سامح الشاذلي يفوز بوسام الفارس من الاتحاد الدولي للإنقاذ    الجونة يتقدم على الاتحاد السكندري بهدف مروان محسن مع نهاية الشوط الأول    الهيئة الوطنية للانتخابات: المشاركة فى الانتخابات حقًا دستوريًا وواجبًا وطنيًا    يعمل من 5 صباحًا ل1 صباحًا .. تعرف على محطات وأسعار الأتوبيس الترددي    ترامب: أوكرانيا لم تعبر عن امتنانها للجهود الأمريكية المتعلقة بالحرب مع روسيا    وزير الدفاع الإسرائيلي: لن نسمح بالعودة إلى واقع ما قبل 7 أكتوبر 2023    "الوطنية للانتخابات" تنشر قرارين جديدين بشأن انتخابات مجلس النواب    "تصميم وتشييد وتقييم الفاعلية البيولوجية لمشتقات جديدة من البنزايميدازول" رسالة دكتوراه بجامعة بنى سويف    قضية رمضان صبحي تشتعل .. هريدي يعلن تنحيه عن الدفاع ويكشف الأسباب    ضبط تشكيل عصابي متخصص فى سرقة الهواتف المحمولة بالإسكندرية    تأجيل محاكمة 10 متهمين بخلية العمل النوعي    مع أحمد السقا.. ياسمين عبد العزيز تبدأ تصوير فيلم «خلي بالك على نفسك»    فيديو.. إكسترا نيوز: تكدس غير مسبوق للشاحنات الإنسانية عند معبر رفح البري    مصر تستعد لإطلاق السجل البيئي الصناعي خلال ديسمبر المقبل    لفصل بعضهم.. زامير يستدعي ضباطا كانوا على رأس عملهم ب7 أكتوبر    بأمر النائب العام.. متابعة حالة الطفلة حور ضحية التنمر    تشكيل إنتر ميلان ضد ميلان المتوقع في قمة الدوري الإيطالي    شيرين عبدالوهاب تحرر محضر ضد شقيقها.. لهذا السبب    ب80 لوحة فنية.. ثقافة جنوب سيناء تفتتح معرض الفنون التشكيلية    وزير الصحة يبحث مع «جنرال إلكتريك» توطين صناعة الأجهزة الطبية    البابا تواضروس: نعمل معًا من أجل تمجيد اسم المسيح.. والكنيسة تختتم احتفالات 17 قرنًا على مجمع نيقية    مركز المناخ بالزراعة يحذر من أمطار تصل لحد السيول يومي الأحد والاثنين    دليلك الكامل للحصول على سيارة بديلة لل "توك توك" في الجيزة    رئيس جامعة أسيوط يهنئ طلاب ذوي الهمم لحصولهم على 22 ميدالية    "القاهرة الإخبارية": الغارة الإسرائيلية ببيروت أسفرت عن عدد كبير من الضحايا شهداء ومصابين    إنشاء محطة لتموين قاطرات قناة السويس بالغاز الطبيعي المسال    «النصر للسيارات» تتحول للربحية بقيمة 35 مليون جنيه خلال 2024-2025    وكيل صحة سوهاج يكلّف لجنة مشتركة من الطب العلاجي بالمرور على مستشفى طما    أغنية إيطالية عن "توت عنخ آمون" تشعل المنصات وتعيد وهج الحضارة المصرية للعالم    الفنانة التونسية عفاف بن محمود تحتفي بجائزة أحسن ممثلة بمهرجان القاهرة.. ماذا قالت؟    تعرف على غيابات الزمالك في مواجهة زيسكو الزامبي بالكونفدرالية الليلة    الشروط والمستندات.. وظائف مشروع الضبعة النووي برواتب تصل ل45 ألف جنيه    وزارة الصحة: لقاح الأنفلونزا هام لكبار السن لحمايتهم من العدوى    تحصين 94,406 رأس ماشية عبر 1,288 فرقة بيطرية خلال 4 أسابيع بأسيوط    مواعيد الاجازات.. بالرابط تفاصيل التقييمات الأسبوعية للمرحلة الابتدائية لتعزيز مهارة الطلاب    موعد ميلاد هلال شهر رجب 1447 وأول أيامه فلكيا . تعرف عليه    وزير الخارجية يبحث مع رئيس وزراء قطر تطورات الأوضاع في قطاع غزة    تزايد القلق داخل ليفربول بعد السقوط أمام نوتنجهام فورست بثلاثية نظيفة    قصف إسرائيلي يستهدف سيارة في عيتا الشعب جنوبي لبنان    ترامب يستعرض قوته وتايلور جرين تظهر ضعفه.. خلاف يفجر أزمة فى الحزب الجمهورى    «التموين» تنتهي من صرف مقررات نوفمبر بنسبة 94%    رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك في احتفال دار الإفتاء بمرور 130 عامًا على تأسيسها    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : فانصروا الوطن يرحمكم الله !؟    