لا أجد نصيحة يمكن أن توجه إلى القوى السياسية فى مصر، أفضل من تلك التى وجهها ممثل الاتحاد الأوروبى فى القاهرة السفير مارك فرانكو حين أعلن أنه ضاق ذرعا بالسؤال الذى يوجه إليه فى كل مرة حول امكانية وصول الإخوان إلى الحكم أو سيطرتهم على الأغلبية فى البرلمان القادم؟ وكان السفير الأوروبى يتحدث فى لقاء مائدة مستديرة عن الأوضاع فى مصر بعد الثورة، وعما يتردد عن صعود الإسلاميين واقترابهم من الفوز بالأغلبية فى الانتخابات التشريعية. وقال «إن هذا ما يتمناه الإخوان. ولكن إذا قال كل واحد إن الإخوان سيفوزون وأنهم سيسيطرون على البرلمان، فسوف يحققون هدفهم بالفعل. ونصيحتى أنه بدلا من أن تقضوا وقتكم فى الشكوى، اخرجوا إلى الشارع وشكلوا حزبا أو أحزابا واتركوا ميدان التحرير إلى الصعيد والأقاليم.. فأنتم على أهبة الدخول فى عملية ديمقراطية كبيرة. والحراك السياسى يقتضى أن تغيروا مواقفكم من الاحتجاج والتظاهر حول مطالب معينة، إلى الذهاب إلى الجماهير وإقناع الناس بالقضايا التى تناضلون من أجلها وتدافعون عنها! •• لا يعنى هذا أن ميدان التحرير سوف يختفى. ولكن هناك ضرورة ملحة لتحويل طاقة التغيير إلى عمل إيجابى.. والذين يفضلون التظاهر والوقوف فى الميدان لأنهم عاجزون عن إبداء المرونة السياسية الكافية، لن يكون بوسعهم أن يعودوا للشكوى من فوز الإخوان فى الانتخابات.. كفوا عن الشكوى من أن الآخرين أقوى منكم، وحاولوا أن تكونوا أقوياء بأنفسكم!». تعبر هذه الرؤية الأوروبية عن الطريقة التى يرى بها الغرب ذلك التنافس بين التيارات والقوى السياسية فى مصر.. وهم يرون أن صعود التيار الإسلامى ليس أمرا جديدا مستحدثا ولكنه نتيجة لضعف وتشرذم القوى السياسية الأخرى. وعجز شباب الثورة عن صياغة موقف سياسى موحد وهدف سياسى ينسجم مع الظروف التى تمر بها البلاد. وأن صندوق الاقتراع هو الذى سيحسم المنافسة فى النهاية! لقد اتخذ النظام السابق من فزاعة الإخوان المسلمين ذريعة لضرب الحريات السياسية وخنق الديمقراطية. ومن المؤسف أن هذه الحجج مازالت تستخدم حتى الآن. وكان آخرها فى مظاهرة جمعة الغضب الأخيرة. فقد كان للمتظاهرين مطالب وأسباب وجيهة مثل البطء فى سير العدالة والمطالبة بحل المجالس المحلية ووضع دستور جديد يسبق إجراء الانتخابات التشريعية. وحول بعض المطالب التى بدا بعضها متجاوزا للحدود مثل إقالة يحيى الجمل وأحمد فاضل كان من الطبيعى أن تنشأ خلافات. وهو أمر طبيعى أن يرفض الإخوان هذه المطالب أو بعضها. فليس من الضرورى أن يكون هناك إجماع بين كل الأطراف، وليس من حق فصيل أن يستنكر حق فصيل آخر فى إعلان مطالبه. إن ما شهده ميدان التحرير يدل على أن عددا لا يستهان به من فصائل شباب الثورة لم يشارك فى جمعة الغضب إلى جانب الإخوان وتيارات إسلامية أخرى. غير أن إعادة فرز الفصائل السياسية وإعادة التوازن بين القوى، لن يتم من خلال الحديث إلى وسائل الإعلام والوقوف فى ميدان التحرير.. ولكنه قد يتم حين يذهب الناس إلى صناديق الاقتراع. وهنا سوف يكون الفارق بين حزب سياسى منظم يحدد سياساته واستراتيجياته بوضوح، وبين شلل وتجمعات غير نظامية وبدون خطط وبرامج. وهذه آفة معظم الأحزاب السياسية فى مصر باستثناء الإخوان. لقد فجعت حين شاهدت عددا من البرامج الحوارية الشهيرة تغطى وقائع يوم الجمعة. ولم يكن همها الأول غير تأكيد أن الإخوان لم يشاركوا فى هذا الحشد الجماهيرى رغم «ادعائهم» بأنهم شاركوا فى صنع الثورة.. ولكن هذه البرامج لا تناقش شيئا من مطالب الثوار ومدى جدارتها فى تحقيق أهدافها.. وما هى الخطوات التالية لثوار ميدان التحرير. هل يظل الوقوف فى الميدان والتظاهر هو الهدف وهل يحقق التغيير المطلوب؟! ••الملاحظ أن المنافسة بين القوى السياسية فى مصر لا تقوم على الحشد والتنظيم وتقديم البرامج الإصلاحية، بقدر ما تقوم على الكيد والوقيعة بين التيارات والأحزاب المختلفة وبين المجلس العسكرى الحاكم وإلقاء التهم ضد الليبراليين والعلمانيين. وتبدو المعادلة بدائية للغاية: فالإخوان يريدون إجراء الانتخابات بأسرع ما يمكن تحت وهم أن الأغلبية فى جيبهم. والقوى السياسية الأخرى ترى تأجيل الانتخابات إلى ما بعد الاتفاق على الدستور لإعطاء الفرصة لإنشاء الأحزاب الجديدة للثورة. وفى هذه الحالات فإن المرونة السياسية هى وحدها التى يمكن أن تحقق المصلحة المشتركة. وصناديق الاقتراع هى التى تحسم الموقف!