وقد لا يكون آخر جوانب المفارقات بين النظريتين أن نظرية "السر" سعيها الأساسي أن تحاول أن تقودك لأن "تملك" شيئا ما "أحبها منذ عامين بالتمام .. ولم ألتقيها منذ هذا الحين وجها لوجه سوى مرة أو مرات معدودة .. لكني التقيتها وجها لوجه -بشكل ما- مرات أخرى كثيرة .. هناك حالة من الملاحقة بيننا .. لا أعرف حقيقة هل أنا من ألاحقها في خيالاتي وأحلامي وأيامي .. أم أن حبها -شعرت به أم لم تشعر- هو الذي يلاحق خيالاتي وأحلامي ، وأيامي ! .... ما الحل !؟ - أعمل ايه !؟" امممم .. يسألني أنا !؟؟ لماذا أنا تحديدا !؟؟ ومن هو تحديدا !؟؟ وأين كان هذا السؤال بالضبط ؟؟ ومتى نحنُ الآن بالضبط ؟؟ هل قرأتم أو سمعتم عن نظرية السر !؟ ، كان أول عهدي بهذه النظرية منذ شهور كثيرة إلى حد ما -الزمن نسبي والكثرة أو القلة فيه تختلف وتتفاوت من إنسان إلى إنسان ،ومن حدث إلى حدث ، ومن ذكرى إلى ذكرى- .. خصص حينها إبراهيم عيسى الصفحة الأخيرة كاملة من جريدة الدستور لكتابة مقال بعنوان كتاب السر ! .. كان هذا الكتاب التي أطلقته الكاتبة والمنتجة التلفزيونية الأسترالية / "رواندا بيرن" قد أحدث ضجيجا ليس بهين في العالم كله .. كان هذا الكتاب غريبا نوعا ما ليس في مضمونه أو مجاله فكم من الكتب التي تصدر يوميا وليس شهريا لتتحدث عن كيف تحقق أمنياتك أو تنال ما تريد .... لكن كان المدهش هو في ردة الفعل التي صاحبت الكتاب من حيث التصديق المطلق من الكثيرين أو الرفض المطلق من الكثيرين أيضا لدرجة أن يصدر كتاب بدعم بعض علماء الدين العرب بعنوان "خرافة السر" لدحض ما يرونه أكاذيب الكتاب ! .. الكتاب يقوم ببساطة على نظرية تتصور أن سر كل ما يحدث للإنسان يكمن في قانون "الجذب" .. قانون الجذب هذا يفترض أن الأفكار التي يفكر بها الإنسان تتجاذب مع ما يشابهها أو يرتبط بها فتجذبه وتحققه .. وأن الأحداث التي تحدث في حياة الإنسان هي أفكار سابقة له ! مثال : الإنسان الذي يفكر أنه سيتأخر عن العمل أو يخاف من حدوث ذلك سيتأخر عن العمل ! مثال آخر : الإنسان الذي يفكر أنه سيشفى من مرضه -ولو كان لا علاج معروف له- ويؤمن بذلك تماما فسوف يشفى منه ! ويتحدث الكتاب عن عشرات النماذج من هذه الحالات .. إذن بعبارة مختصرة وموجزة .. نظرية السر تقول لك .. لاحق الأشياء التي تحبها وتتمناها عبر أفكارك تكن لك .. تريد أن تكون ثريا .. فكر في الثراء واقتنع أنك بالفعل أصبحت ثريا ، وتوجه للكون -لله في النسخة العربية!- بذلك .. وعندها سيتحقق لك ما تريد !! هنا يكمن السؤال عن نظرية الحب !؟ -هذا بافتراض أن للحب وطبيعته وأعراضه ومراحله وحالاته نظرية ما- .. هل يلاحق الإنسان من يحب !؟ أم يلاحقه من يحب -بشكل ما- دون أن يشعر !؟ "ثمة شيء غريب يحدث بيننا .. حالة الملاحقة .. تأتيني بشكل متصل في أحلامي .. أرى وجهها في يقظتي .. على صفحات مذكراتي .. بين قطرات المطر التي تتشبث بزجاج نافذتي كأنها تحقق له لحظات وصال تروي أوقات الجفاف الطويلة ! .. أذهب إلى مكان ما فأجد أن لها علاقة ما به .. أتعرف إلى شخص ما فأجدها تعرفه بشكل ما ! في الوقت الذي لا أتوقع فيه أن ترد إلى حيز أحداثي إطلاقا ، أجدها أو شيئا منها أمامي بشكل مباشر !" كنت أتصور دائما أن المحب هو الذي يلاحق المحبوب ، ويتعقبه بأحلامه وخيالاته وصوره وذكرياته وأفكاره .. لكن حديثه ومشاعره -هذا الذي لا زلت أسأل من هو تحديدا !