كلية التمريض بجامعة القاهرة الأهلية تنظم ندوة توعوية بعنوان "السكري والصحة | غدًا    مصطفى كامل: محدش عالج الموسيقيين من جيبه والنقابة كانت منهوبة    أسامة الأزهري: الإفتاء تستند لتاريخ عريق ممتد من زمن النبوة وتواصل دورها مرجعًا لمصر وسائر الأقطار    مواجهات مثيرة.. مواعيد مباريات اليوم الأحد والقنوات الناقلة    نصر: قيمة رعاية الزمالك لا تصل للربع بالنسبة للأهلي    كمال أبو رية يكشف حقيقة خلافه مع حمادة هلال.. ويعلق: "السوشيال ميديا بتكبر الموضوع"    مركز المناخ يتوقع تقلبات جوية قوية يومى الإثنين والثلاثاء.. وسيول محتملة    وزير الرى: تنفيذ خطة تطهيرات للترع والمصارف خلال السدة الشتوية    كيف تتعامل «هيئة الانتخابات» مع المخالفات؟    وزارة الصحة: معظم حالات البرد والأنفلونزا ناتجة عن عدوى فيروسية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 23-11-2025 في محافظة قنا    وزير الري: أي سدود إثيوبية جديدة بحوض النيل ستقابل بتصرف مختلف    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأحد 23 نوفمبر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة الأقصر    خلاف حاد على الهواء بين ضيوف "خط أحمر" بسبب مشاركة المرأة في مصروف البيت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صرخة فتاة عربية تخترق الزمن
نشر في الشروق الجديد يوم 07 - 07 - 2011

فى عام 1982 كنت ضمن مجموعة تتلقى دراسات عن العلاقات الدولية وفض المنازعات فى أحد المعاهد بسويسرا، وكان الدارسون ينتمون لمعظم بلدان العالم.عندما حل موعد عيد الميلاد قامت اللجنة الاجتماعية بالمعهد بتوزيع الدارسين من غير الأوروبيين، وغير القادرين على العودة إلى بلادهم لبعد المسافة على عائلات تقبل استضافة مثل هؤلاء الدارسين، ليقضوا معهم إجازة عيد الميلاد وكان نصيبى مع عائلة ألمانية تقطن فى مدينة تدعى مانهايم، وعلمت أنه عندما سألهم المعهد عن استعدادهم لاستضافة طالب غير أوروبى أثناء أعياد الميلاد سألوا مباشرة إن كان هناك مصرى بين الطلبة، ولم يكن هناك سواى، وبمجرد وصولى إلى محطة قطار مانهايم وجدت الأسرة بكاملها فى انتظارى الأب والأم والابن والابنة، يحملون باقة ورود وصاحوا معا أهلا (بأخناتون) فضحكت ومنذ لحظة ركوبى فى السيارة لم تكف أسئلتهم لى عن مصر على طول الطريق حيث كان مصرع السادات، وتولى مبارك ما زال ماثلا فى الأذهان رغم مرور أكثر من عام عليه، ذلك لأن التغييرات كانت متسارعة، ومعظم أسئلتهم كانت عن توجهات مبارك وخبراته السياسية وهل هو محنك مثل السادات أم لا؟.. والحقيقة لقد شعرت بالفخر لأن معظم حديثهم كان عن عظمة السادات رجل السلام، والذى لقى مصرعه بسبب ما يؤمن به أو بسبب رؤيته للسلام فى المنطقة.
وبعد وصولنا للمنزل كانت السهرة عن حالة مصر وقد سأل الشاب عن شباب مصر، وسألت الفتاة عن وضع المرأة فى مصر ومدى مشاركتها فى الحياة العامة.. واقترحت الفتاة بعد الحديث عن المرأة فى مصر أن نذهب فى اليوم التالى إلى قلعة عمرها أكثر من خمسمائة عام لأنها تحمل هناك مفاجأة لى، فوافقت على الفور، وفى اليوم التالى ذهبنا إلى مدينة تدعى هامبورج حيث توجد القلعة، والتى كانت تحتل مساحة شاسعة من الأرض وكانت ألمانيا فى ذلك الوقت مقسمة إلى مقاطعات، وكل مقاطعة يحكمها (دوق) كان يعيش فى تلك القلعة الفخمة والمحصنة بصورة رهيبة، ولقد كان الدوق حاكم المقاطعة مثقفا وفنانا عظيما لذلك شيد فى قلعته معبدا رومانيا لجوبتر يعتبر متحفا قائما بذاته وبجواره كان هناك معبد يونانى رائع، وبينهما بحيرة متجمدة المياه فى ذلك الوقت، ولكن المفاجأة التى أرادت الفتاة أن تفاجئنى بها هى أن الدوق قام ببناء مسجد بجوار هذين المعبدين منذ خمسمائة عام.
