قبل عامين احتفت عدة مجلات مهتمة بالفنون والثقافة بمشروع طموح قدمته الجمعية المصرية العامة للخط العربي لتطوير مدارس تحسين الخطوط التابعة لادارة التعليم الاساسي بوزارة التربية والتعليم ثم سكتت الصحف عن الأمر ظنا أن خطة التطوير جار تنفيذها بالفعل في اطار المشروعات المعلنة من جانب وزارة التربية والتعليم لاصلاح وتطوير التعليم إلا أن وزير التعليم الحالي د. أحمد زكي بدر, فاجأ الجميع باصداره لتوجيهات تقضي بايقاف قبول دفعات جديدة بمدارس تحسين الخطوط البالغ عددها396 مدرسة في مختلف انحاء الجمهورية.ووفقا لهذه التوجيهات الصادرة بالامر المكتبي رقم448 بتاريخ التاسع والعشرين من يوليو الماضي, تم إغلاق مدرسة تحسين الخطوط العربية الوحيدة بمحافظة شمال سيناء بمجرد انتهاء العام الدراسي الماضي وقبل صدور الامر المكتبي الموقع من د. أمين أبو بكر مدير التعليم الاساسي السابق ومدير ادارة تعليم الكبار حاليا وظل الأمر الوزاري طي الكتمان إلي ان كشف عنه الناقد والفنان عز الدين نجيب في مقاله بصحيفة القاهرة الاسبوع الماضي تحت عنوان تجفيف المنابع لفنون الخط العربي.. هل هو فعل يستهدف الهوية الثقافية؟ السؤال الذي طرحه د. عز الدين نجيب في عنوان مقاله كان هو محور تعليقات النقاد وفناني الخط العربي الذين استطلعت الأهرام المسائي أراءهم في قرار وزير التربية والتعليم والآثار المترتبة عليه لتعيد تعليقاتهم طرح قضايا تراجع التعليم وعلاقتها بالهوية انطلاقا من ازمة مدارس تحسين الخطوط. الفنان عبده البرماوي المتخصص في سياسات التعليم وأحد مدرسي الخط العربي يقول: لنتفق مبدئيا أن مدارس تحسين الخطوط العربية وان كانت تتبع التعليم الاساسي اداريا الا انه وفقا لمنهج عملها تنتمي للتعليم الفني فهي تمنح دبلوما متخصصا يؤهل لسوق العمل كما يؤهل للالتحاق بالكليات مما يعني ان وجود اي قرار أو مخطط لا يرمي في النهاية لتطوير هذه المدارس هو جزء من منظومة انهيار التعليم الفني التي يشكو منها الخبراء منذ سنوات. ويضيف البرماوي أن الوزارة كانت قد اعلنت عن خطة قومية لإصلاح التعليم خلال الفترة من2007 وحتي2012, مع التركيز علي كون الخطة تحمل عنوان الإصلاح لا التطوير مما يعد اعترافا من وزارة التربية والتعليم بوجود خلل في منظومة التعليم, وقد خصصت هذه الخطة بابا كاملا لاصلاح التعليم الفني لم ينفذ من هذا الباب شيء تقريبا لافتا إلي ان التعليم الفني ينطوي علي بعد اجتماعي مهم لكونه التعليم الذي يلجأ اليه ابناء الفقراء, مما يجعل من انهياره اخلالا بحق هذه الفئة( الاوسع والاكثر انتشارا) في التعليم والتأهيل لسوق العمل والحصول علي تذكرة مضمونة بالنسبة للكفاءات والمواهب المتميزة لدخول الجامعة. ويؤكد البرماوي أن أمر الوزير لو امتد إلي اغلاق هذه المدارس عوضا عن تطويرها وتقنين شروط الالتحاق بها والتخرج فيها فسيعد قرارا ذا بعد سياسي فالخط العربي هو خادم القرآن ويعد من الفنون التي تنطلي عليها هالة من القداسة وكتابة الحرف العربي فن يتصل باللغة العربية نفسها ومحاولة تهميش هذا الفن أو القضاء عليه يمثل مساسا باللغة العربية التي تعاني من قمع رسمي شبه ممنهج ولا ينفي خبير سياسات التعليم أن مدارس تحسين الخط العربي بحاجة إلي مراجعة بالفعل ولكن لوضع اسس جديدة تعلي من شأن الموهبة عند الالتحاق بها أو التخرج فيها, لاوقفة تؤدي إلي الايقاف. الناقد والكاتب الصحفي اسامة عفيفي يتفق مع عبده البرماوي في ان هذا القرار يعد اعتداء علي اللغة العربية نفسها التي تعاني التهميش في وسائل الاعلام الرسمية ومخاطبات الدولة, فكليات الفنون توقفت منذ زمن عن تدريس الخط العربي, ولا تعده فنا من الاصل وعندما طورت اقسام المعمار الداخلي بها توقفت عن تدريس الخط العربي فيه رغم انه كان يقوم بتدريسه طائفة من امهر الخطاطين المصريين. ويري عفيفي ان هذا التهميش ينطلق من وزارة الثقافة نفسها التي لم تقم في عهد الوزير فاروق حسني(29 عاما في الوزارة) اي ملتقي