في رواية الكاتبة السعودية رحاب أبو زيد "الرقص على أسنة الرماح" تركز على المشكلات التقليدية التي تواجه المرأة في بعض مجتمعاتنا المحافظة والمغلقة، فالقصة تشبه قصص الأخريات، لكن الفرق يكمن في قدرة الكاتبة على التعبير، ورحاب أبو زيد قادرة على التعبير بعمق وشعرية ونكهة أدبية جلية مميزة. لكن القارئ قد يشكو من هذا الأمر الجميل نفسه، إذ أن الكاتبة تستغرق فيه أحيانا فتتوقف حركة السرد وتصبح تكرر نقل حالات ومشاعر معينة، وأن بجمال التعمق في المكان نفسه يتسبب في بطء حركة الرواية ويحول كثيرا منها إلى وجدانيات شعرية، وهذا بحد ذاته جميل، إلا أنه يطغى في العمل القصصي، عليه أن يكون رافدا يعزز ماء النهر الكبير، لا أن يتحول هو نفسه إلى نهر كبير. جاءت الرواية في 136 صفحة متوسطة القطع، وصدرت عن دار بيسان للنشر والتوزيع والإعلام في بيروت، المشكلة هنا هي المشكلة التقليدية بين جيل جديد يريد الانطلاق وحقه في الحياة، وجيل متزمت مستبد يسعى إلى الوقوف في وجه عجلة التطور بحجج وذرائع تقليدية معروفة. تصف الكاتبة ذلك بوضوح بليغ وحيوية شعرية مؤثرة، "النموذج" هنا يبدو كأنه مأخوذ من عالم الفن أي من الرواية، لكننا نعلم أن "الرواية" المقصودة هذه مأخوذة من الحياة نفسها، أي النموذج هنا يشبه السيد أحمد في ثلاثية نجيب محفوظ، بل أنه يكاد يكون أشد منه. تبدأ الرواية بالقول: "كان يستهويه نفث دخان سيجارته في وجهها البائس، تمتعا بمشهد ذوبان الألم بالقهر في تغضنات ذلك الوجه الغض وذوبان الأحلام والتطلعات الخارجية عن أعراف هذا المنزل معها. "كان رجلا ذا طبيعة تعود إلى عصر (سي السيد)، رافضا الاعتراف بتقمصه بمظاهر هذه الشخصية وتطبيقه لمتطلباتها على رؤوس أهل بيته المسالمين، حوارات تدور بينها وبين هذا الوالد المتزمت، فتنتهي برفع القمع لإعلامه لصالح فكر متضعضع لا أساس له من المرجعية الحكيمة، حوار مثخن بانتهاكات الكرامة." إما الوالدة وسائر العائلة فعاجزون، "شجعتها والدتها المغلوبة على أمرها في معظم الوقت وأخوتها الصغار بطرد الصفة التي يتهمونها بها دوما، الخوف وقراءة بعض الأذكار والأدعية قبل الدخول عليه في مجلسه وطرح الموضوع." أضافت، "تلك الأم التي تجيد القفز بين حبلين رخوين، فتارة هي في صف زوجها رجل البيت، وأخرى هي في صف الأبناء الشاكين الباكين، وأينما أحرز الفريق الأقوى ظفرا أكبر تتحيز هي وتندفع بكل انفعالية في الاتجاه نفسه، مجانبة الصواب في كثير من الأحيان." عرض على الابنة في عملها أن تلتحق بدورة سكرتارية وإدارة ملفات، على ألا تدفع المصاريف، أبلغته ذلك قاطعها "لا.. دون النظر إليها، لا، قلت لك كلمة واحدة، لا"، فقالت له متابعة المحاولة: إن ذلك سيساعدها في الحصول على ترقية، "لم تمهلها الدقائق والثواني لتفيق من صفعة سقطت على خدها الأيمن." قال "ألا تعلمين ماذا يقوله الناس عن السكرتيرة؟ ألا تعلمين ما هي سمعتها، لا بد أن لك غاية معينة وسأعرفها،" أما مصيرها ومستقبلها، فليس لها فيه رأي، إنها تنتظر قادما قد لا يأتي كما تتصوره ويأتونها بمن لا تريد، تقول: "إنني أشعر به هو حي يرزق في مكان ما من هذا العالم، أتظنين إننا سنلتقي، ربما أخاف أن تنتهي نبضات قلبي قبل وصوله، وأخشى نفاد مؤنة الفرح المؤجل عند وصوله، أخشى أن يرسموا لي وجها غير وجهي، ويلصقوا بي نصفا ليس بنصفي، وهكذا أنا كالثوب الجديد الذي يفصلون فيه ويضيقون لأكون على مقاسه، بينما هو كالثوب البالي يزيدون رقعه ترقيعا ومدارة وتجميلا لأرضى به، ولن أرضى، لن أرضى، ولن تعكس مرآتي سوى الوجه الذي انتظره." في سير حركة السرد شح في الأحداث أي شح في الحركة عمليا، قصص حب مخفقة، زواج وطلاق وقليلات جدا من يتمردن، أجواء الكاتبة عاطفية تراوح بين غادة السمان وسعاد الصباح. ما قد يشكو منه القارىء ليس تلك الأجواء الشعرية الدائمة عندها، فهي أجواء جميلة وعميقة وممتعة، لكن الشكوى هي من عدم مفارقة هذه الأجواء، والانطلاق في حركة سردية فعلية حتى ولو كانت أحداثها ذهنية، بقاء في مكان واحد نوعا ما. هنا كثرة "الحلاوة" قد تفسد الموضوع، القص يحلو بالشعر أحيانا، لكنك حين تفتش في "لجج" الشعر هذه عن عمل قصصي فإنك تكاد لا تجده، وهذا على جمال ما فيه قد يخلق شعورا بالارتواء الشعري عند القارئ، وعدم القدرة على الانتقال إلى قص حي متحرك.