استدعى والد الفتاة مرشدا سياحيا ليحكى لنا قصة هذا المسجد فقال، منذ خمسمائة عام كان الدوق فى زيارة لملك إحدى الدول العربية الإسلامية وبعد إقامته وأثناء وداعه قدم له الملك العربى فتاة رائعة الجمال، قائلا له: لابد وأن تتذوق الجمال العربى يا صديقى الدوق (كفاك من العيون الزرقاء والشعر الأصفر) لكن هذه الفتاة الجميلة منذ أن وطأت قدمها قلعة الدوق لم تبتسم مرة واحدة، وكانت دائما تبدو حزينة رغم عناية الدوق وخدمة نسائه لها، فهى لم تكن معتادة إطلاقا على مثل هذه الحياة، ولأن الدوق كان يحبها، ورأى أنها ترفض الرقص وشرب الخمور.
أراد أن يخفف عنها حزنها فبنى لها مسجدا، وعندما استدعاها الدوق لزيارة المسجد بعد الانتهاء منه، أبدت سرورا متحفظا، وقالت للدوق إن المساجد فى تصميمها يكتب عليها باللغة العربية وحيث لم يكن هناك أحد يعرف اللغة العربية فى ذلك الوقت فى ألمانيا، طلب منها أن تكتب ما تشاء، وسوف يقوم أحد الرسامين المشهورين برسم هذه الكلمات على جدران المسجد، وأشار المرشد إلى الكلمات التى رسمتها الفتاة، ولأول وهلة ظننت أنها آيات قرآنية، أو بعض أسماء الله الحسنى، فاقتربت أكثر بعد أن قال المرشد هل يمكنك فهم هذه الكلمات.. وهل يمكنك ترجمتها؟ وأردف قائلا: أنا بالطبع أعرف ترجمتها لكن أريد التأكد منك وتقدمت أكثر، وعندما استطعت القراءة بوضوح فوجئت أن ما رسمته هذه الفتاة على جدران المسجد لم يكن آيات قرآنية، لكنها كانت بعض الأمثلة الشعبية وبعض العبارات التى تحكى من خلالها مأساتها فقد كتبت هذه الفتاة (إن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب)، (الوحدة أفضل من صحبة الأشرار)، (من غير حبه عاش حزينا)، ولقد تسمرت فى مكانى وتأثرت جدا واغرورقت عيناى بالدموع فلقد رنت فى إذنى صرخة فتاة عربية أطلقتها منذ خمسمائة عام، وأرسلتها فى رسالة لكل عربى يمر من هنا.
لقد قالت فى هذه الجمل الثلاث ما قالته المرأة العربية على مدى الخمسمائة عام فى مجلدات مكتوبة، وفى منظمات لحقوق المرأة وفى برامج تليفزيونية، لقد قالت، لقد أهدانى ملكى العربى وكأنى شىء وليس إنسانا إلى صديقه الأوروبى ليستمتع بى.
ولقد احتقرت ملكى العربى كما احتقرت ملكى الغربى، الذى اغتصبنى وفيهما كرهت جميع الرجال، وبالتالى فضلت الصمت على الكلام، ولم أتفوه إلا بما هو ضرورى، وكان صمتى وسيلة للتعبير عن احتجاجى ضد قسوة الرجل سواء كان شرقيا او غربيا، ولقد فضلت أن أعيش وحيدة وهذه الوحدة أفضل كثيرا من صحبة الأشرار وتقصد بالأشرار هنا الرجال والنساء الأوروبيين، والذين يعيشون الحضارة الغربية، والتى لم تجد ذاتها تتواءم مع مثل هذه الحضارة ففضلت الانزواء بعيدا، وأخيرا ذكرت سبب حزنها الحقيقى، أنها قد حرمت من حبيبها العربى، التى كانت تود أن تزف إليه، بسبب قسوة ملكها فعاشت حزينة، واعتقد أن الجملة الأخيرة من تأليفها (من غير حبه عاش حزينا)، فالجملتان الأولتان معروفتان كمثلين شعبيين.
لقد حطمت هذه الفتاة سطوة الرجال فى اعلى سلطة لهم غربا وشرقا، لم تنحن لأحدهم ولم تعط قلبها وفكرها وجسدها مختارة لأحد واحتفظت بهم لحبيبها، الذى لم تلتقه بعد تركها لبلادها وحتى مماتها أنها الرومانسية فى أسمى تجلياتها واخترقت رسالتها الزمن لمدة خمسة قرون، وسوف يتردد صدى هذه الصرخة حتى تتحرر المرأة العربية من عبوديتها التى تعيشها، لم يعد فى الغرب رق، ولا يقدر ملك عربى أن يقدم امرأة عربية اليوم هدية، لكن ألا يحدث بين الدول العربية الفقيرة والدول الغنية ما يشبه ذلك؟ ألا يبيع الآباء الفقراء بناتهم فى سوق النخاسة، ألا ترزح المرأة العربية تحت نير العبودية حتى اليوم؟
إننى أهدى كلمات هذه الفتاة لكل امرأة عربية مقهورة فى بيتها أو عملها أو مجتمعها، إلى الجوارى اللاتى يعشن بيننا راضيات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.