سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
القارئة كاميليا رزق الله تكتب :ما بين سقوط دولة عبد الناصر العتيّ الجبار بعد رحيله ورسوخ دولة مبارك بكل ما تحلى به من غباء سياسي وغيبوبة فكرية وانفصال مجتمعي
صمت وصبرت واستعذت عن كل الضلالات والتوهان مما يجري حولي بإيمان رسخ في وجداني وعقلي بطليعة الشباب الذين فجروا ثورة ما كنا نحلم بها في أكثر تصوراتنا عن اليوتوبيا أو المدينة الفاضلة. حقاً لم يكن هذا من باب التمني، ولكنه تجسد لنا على أرض الواقع، وتفاصيله يعرفها الجميع ويسجلها التاريخ. ولكن، ضاق صدري، وضاق الوطن على رحابته وسماحة أفراده الطيبين وجمال شطآنه وشموخ جباله وجلال صحاريه، لأصبح في حالة يأس وتيه وبلاهة لعجزي عن فهم ما يدور في بلادي من وجود وجه حسن مبارك يطل علينا من أركان الكون الأربعة. ليقل لي أحدكم من ذوي الفهم، من هو حسني مبارك؟ ذاك الذي يمتد نظامه كالإخطبوط والمتجذر في أرضنا الطيبة التي أحالها إلى خراب. أليس هو ذلك ال mediocre، أي تلك الفئة من البشر من أواسط المواهب ومفتقدي الرؤيا، تحلي بذكاء متوسط ولكنه كان دؤوباً كطيار مقاتل ورفعته المقادير إلى قيادة القوات الجوية وأسعفه الحظ في حرب أكتوبر ليخرج بطلاً من المغاوير. ولا بأس. فهذا كله كان يمكن أن يمضي ويوضع على رفوف التاريخ لولا أنه تم تصعيده في غفلة من الزمن نائباً لرئيس الجمهورية ثم يجلس على الكرسي الكبير لسوء حظ أمة كاملة. عندما رقد جمال عبد الناصر رقدته الأبدية، فإذا بكل دولته البوليسية وقبضته الحديدية وما توفر لنظامه من عثرات أجهزة المخابرات التي تصنتت على بعضها البعض، تنهار في لحظة انقض فيها السادات على كافة رموز الحكم الناصري من عينة قادة لم يفتقدوا البأس والبطش، تساقطوا جميعاً كأوراق أشجار الخريف، وجلس السادات مرتاحاً على الكرسي. أما حسني مبارك، الذي لا يرقي إلى عشر معشار ذكاء ودهاء عبد الناصر والسادات، فقد أرسي دعائم حكم أخطبوطي يمتد بأذرعه إلى كافة مناحي الحياة، وعندما سقط، أو هكذا توهمنا، رأينا أذرع الإخطبوط تتحرك في كل الاتجاهات، كل الذيول تحمي الرأس. فمن هو حسني مبارك الذي كان يحكم البلاد بالشفعة وبواسطة أعوان أغبياء ولكنهم أصحاب أنياب، مستكيناً إلى تقارير "كله تمام يا افندم"، الذي لم يكن يقرأ ولا حتى الصحف، وتابع أحوال الرعية، كلما تذكرهم بالصدفة، الذين لم يري فيهم سوي رعاع وغوغاء و"بيخلفوا كتير ويأكل الواحد منهم عشرة أرغفة"، حسب إحدى تعليقاته اللوذعية، ولا يستحقون سوي رغيف عيش لا يصلح لأكل الدواب، يتصارعون عليه في طوابير، الخ كوارث نظامه. من هو حسني مبارك الذي يثبت أذنابه الآن مقولته الخالدة "إما الاستقرار (والذي كان الجمود والتكلس بعينه) .. وإما الفوضي". فلما اختار الشعب التغيير، فإذا بالفوضي تعم، بداية من البلطجية وسكان السجون الطلقاء والانسحاب التام لأجهزة الأمن التي لا نفهم مبرراً منطقياً لغيابها حتى اليوم، فهي وإن كان بعض أفرادها قد ظهروا مجدداً، إلا أن وجودهم غير فاعل بالمرة. والآن، تركوا الوطن نهباً لتيارات متطرفة خرجت من أوكارها تمتطي ثورة لم تدعو إليها بل وكفرت كل من يقوم على ولي الأمر، فإذا بها تقوم بتكفير البلاد والعباد وتمسك القانون بإيديها، وبدلاً من إعمال أحكام القانون الرادعة، ونحن لازلنا بعد يحكمنا قانون الطوارئ، وبدلاً من القبض على الجناة وتقديمهم لمحاكمات عادلة، فإذا بأولي الأمر يستعينون على النار بالرمداء، لتطل علينا أولي بشاير الدولة الدينية عندما استدعت السلطة السيادية أحد الدعاة ليفتي علينا بفتاويه التي تبيع وتحظر، وتحلل وتحرم، أو تنتهي جريمة الاعتداء على حرمة إنسان بجلسات صلح عرفية، كل ذلك تحت سمع وبصر، بل وبدعوة صريحة من أولي الأمر. هل عجزنا عن إعلان سيادة القانون؟ لماذا اكتفينا بمحاكمة بعض رموز الفساد وتركنا جيوشهم تنهش الوطن؟ ومن ذا الذي سمح برفع ثلاثة آلاف شخص من قوائم الانتظار في المطارات والمواني ليعودوا من أفغانستان وباكستان وإيران والبوسنة، وربما تورا بورا، بعد أن نهلوا من منابع الإرهاب وتمرسوا على أساليبه. كل ذلك ونحن نعيش حالة طوارئ بامتياز تستدعي تطبيق قانون الطوارئ الذي امتد لثلاثين سنة طبق فيها على أصحاب الرأي والفكر والمواقف المناهضة لسدنة الحكم الباطش. فهل تسمح الحالة الراهنة التي يسود فيها الوطن فوضي عارمة وغياب الأمن وبطش البلطجية وسيولة الدولة أن نستقبل كل هؤلاء؟ أهذه هي الحرية حقاً أم أنها دعوة للخراب؟ من دواعي حيرتي وارتباك ذهني أن حسني مبارك، ونجله، أصبحا ورقة محروقة، فلا سبيل لعودة أي منهما. إذاً، فليسعفني أحد من عقلاء القوم ليفسر ما هذا الذي يجري، وما الهدف ومن المستفيد. وأخيراً، أين أنتم يا شباب الثورة وطليعتها ممن كانت وجوهكم ومسلككم الحضاري يخبي فينا الأمل ونري فيكم مستقبلاً أنتم جديرون ببنائه وقيادته. حقيقي، لماذا تشتتت صفوفكم وأصبحنا لا نراكم ولا حتى في خلفية الصورة، فهل تبخرتم مثلما تبخر من قبلكم ضباط وجنود الشرطة، وهل هو ذهاب بلا عودة؟