متحف الخط العربى، المعرض القومى للخط العربى، صالون القاهرة للخط العربى، نقابة فنانى الخط العربى، المسابقة السنوية للخط العربى، أسماء شتى لمشروعات توقفت ولم تكتمل أو حتى لم تر النور، وكان هدفها جميعا إحياء الخط العربى الذى أهملته وزارة الثقافة من جانب. ووزارتا التربية والتعليم والتعليم العالى من جانب آخر، والأزهر الشريف من جانب ثالث، ورغم أنه كان إحدى الوشائج الواضحة الباقية للترابط العربى الإسلامى، فإن أحدا لم يعد يهتم به أو يتعلمه أو حتى يتذكر رموزه، الذين درسوه علما، وأبدعوه فنا، وأخلصوا له ميراثا قوميا يؤكد الأصالة والتفرد والابتكار. وفى لقاء مع شيخ الخطاطين المصريين الفنان «محمود إبراهيم» أعرب عن أسفه الشديد لإهمال الخط العربى فى المدارس والجامعات، ومختلف المجالات التى كانت تحتفى بهذا الفن، وألقى باللوم على وزارة الثقافة المصرية التى أهملت الخط العربى وفنونه، ولم تلتفت إليه فى الأعمال الأثرية التى يجرى ترميمها على أيدى غير المحترفين، ما يؤدى لإفسادها. كما انتقد «إبراهيم» تهميش وازدراء حصص الخط العربى فى المدارس والجامعات، وتجاهل مئات الخطاطين الذين تقذفهم المدارس والمعاهد المتعددة للخط العربى كل عام. وربط الفنان بين تردى أوضاع فن الخط العربى، وتراجع الرباط العربى القومى، موضحا أن هذا الخط يمثل هويتنا العربية والإسلامية، وإرثنا الثقافى والحضارى التاريخى الذين نعتز به بين الأمم الأخرى. و«محمود إبراهيم» هو التلميذ والوريث الأقرب لشيخ الخطاطين الرائد الفنان الراحل «سيد إبراهيم»، درس الخط على يد الرواد الأوائل بتحسين الخطوط الملكية، وعام 1941حصل على دبلوم التخصص فى الخط والزخرفة والتذهيب بعد أن درس الخط الكوفى على يد أستاذيه الفنانين يوسف أحمد ويوسف كامل عميد كلية الفنون الجميلة. وخاض «إبراهيم» تجربة صحفية ثرية أوائل الأربعينيات، يقول: «دخلت بقلمى عالم الصحافة فى وقت كان للخط الجميل دوره المهم فى المنافسة الصحفية، وفى عام 1947 اختارنى الصحفى جلال الحمامصى لرئاسة قسم الخط فى المكتب الفنى لجريدتى الزمان والجورنالديجبت، وقد استفدت من خبرتى فى تصميم الإعلانات من الفنانين الأجانب فى المكتب الفنى إلى جانب المانشيتات اليومية». وقام شيخ الخطاطين المصريين بأكثر من تجربة فى كتابة المصحف الشريف فى العديد من الدول العربية من بينها مصر وليبيا والجزائر، بعضها لم ير النور حتى الآن، لإصراره على كتابة المصحف بالتشكيل المصرى، ما جعله يصطدم برجال الدين فى هذه البلدان، يقول: «يكتب القرآن الكريم فى أى دولة عربية بخط النسخ لكن تختلف طريقة التشكيل، فبينما يقرأ المصحف المصرى برواية «حفص»، يقرأ فى الجزائر برواية «ورش»، بينما يقرأ فى ليبيا برواية «قالون»، تتسق هذى القراءات جميعا فى حروفها، بينما تختلف فى النقاط والتشكيل. ويوضح «لقد كان أول المصاحف التى كتبتها فى ليبيا، ولم أقتنع بالتشكيل