منذ ما يزيد علي 15 عاما، ظهر الكاتب المبدع أحمد زغلول الشيطي كنجم خاطف في سماء الأدب، سحر الجميع بروايته "ورود سامة لصقر" التي أعقبها بعدة مجموعات قصصية، أصدرها علي فترات متباعدة، وفي هذه الأيام عاود الإطلال علينا بمجموعة قصصية تحمل عنوان ب"ضوء شفاف ينتشر بخفة"، وهي المجموعة التي وصفها المتخصصون بأنها تمثل إضافة لمسيرة القصة القصيرة، روزاليوسف التقت الشيطي فكان هذا الحوار: بالرغم من بدايتك بكتابة الرواية لماذا لم تكرر التجربة واتجهت للقصة القصيرة؟ - في الحقيقة أنا الآن أكتب رواية ثانية، ولكن الحق أنني بدأت بكتابة القصة القصيرة خلال مرحلة المراهقة، وظللت كذلك لفترة طويلة، ولكن مع الوقت وجدتني مسكونا بدفقة عبرت عن نفسها في شكل رواية، واصلت بعدها كتابة القصة القصيرة. من وجهة نظرك ما الذي أهل "ورود سامة لصقر" لنيل كل هذه الشهرة؟ - للأمر قصة، فبعد أن انتهيت من كتابة الرواية، أرسلت مخطوطها للدكتور سيد البحراوي، الذي كان سببا في انتشارها بين كبير من المثقفين، رغم أنها لم تكن قد نشرت بعد، لأفاجأ في عام 1989 بالروائي إبراهيم أصلان يضعها جنبا إلي جنب مع رواية "الحب في زمن الكوليرا" كأكثر رواية أعجبته في عام 89 وقد عرض علي حينها أن أقدم الرواية لسلسلة مختارات فصول، التي كان يرأس تحريرها الناقد الراحل سامي خشبة، وظلت السلسلة تعلن عن إصدارها الرواية علي مدار 13 عددا، ولكني فوجئت بأصلان الذي كان يتولي إدارة تحرير المجلة، يقابلني بحضور عدد من الكتاب ليقول لي أن الناقد سامي خشبة وضع خطوطا حمراء حول عدد من الجمل في الرواية لتعديلها، وقد قال لي أصلان نصا: "لو تحب تشتغل عليها اشتغل، لكن أنا شايف إن العبارات داخلة في النسيج البنائي للرواية". كانت هذه الخطوط هي الشكل الرقابي الوحيد الذي تعرضت له، وقد رفضت حينها إجراء أي تعديلات، وبالتالي رفضت السلسلة نشرها، بينما رحبت مجلة "أدب ونقد" بنشرها كما هي. هل القصة القصيرة هي الأساس الإبداعي لديك؟ - مازلت أجرب في كتابة فنون النثر، وأريد توسيعها مع الوقت، لا أستطيع أن أجزم إن كنت كاتب قصة قصيرة أم رواية، فأنا الآن أكتب رواية، قطعت فيها شوطا كبيرا جدا، وفي المقابل أجد في القصة القصيرة زخمها الخاص، وفي لحظات بعينها لا يستجيب التعبير إلا لهذا الشكل، الذي بدأت به، فلا يمكن الزعم أن كاتباً ما متخصصاً في نوع معين من الأدب، لأن ذلك مرهون بنوع الدفقة أو الخبرة التي يريد تقديمها. ما رأيك في فكرة الأنواع الأدبية؟ - لاحظت أن هناك إشكالية في التصنيف والبحث عن النوع الأدبي، ويبدو دائما أن كتاباتي تثير مشكلات بخصوص النوع الأدبي مثلا "ضوء شفاف ينتشر بخفة"، البعض صنفها رواية والبعض رآه شعرا، يقترب من قصيدة النثر، والبعض رآها قصصاً قصيرة جدا، أنا لا أحفل بمسألة النوع، واحترم أكثر الخبرة الحياتية الشعورية، التي تعبر عن نفسها عبر ممارسة الكتابة، ونترك مسألة التصنيف للمتخصصين. كيف تري مقولة أننا نعيش في "زمن الرواية"؟ - لا أعتقد بصواب هذه المقولة، لأن الرواية كتبت قبل ظهورها، وربما كتبت دون الوعي بأن هذا الشكل سيسمي رواية، لذا أعارض هذه المقولة بمقولة أخري هي "أننا في زمن تتمازج فيه كل أشكال الكتابة"، من قصة قصيرة لقصيدة نثر لرواية، للأمثولة، للخاطرة، زمن الكتابة المفتوحة، لأنه بزوال الأيديولوجيات الكبري، واستيقاظ الإنسان علي حقيقة أنه وحده لأول مرة في العالم يواجه كيانات وتحولات كبري، صار له سرديته الخاصة، حكايته التي يريد أن يرويها وأن يستمع لها شخص ما، مما خلق سيولة في التصنيفات الأدبية المعتمدة علي فن النثر، ولعل ما يعطي ميزة أدبية للرواية أنها الشكل القادر علي استيعاب وتمثل كافة الأشكال، لمرونتها وقدرتها علي تغطية مساحة كبيرة مكانيا وزمنيا. ألا تعتقد أن هذا الانفتاح قد يؤدي إلي عشوائية فنية؟ - هناك دائما فارق بين الإبداع ودراسة الإبداع، فالكاتب غير معني في الأساس بدراسة الإبداع وكيف سيراه النقد مستقبلا، وفي فترات التحول تحدث سيولة نسبية وإن لم تكن جذرية في المسميات التي اعتدنا عليها، والكتابة حاليا تعيش مرحلة تحول عظمي في مصر والعالم، أحيانا يأخذ شكل إعادة الحياة لأساليب السرد التقليدي ومزجه مع أساليب أخري أكثر حداثة، أو بعث أشكال تراثية والدخول معها في علاقة دمج أو معارضة أو محاكاة، بل وظهور نصوص سردية تقف علي المساحة الفاصلة بين السرد والشعر، فنري قصائد نثر بها قصة وروايات بها قصائد نثرية، أو مقالات أو دراسات. كيف تري مستقبل القصة القصيرة ومستقبل الرواية؟ - ستظل القصة القصيرة المتطورة عملا فريدا بمقدار إصرارها علي تناول لحظات نوعية لا يمكن دمجها ضمن أي شكل أخر، وعلي طريقة الأداء الفريدة التي تمثل ضغطا هائلا علي اللغة، من أجل استنطاقها بأثر لا يمكن دمجه ضمن سياق رواية أو قصيدة نثر، وهو شكل ابن العصر الحديث نحن في حاجة إليه. أما الرواية، فسوف يظل لها ميزة نوعية، تتمثل في قدرتها علي تمثل مساحة واسعة من العالم والنصوص السابقة، ودخولها في جدل مع مساحة واسعة من التجارب الكبري والفريد وشديدة الهامشية في الحياة. وأري أن طغيان الرواية أمر مؤقت، وبظهور كتاب جدد قادرين علي استيعاب الشكل الفريد للنص القصصي القصير، سيحدث توازن بين الكفتين. ألم تخش في "ورود سامة لصقر" من جمل مثل: "إننا نتعامل مع إلهين مختلفين"، أو اتهامك بالإباحية في مواضع أخري؟ - فكرة القارئ أو الرقابة كانت ضبابية بالنسبة لي أثناء الكتابة، ولكن بعد نشرها جاءتني ردود أفعال اعترضت علي بعض الأجزاء، حيث قالت لي إحدي السيدات "الرواية حلوة، ولكن كيف أعطيها لابنتي المراهقة كي تقرأها" ولكني أري أن من يملك جرأة اقتناء كتاب لقراءته، فإن وعيه سيكون قادرا علي تمثل الكتاب عاجلا أو آجلا. وفي رسالة أكاديمية أعدت عن الرواية عاتبني الباحث بأسف وسألني "لماذا قلت المآذن خوازيق للمصلين؟" ولم يتوقف هذا السائل عند فكرة أن قائل هذه العبارة كان مأزوما يبحث عن نور الله. ماذا عن روايتك الجديدة؟ - الرواية مشغولة بوطأة المكان علي الشخصيات والتنقل من الهامش إلي القمة ومن الإقليم إلي العاصمة، ومن الحارات المحدودة الهامشية إلي العاصمة، وما فيها من مؤسسات تجارية ضخمة.