يرغب كل من حلف الناتو وروسيا فى تعزيز التعاون بينهما، رغم اختلاف نهجهما. وهما يؤكدان أن لهما مصلحة مشتركة فى تحقيق الأمن، ويقران بخلافاتهما فى قضايا بعينها. غير أن مواقفهما إزاء هذه الخلافات أيضا تتباين. فعلى سبيل المثال، لا يعد التوسع شرقا مسألة مبدأ بالنسبة للحلف، ذلك أنه راض تماما عن نمط الشراكة، الذى يقوم بتكوينه حاليا. وقد استخدم شركاء الناتو بشكل متصاعد نمط «تحالفات الراغبين» لتنفيذ مخططات بعينها، مثل القتال ضد حركة طالبان فى أفغانستان. ولا تؤدى إضافة أعضاء جدد من ذوى القدرات العسكرية المحدودة والمشكلات الداخلية الدائمة، سوى إلى إضعاف الحلف ودفعه إلى زيادة الإنفاق بفعل نمو جهازه البيروقراطى، ومن ثم لم يعد توسيع حلف الناتو أولوية ضمن سياسته الأمنية. وبالنسبة لروسيا، تعد الأمور المتعلقة بتوسيع الناتو، والانتشار المتوقع لأجهزة الرادار والصواريخ الباليستيه الدفاعية الأمريكية فى أوروبا، قضايا حيوية. وبمعنى آخر، تمثل هذه المشكلات، التى لم يتم التوصل إلى تسوية بشأنها مع الناتو حجر الزاوية بالنسبة لسياسة روسيا الخارجية، ولكنها لا تمثل سوى عنصر واحد فى سياسة الشراكة الأوسع، التى يتبناها الحلف. وفى الوقت نفسه، يتوقف مستقبل وأمن الدول الواقعة فى الفضاء الأوروبى الأطلنطى على طبيعة العلاقات بين روسيا والناتو. وتلك هى المفارقة فى العلاقات بين روسيا والغرب. وترتبط جميع القضايا الأخرى بشأن التعاون بين روسيا والناتو بهذا التناقض، وكما أن نجاح روسيا فى التشارك مع الحلف يتوقف على تسوية هذه المشكلات. وحتى نعيد تشكيل علاقاتنا بشكل حقيقى، لا يكفى إصدار بيانات عامة حول التعاون فيما بيننا فى المجالات، التى تتفق فيها مصالحنا (أفغانستان، الحرب ضد الإرهاب، تهريب المخدرات.. إلخ)، إذ من المحتم أن يواجه التعاون فى هذه المجالات مآزق، مثل التدريبات التى يقوم بها الناتو حاليا فى جورجيا. ولا يمكن أن نمضى قدما فى علاقاتنا إلا إذا تم إيجاد حلول للمشكلات المعقدة المتراكمة. وفى هذا الصدد، فإن الكرة الآن فى ملعب الناتو، ذلك أن روسيا لا تكتفى بالقول إنها ترغب فى التعاون مع الحلف، لكنها تثبت ذلك عمليا. ففى عام 2001، وقفت روسيا بلا مواربة مع الغرب فى حربه على الإرهاب. وبالرغم من الموقف الذى اتخذه الناتو إزاء جورجيا وتجميد مجلس «روسيا الناتو»، أعربت موسكو عن استعدادها لأن تستخدم أراضيها فى عبور المؤن غير العسكرية، التى كانت تحتاجها القوات الغربية فى أفغانستان عام 2008. وتهدف روسيا إلى توسيع التعاون مع الحلف فى أفغانستان، ويعد ذلك مسألة مبدأ بالنسبة لنا. وبالرغم من ذلك، لم يتقدم الحلف خطوة واحدة تجاه موسكو. واستمر فى المناورة، حيث يعلن رغبته فى التعاون مع روسيا، بينما يقوم بأعمال يدرك تماما أنها تمثل انتهاكا جسيما لمصالح الأمن القومى الروسى. وفى جوهر الأمر، لقد أصبح مستقبل منطقة أوروبا الأطلنطى فى خطر؛ ذلك أن إضاعة الفرصة المتاحة حاليا للتوصل إلى اتفاق يهدد بالانزلاق إلى الفوضى فيما يتعلق بالقضايا الأمنية. وسوف يكون الناتو أول من يعانى، إذا تعرض الاستقرار الأمنى أو الاقتصادى للدول الأعضاء لأية تهديدات. وإذا لم يحدث تقدم سياسى فى علاقة الناتو بالغرب، سيكون على موسكو النظر شرقا لتحديد سياستها الخارجية. وآنذاك سوف يواجه الغرب مصاعب اقتصادية وأمنية جديدة. هل يصب ذلك فى مصلحة الناتو، فى الوقت الذى تسير فيه عملياته فى أفغانستان فى طريق مسدود، بينما لا توجد فرصة (باعتراف أعضاء الناتو أنفسهم) لتسوية الأزمة النووية الإيرانية دون معونة روسيا.. وهل مضايقة الدب الروسى عبر الاستمرار فى دعم النظامين الحاكمين فى جورجيا وأوكرانيا كى يصبحا على استعداد لاستخدامهما كقوة معادلة لروسيا فكرة جيدة؟ وإذا كان الأمر كذلك، فإننا لسنا بصدد تعزيز الأمن الأوروبى، بل إضعافه. لقد اتسعت منطقة الصراع بين الغرب وروسيا بطريقة مصطنعة، دون أن ترتكب موسكو أى خطأ يؤدى إلى ذلك. يمثل العمل المشترك الوسيلة الوحيدة للتعامل مع التهديدات والتحديات الراهنة. ومن الواضح أن روسيا لديها قدرات عالية فى هذا الصدد. ومع مضى الوقت، سوف تسوى روسيا وجورجيا مشكلاتهما. فنحن جارتان لدينا تاريخ مشترك، كما توجد العديد من الصلات العائلية بين مواطنى البلدين اللتين تربطهما مصالح اقتصادية مشتركة. لكن مشكلة علاقات روسيا المستقبلية مع الناتو قد تكمن فى أن الأخير كان قادرا على المساعدة وقت الحاجة، لكنه لم يكن راغبا فى ذلك، ومن ثم وقف برعونة مع نظام تبليسى غير الوطنى. فى الوقت الراهن، لا يبدو أن الناتو على استعداد للاستمرار فى تنفيذ القرارات، التى اتخذها فى يوبيله الذهبى فى ستراسبورج بشأن إعادة التشارك مع روسيا. وجاءت الخطوة الأخيرة للناتو والتى تمثلت فى طرد اثنين من الدبلوماسيين الروس لدى الحلف، وهو ما أعلن عنه يوم انعقاد أول اجتماع رسمى على مستوى السفراء لمجلس روسيا الناتو منذ التجميد، الذى حدث فى الصيف الماضى لتناقض بوضوح مع مصالح القوى المشاركة فى الناتو، التى ترغب فى تطبيع العلاقات مع موسكو. وعلى الناتو أن يتخذ قرارا. وعلى قدر النداء سيكون الصدى. DMITRY ROGOZIN New York times Syndication