- تنبئ وتنبه بثمة ما يبدو الحقيقة في أن المحبوب هو الذي بشكل ما -حتى دون أن يشعر- يتعقب المحب !!! هذه النقطة أثارت فضولا لديّ في التأمل والموازنة بين نظريتي "السر" ، والحب" ! .. تبدو الأشياء جميعها كأننا نلاحقها لأننا نتمناها ونريدها / ويبدو المحبوب -بشكل ما وإن لم يشعر- أنه يلاحقنا لأننا نتمناه ونريده ! الجمل السابقة مرتبكة .. أعلم ذلك .. ربما تجدها غير منطقية أو مترابطة إذا قرأتها على مهل .. وربما أيضا تجد فيها وفيما يسبقها ويليها تكرار جمل اعتراضية على نمط "بشكل ما" ، و"إلى حد ما" وكلها جمل تفيد النسبية وعدم التأكد !! ، لكن هنا من قال أن "السر" -أيا ما كانت كينونته- أو "الحب" .. أيهما يحكمُ بالمنطق أو الإطلاق !؟ إنهما نظريتا الارتباك والنسبيات لا شك ! عموما ثمة أمور أخرى تلوح في الموازنة بين "السر" و"الحب" .. إذ تبدو نظرية "السر" اختيارية .. فأنت من تحدد ماذا تريد ، ومتى تريده .. ومتى تبدأ في التفكير في تحقيقه ، وحدود تحقيقه ، ثم محاولة جذبه عبر الكون ! / بينما في المقابل تبدو نظرية "الحب" بالمقابل إجبارية أو قدرية .. إذ أنك لا تختار من تحب ، ولا متى تحب ، ولا حدود انتهاء أو ابتداء مطلق هذا الحب زمانا ومكانا وشعورا وأحداثا ! ثم نظرية "السر" كذلك لم يكن يمكن لك -غالبا- أن تعرفها وتحس بانطباقها من عدمهِ عليك إلا بعد قراءتكَ الكتاب واقتناعك به ثم محاولتك أن تطبقه ! -وهذا لو انتبهت يمكن أن يخضع للنظرية نفسها ويؤكد صدقها ! إذ عندما فكرت في الكتاب وتوجهت به عن يقين للكون جذب ما يحقق فحواه لك !- / بينما نظرية "الحب" لا يكاد يعيش إنسان على وجه الأرض إلا ويعيشها وتعيشه بالتلازم والضرورة ! تتمناه ! / بينما نظرية "الحب" تحاول أن تقودك إلى أن "يملكك" شخص ما تتمناه !! وهنا ربما تبدو نقطة اتفاق أنك في النظريتين تتمنى شيئا ما ، وإذا اعتبرت الأشخاص جزءً من الأشياء المطلقة فقد يمكن اعتبار نظرية "الحب" -بشكل ما- جزءً من نظرية "السر" ! أي أن "الحب" جزء من "السر" ! ولكن .. هل يمكننا أن نطبق مبادئ الرياضيات البسيطة بشكل بسيط مثلها !؟؟ تعالوا نجرب ! سر الوجود كله ، بكل موجوداته -من أحداث وأفكار وأشياء ومواقف وعوالم- .. يخضع لنظرية 1 بينما الحب منفردا .. يخضع لنظرية ! 2 بمساواة 1 ، 2 إذن سر الوجود كله ، بكل موجوداته -من أحداث وأفكار وأشياء ومواقف وعوالم- .. يوازن أو يساوي أو يعادل .. الحب منفردا أي أن سر الوجود = الحب ! بعد النهاية .. لم أستطع أن أهديهِ حلا فأهديته أبيات تعبر عن حاله سبعُ مئاتٍ من الأيامِ ، وفوقهمْ زيدي ثلاثينا / عامانِ .. أشتاقُ اللقاءَ ، ولمْ يزلْ شوقي حزينا ! هلْ كنتُ عندَكِ يا حبيبةُ بعضَ وهمٍ بينما / كنتِ لديَّ الحبَ حينَ يفيضُ في قلبي حنينا !؟