رغم التدنى الشديد للخدمات الصحية فى قرى الصعيد، فإن الأهالى يتكلمون أولا عن مشكلات الزراعة، من سماد ومبيدات وإرشاد زراعى، باعتبارها أكبر همومهم، رغم أن قرية الحتاحتة بها مستشفى «نموذجى»، لا يوجد به طبيب، وفى بنى سليمان «الصحة شبه معدومة»، وحتى لو توافرت الخدمة الطبية فإن الدواء لا يتم توفيره، «والناس غلابة»، «الوحدة الصحية عايزة تتفور، مفيهاش أى إمكانيات». ومع ذلك اتفق معظم المزارعين الذين استطلعت «الشروق» آراءهم فى محافظتى بنى سويف والمنيا، على أن السماد يأتى على رأس المشكلات التى يعانون منها. السعر الرسمى للشيكارة 73 جنيها، بينما يصل فى السوق السوداء إلى 150 جنيها، كما يقول الحاج شلبى من قرية الحتايتة التابعة للمنيا، والذى يملك خمسة أفدنة من الأراضى. «السماد مش بس غالى، ده كمان مش متوافر على مستوى المحافظة»، يقول شلبى، موضحا أنه منذ ثلاث أو أربع سنوات لم تكن تلك المشكلة قائمة لأن المزارع كان يجد السماد عند الجمعية الزراعية أو لدى بنك التنمية والائتمان الزراعى، أما الآن فقد أصبح مقصورا على الجمعيات فقط، «والكميات الموزعة لا تتجاوز 60 طنا، توزع على عدة آلاف مزارع». من جهة أخرى، فإن المستأجرين لا يحق لهم الحصول على السماد المدعم، لأن شراءه يتم بأوراق حيازة الأرض، كما يقول شعبان، فلاح من قرية بين سليمان ببنى سويف يزرع ثمانية قراريط، مكسبها لا يتجاوز ال500 جنيه فى العام، وأحيانا لا يتحقق حتى هذا المكسب، «لو الزرعة اتصابت»، لذلك يضطر للعمل كفلاح أجير باليومية. ورغم صغر المساحة التى يزرعها شعبان فإنه لا يستطيع أن يزرعها كلها بالخضراوات التى تدر عليه عائدا أعلى بكثير من القمح والبرسيم، المحاصيل التقليدية، فهو يحتاج القمح لضمان توافر الخبز المنزلى الذى تأكل منه أسرته طوال العام، كما يحتاج للبرسيم كعلف لبهيمة يربيها لتعينه على تكاليف المعيشة، إلا أنه أصبح يقسم الأرض بين تلك المحاصيل وبين الخضروات التى تدر عليه عائدا أكبر، إلا أنها تتطلب باستمرار توافر المرشد الزراعى، لأنها تتطلب عناية خاصة فى وضع السماد والمبيدات، «فنحتاج لمتخصصين لإرشادنا، لكن الحكومة لم تعد ترسل مرشدين». شادى على عيد، فلاح من قرية الحتاحتة بالمنيا، يرتب المشكلات المعيشية التى يعانيها حسب أولويتها، فبعد السماد يأتى السولار، خاصة أنه «أساسى لتشغيل كل الماكينات المرتبطة بالزراعة سواء الجرار أو ماكينات الرى»، ثم يأتى رغيف العيش «الذى يجب ان يتحسن»، ومن بعده البوتاجاز الذى لا تتوافر منه الكميات الكافية. «العربية بتنزل البلد ب200 أنبوبة كل أسبوعين، من المفترض أن تكفى كل أهالى القرية التى سيكنها 11 ألف نسمة!». لكن شادى لا يشكو من سيطرة البلطجية على توزيع الأنابيب كما هو الحال فى قرى أخرى خلال الانفلات الأمنى، «العائلات هنا مترابطة جدا ومتعاونة بما لا يسمح بمثل هذه الممارسات». ويقول شعبان: إن عدم توافر الخبز يضطره للشراء من السوق السوداء، ويقوم البائعون بعرض ال12 رغيفا بجنيه، بدلا من عشرين رغيفا بالسعر الرسمى، كما يمعنون فى الاستغلال بإجبار المشترى على شراء خضراوات بجنيه آخر كشرط للحصول على الخبز. «العيش أساسى فى أكلنا فى الصعيد، بدل الأرز فى بحرى، الفرد بيستهلك 6 أرغفة على الأقل، لذلك نضطر لشرائه من السوق رغم أننا بنخبز، علشان يكفينا». أما أنبوبة البوتاجاز «فيصل سعرها فى المستودع إلى 20 جنيه، ده إذا لقيناها»، يقول شعبان.