يسجل السطر الأول من كلمة الغلاف الخلفي لرواية (شجرة العابد) أنها "رواية كونية تجري وقائعها على البر والبحر وفي الفضاء متقلبة بين الواقع والخيال. شخصياتها من الإنس والجن" وعند تصفح الرواية البالغة 412 صفحة يجد القارئ نفسه سائحا في أجوائها الغرائبية. وتدور أحداث رواية الكاتب المصري عمار علي حسن في نهاية عصر المماليك في مصر من خلال "عاكف" طالب الأزهر الذي "خطفته السياسة من العلم" فثار على ظلم السلطان ثم لجأ إلى التصوف وأصبح صاحب كرامات وتبدلت حياته بعد أن تزوج الجنية "نمار" التي تقنعه أنه عن طريقها سيصبح "أول إنسان يصل إلى الحقيقة الجلية" ويستسلم لها وهي تأخذه في جولات بالفضاء خارج قوانين الأرض. وبطلة الرواية شجرة مقدسة مجهولة تستعصي على الاجتثاث وحين حاولوا ذلك "انبجس دم فبرقش وواجههم فتراجعوا فزعين" وتقول الشجرة إنها لم تفصح عن أسرارها إلا لرجل واحد. وسوف يظل بطل الرواية "عاكف" يبحث عن الشجرة حتى يظنها من أساطير الأولين. وكان أستاذ "عاكف" توقع له أن يكون "عالما عظيما" وكان يخصه دون غيره من الطلاب بقراءات أخرى "لكن بعقل ابن رشد ونفس ابن حزم وقلب ابن حنبل وفهم ابن خلدون" ولكنه كان مولعا بعالم السحر والأرواح ودلالات الأرقام وحوله الظلم إلى ثائر قبل أن يستجيب لإغراء الجنية التي تمنيه برؤية النجوم والإمساك بالقمر. ولا تقول الرواية لماذا اختارته الجنية دون سواه حتى إنها تسعى لإصابة خطيبته "سميحة" بأذى لا شفاء منه فليجأ عاكف إلى مصارحة والد خطيبته بأمر الجنية ويتم فسخ الخطبة فتتحسن صحة سميحة. والرواية التي تبدأ بقول محيي الدين بن عربي "كل شوق يسكن باللقاء لا يعول عليه" مثقلة بالأفكار ولا يكتفي مؤلفها المهموم بعلم الاجتماع السياسي بسرد الأحداث بل يحرص على أن يكون في الحوار شيء من الفكر. ولا يقتصر الجانب الغرائبي على ما يقع لعاكف وحده فهناك أيضا الحاج حسين الذي مات غرقا ويطير نعشه إلى الشاطئ الآخر للنهر ثم يرتفع مرة أخرى "صوب الفضاء البعيد وذاب كأنه لم يوجد يوما، كان يردد كلاما فوق عقولنا عن شجرة مباركة تنبت في الصخر. ثمارها من كل طعم وورقها من كل شجر". وسوف تنصرف عنه الجنية "نمار" وتترك في نفسه فراغا كبيرا وتقول له في آخر لقاء "عليك أن تجلس مع نفسك طويلا وتحاسبها وتعاتبها ثم أغمض عينيك وابحث عن الطاقة المطمورة داخلك فاستحضرها وستغنيك عني وستعرف بعد حين أن الإنسان هو خليفة الله في أرضه أعطاه من صفاته ومنحه من قدراته لكن أكثر الناس لا يعلمون" وسوف يردد عاكف كلماتها الأخيرة متسائلا عن كيفية استحضار طاقته الكامنة. ويهرب عاكف من عيون السلطان وينقطع للعبادة في دير بصحراء مصر الشرقية وليس معه إلا القرآن وكتاب (طوق الحمامة في الألفة والألاف) لابن حزم الأندلسي إلى أن يصل إلى سر الشجرة. صدرت الرواية عن دار (نفرو للنشر والتوزيع) بالقاهرة وهي الرواية الرابعة للمؤلف الذي نال جوائز بارزة منها جائزة الطيب صالح في القصة القصيرة من السودان وجائزة الشيخ زايد من الإمارات عن كتابه (التنشئة السياسية للطرق الصوفية في مصر.. ثقافة الديمقراطية ومسار التحديث لدى تيار ديني تقليدي).