الليبى فكتبته بالتشكيل المصرى، وبعد طباعته اعترضت الجماعة الإسلامية هناك، مطالبين بكتابته بالتشكيل المغربى، وكلفوا خطاطا آخر بكتابته، ثم أنجزت مصحفا مصريا تتولى نشره دار الشروق، قبل أن أنجز مصحفا ثالثا لدولة الجزائر بقراءة «ورش» المعتمدة هناك، لكنه متعثرٌ فى الأزهر حتى الآن». ويضيف شيخ الخطاطين أنه عندما ذهب إلى تركيا منذ عامين، أبهره وجود مصحف قرآنى مكتوب بخط الثلث الذى يعتبر ملك الخطوط، خلافا لخط النسخ الذى تكتب به مختلف المصاحف، مؤكدا أنه على أتم الاستعداد لإنجاز مصحف مماثل بشرط أن يجد من يتحمس لنشره. غير أن حلما آخر يراود الفنان محمود إبراهيم منذ فترة طويلة، وهو إمكانية كتابة حروف عربية قليلة العدد مبسطة ذات قاعدة واحدة أى تكتب على سطر واحد، وتساعد فى محو الأمية وتعليم الكبار. وتعليم غير العرب، حيث تجعلهم يقبلون على تعلم اللغة العربية، وذلك من خلال كتابة الكلمة العربية بحروف منفصلة، وليست متصلة على غرار اللغات اللاتينية، ما يؤدى إلى اختفاء الأشكال المتعددة للحرف الواحد فيسهل حفظه وتعلمه. يقول: «هذه الطريقة ستحل مشكلة محو الأمية فى عام واحد، بدلا من الخمسين عاما التى مرت على هذا المشروع دون إنجاز يذكر». وكان الفنان قد اقترح مشروعا جريئا لكتابة المصحف الشريف بالحروف المنفصلة، وهى التجربة التى أيدها الفنان سيد إبراهيم والشاعر فاروق شوشة، وعندما أعلن عنها فى جريدة الشعب هيجت الأزهر، وطالب المشايخ بتقديمهم للمحاكمة. يعلق «محمود إبراهيم» على ذلك قائلا: وكأن الوحى قد كتب بهذه الطريقة (المتصلة)!. وللفنان العديد من اللمسات الجمالية التى تتجاوز الكتابات المقدسة، لتصل حتى للحلى والأزياء، فهو يتعاون منذ فترة تصل لعشر سنوات مع الصائغة «عزة فهمى»، وقدم لها العديد من النماذج الفنية التى لا يحصى عددها لتطبعها على المجوهرات والقطع الفنية. يذكر أن الفنان «محمود إبراهيم» من مواليد 1919 بالزقازيق. حاصل على بكالوريوس التجارة من جامعة فؤاد الأول عام 1952. مارس قبل ثورة يوليو الخط الصحفى فى العديد من المجلات والصحف، وبعد الثورة رأس قسم الخط فى جريدتى (الجمهورية والشعب) وعمل فى سكرتارية التحرير إلى أن عين نائبا لمدير التحرير. قام بكتابة لوحات فيلمى الرسالة وعمر المختار فى لندن. كتب لوحات دينية جمعت أنواعا شتى من الخطوط العربية الأصيلة. حصل على أربع جوائز عالمية فى الخط العربى. أقيمت له عدة معارض منها معرض بدار الأوبرا المصرية ضم أكثر من 80 لوحة فنية. أصدر عدة دفاتر لتبسيط تعليم الخط ضمن سلسلة «فن الخط للجميع» فى النسخ والرقعة والثلث والديوانى والفارسى والكوفى. قام فى عمر 77 بتنفيذ اللوحات الفنية بجميع أنواع الخطوط والزخرفة. شارك فى عدة معارض داخل الوطن العربى وخارجه: خان المغربى، بيكاسو وشاديكور. حصل على أربع جوائز دولية فى إسطنبول فى مسابقات مركز الأبحاث وفى الشارقة، وغيرهما.