستفيدوا من فوضى ما بعد الثورة الأولى. ماذا عن مصر؟ مصر فيها هذا العام نحو 5 ملايين عاطل عن العمل (تقريبا ضعف رقم ما قبل الثورة) سواء بحكم مهارة الإنجاب السريع الذى يجعل سوق العمل غير قادرة على استيعاب الوافدين الجدد، فضلا عمن عادوا من ليبيا والخارجين من قطاعات العمل المحلى بحكم أن الاقتصاد فى هذا العام لم ينم بالدرجة التى تجعله قادرا على استيعاب نسبة تذكر من البطالة ناهيك عن تسريح عدد كبير من العمال، فضلا عن بطء التعامل الحكومى مع شكاوى قطاع واسع من أصحاب المشروعات ورجال الأعمال الذين لهم مطالب مقبولة ومعقولة، ثم التصاعد المتزامن لمطالب إنسانية فى أغلبها مشروعة لقطاع واسع جدا من عمال مصر وموظفيها. هل من إجراءات ملحة لإنقاذ هذا الوضع؟ أرجو أن يأخذ المجلس الأعلى للقوات المسلحة والحكومة بجدية ما سبق كتابته فى هذا المكان عن مجلسين أعلى للأمن الداخلى وآخر للاقتصاد الوطنى حتى يمكن علاج هاتين المشكلتين العاجلتين بأعلى درجة ممكنة من السرعة والحسم. أكرر اقتراحى بإنشاء مجلس أعلى للأمن يرأسه شخصية عسكرية ويكون نائبه وزير الداخلية أو العكس. إن التردى فى شعور المواطنين بالأمن أصبح هائلا، والحل قرارات جراحية شديدة الانضباط ولكنها شديدة الفعالية. لا نريد تكرار إعدام البقرى وخميس مع بدايات ثورة يوليو (فكل الاحترام لكل عمال مصر الشرفاء ولمطالبهم الإنسانية المفهومة)، ولكن نريد شيئا كهذا مع البلطجية السوابق الهاربين من السجن. ليس من المنطق فى شىء تحويل النشطاء السياسيين أو المدونين إلى محاكم عسكرية فى حين أن الأولى بهم ولا شك هو القضاء المدنى لو كان لا بد من محاكمتهم أساسا؛ فالتاريخ علمنا درسا مهما: ليس بالقمع تقتل الرأى إن القمع يليه قوة وانتشارا. ولكن الأولى هو عقوبات رادعة ضد البلطجية المنتشرين فى مصر. هذه العقوبات لن تستطيعها الداخلية منفردة لأنها محكومة بالقانون، ولن يستطيعها المجلس الأعلى منفردا لأن مدافعه الثقيلة قد تدمر من حيث تريد أن تبنى. ولكن مجلسا أعلى للأمن يمكن أن يجمع بين صلاحيات الوزارة مع صلاحيات مجلس الشعب (الذى هو المجلس الأعلى)، وصلاحيات الرئيس الجمهورية (الذى هو المجلس الأعلى أيضا). أمن مصر الداخلى فى خطر، ويعرض أهل مصر واقتصاد مصر بل وأمن «الدولة» فى مصر إلى خطر أعظم. ثانيا، هناك القضية الاقتصادية، أعتقد أن الاجتماع الأخير للمجلس الأعلى مع عدد من رجال الأعمال، يوضح كم المشكلات التى يواجهها الاقتصاد المصرى. بعض هذه المشكلات لا تحتاج سوى إرادة سياسية وبعضها لا يمكن أن يحلها وزير وحده أو المجلس الأعلى منفردا. ومن هنا اقترح تشكيل «مجلس أعلى للاقتصاد» برئاسة نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية ويكون نائبه أحد قيادات المجلس الأعلى ويكون فى عضويته عدد من رجال الأعمال وممثلى العمال للبت واتخاذ قرارات لها قوة القانون بشأن مئات القضايا المعلقة. لقد أساء التصرف بعض الوزراء السابقين والمسئولين الحاليين بدافع من هوس الخوف من التعرض إلى محاكمات مثلما حدث مع مسئولين سابقين. وهكذا حول هؤلاء كل قضية أو مشروع أو فكرة تأتى إليهم إلى ملف فى الدرج، بمنطق «لا تسأل، ولن أجيب». والخاسر مصر واقتصاد مصر. إذا هرب المستثمرون، فبعض هروبهم يرجع إلى ترهل أداء بعض المسئولين، وضعف التنسيق بين المجلسين. دمتم ودامت مصر بخير.