او صالون متكامل للخط العربي رغم تكرار مطالبات الفنانين والنقاد بذلك ولم تنشئ متحفا يرصد فن الخط العربي ومراحل تطوره التي شهدت قفزات واسعة في القرنين التاسع عشر والعشرين في حين تنظم تركيا مسابقة عالمية لفنونs لخط العربي رغم انها تكتب بالحرف اللاتيني منذ ثورة اتاتورك. ويضيف ان تجاهل وزارة التربية والتعليم المتعمد للخط العربي بدأ منذ تهميش حصة الخط في المدارس ثم الغائها لتتخرج اجيال لا تجيد الكتابة بلغتها بل وتنفر من شكل حروف هذه اللغة التي ينبهر بها العالم بينما اوقفت وزارة الاعلام التعامل مع الخطاطين لتخرج برامجها مكتوبة بخطوط قبيحة انتجتها اجهزة الكمبيوتر التي لا تعتمد اطقم الحروف العربية التي طورها الخطاطون في مصر وسوريا والعراق يأتي هذا بينما تحفل مصر بخطاطين متميزين, حتي أن فنان الخط المصري محمد مصطفي الذي يحيا بلندن الآن ابدع اشكالا جديدة في بناء لوحة الخط العربي ليصنع منها جداريات عالمية ولم تكرمه الدولة المصرية ويستنتج اسامة عفيفي من هذا ان هناك تغافلا متعمدا من الدولة عن كل ما يتصل باللغة العربية التي تشكل بحكم الدستور اللغة الرسمية للدولة وتشكل عماد هويتها وتراثها منذ ما يقرب من1300 عام ويري عفيفي ضرورة تدخل رئيس الدولة مباشرة لايقاف العمل بهذا القرار لو كان يهدف إلي ايقاف هذه المدارس خاصة ان تراجع الخط العربي سيؤدي إلي تراجع الفنون والحرف التراثية التي تعتمد عليه كفنون الخيامية والحفر الاسلامي. علي الجانب الآخر يبدو ان الجمعية المصرية العامة للخط العربي علي وشك فقد الامل في تراجع الوزير عن قراره يقول الفنان مسعد خضير البورسعيدي الذي تتوارث فنون الخط العربي في عائلته, رئيس الجمعية المصرية العامة للخط العربي ان الجمعية تقدمت بالفعل برفع دعوي قضائية تطالب من خلالها الوزير بالاعلان عن اسباب قراره وتفاصيله, خاصة وان الامر المكتبي ينص علي ايقاف قبول دفعات جديدة لحين ورود تعليمات اخري دون تلميح بكنه هذه التعليمات أو اسباب اتخاذ القرار مؤكدا ان اعضاء مجلس ادارة الخط العربي بالوزارة وهو منهم تقدموا بطلب لمقابلة الوزير فور صدور القرار ورغم مرور ثلاثة اشهر أو يزيد لم يرد الوزير عليهم وتم نقل رئيس المجلس( د. امين ابو بكر) إلي ادارة تعليم الكبار وتوقف مجلس الادارة من وقتها عن الانعقاد أو التشاور ويضيف خضير البورسعيدي( لقد بح صوتنا في جمعية الخط العربي لتحويل الخط إلي مادة اساسية في المدارس بعد ان تخرجت اجيال من الجامعيين ذوي الخطوط الرديئة المشوهة, فاذا دعوتنا ومطالبنا يتم الاستجابة اليها بالغاء أي امل باعادة الاعتبار إلي الحرف العربي. الفنان محمد حمام أمين صندوق الجمعية يري في هذا القرار اعتداء واضحا علي اللغة, ويستبعد ان يقوم الوزير باتخاذ تحرك يؤدي إلي اغلاق مدارس تحسين الخطوط, لانه تحرك يتسم بالجهل لا يمكن ان يصدر عن الوزير لهذا يرجح ان يكون القرار مستهدفا اعادة النظر في منهج العمل بالمدارس لا أكثر. ويري محمد حمام ان اي مساس بفن الخط العربي بشكل يهدد تخريج اجيال جديدة تجيده, ويهدد نقل خبرات فنية إلي مريديه يشكل اعتداء علي هوية مصر الثقافية فهذه المدارس انشئت لتكون تابعة للقصر الملكي مباشرة وهذا يعني اعتراف الدولة المصرية باهمية هذا الفن إلا انها منذ انتقلت إلي وزارة التربية والتعليم عقب قيام الثورة, فهي آخذة في الانهيار والتدهور, وعلي الوزارة ان تعيد هيكلتها وتدفع باتجاه تطويرها لا ان تلغيها فالحرف العربي هو وعاء اللغة العربية واساءة الخط والاساءة اليه هو اساءة للغة وجريمة في حقها وخطوة جديدة نحو القضاء علي اللغة العربية بعد ان صارت الواجهات في شوارعنا تنطق بالانجليزية ودعا محمد حمام فناني الخط العربي القائمين بالتدريس في هذه المدارس إلي القيام بوقفة جادة في مواجهة القرار بالتوقف عن قبول دفعات جديدة حتي لا يساهموا في ارتكاب الجريمة الرامية إلي ايقاف المدارس التي تمثل الملجأ الاخير للحفاظ علي هذا الفن العريق.