لا أحد يتذكر «سعيدة سرور» الآن، وغالبا لم يكن أحد يتذكرها حين كانت صورتها بجلبابها الأسود وجلستها «المقرفصة» على باب مركز شرطة المنصورة فى عام 2007، وكفها الذى توسدت به رأسها، فى انتظار عدل لم يأت حتى بعد أن قامت الثورة. كانت سعيدة مثلها مثل أم خالد سعيد، أم مكلومة ومصدومة، حرمتها يد غادرة من نجلها الذى توكأت عليه فى أيام صعبة، ربما كان من حظ خالد سعيد أن ساعته سبقت الثورة، بينما كانت ساعة الطفل «محمد ممدوح البنهاوى» ابن سعيدة سرور تسبق الثورة بأربع سنوات. هى مجرد أم مكلومة فقدت طفلها فى «سلخانة» مركز شرطة المنصورة عام 2007، والذى لفظ أنفاسه بعد تعذيب وحرق وسلخ، ورقد فى مثواه الأخير فى ليلة ظلماء بعيدا عن عينيها ومحروما من شفاعة دموعها لحظة الوداع. لم يثر أحد لمصرع طفلها محمد ممدوح عبدالرحمن الذى اشتهر صحفيا ب«قتيل شها» لم يكن هناك فيس بوك وتويتر، كان موت طفلها لا يهم أحدا غيرها، ولا يكترث بموته إلا قلبها الذى ينخر فيه الحزن ويكاد يدميه. قلب سعيدة قلب مؤمن يعرف الله ويسلم بمشيئته، لكن ألمها جاءها بعنف حين ذكرتها الدنيا أنها وحيدة بلا ظهر ولا سند، وأن قوانين الدنيا وشرائع كل الأديان لم تستطع حمايتها أو القصاص لدم طفلها، «لا كرامة للفقراء فى زمن لم يعد العدل فيه هو أساس الملك» هكذا علمتها الأيام. دخل محمد «12 عاما» مركز المنصورة فى أغسطس 2007 متهما بسرقة عبوة شاى، لكنه لم يخرج إلا على قبر مجهول، تم احتجازه مع البالغين وتعذيبه وكهربته حتى لفظ أنفاسه، ثم ادعت داخلية العادلى أنه مات «طبيعيا» وأجبرت شقيقه «قليل الحيلة» على الشهادة بذلك، ثم دفنته بليل بعيدا عن أهله، ودون أن تسمح لأمه بلحظة وداع لجثمانه المهترئ من جراء التعذيب. ألف بيان لوزارة الداخلية عن موت طفلها بشكل طبيعى، وألف تليفزيون حكومى وألف تامر أمين لم ينجحوا فى ذلك الوقت فى تزوير الحقيقة وإقناع سعيدة سرور بأن طفلها مات «موته ربنا»، فإضافة إلى إحساسها كأم رفض عقلها الذى لم ينل قسطا من التعليم تصديق هذه الروايات المضللة، فالداخلية لا تتطوع بدفن كل متهم يموت «موته ربنا» فى الظلام بعيدا عن أهله. حرمها الجلادون من حقها الطبيعى فى إسبال عينيه ومنحه الحضن الأخير والسير خلف جنازته، انتزعوه من حضنها حيا وميتا ودفنوه سرا وليلا للتخلص من جثته مثلما يتخلصون من كلابهم النافقة. أصبح الطفل محمد جثة متحللة، والأرجح أن أمه سعيدة سرور التى حرمت النظرة الأخيرة على عظامه، مازالت تنتظر العدل الذى بشرت به الثورة، طفلها ليس فى شهرة خالد سعيد، لكنه كان شاهدا على دولة التعذيب التى لم يعد هناك مبرر لعدم فتح ملفاتها كاملة.. وعدم اختزال خطاياها فى الجرائم ضد الثورة والثوار فحسب..!