لا تعتبر سيادة الدولة مبررا للقتل. ولا يمكن لأى دولة أن تتنازل عن مسئولية حماية شعبها من الجرائم ضد الإنسانية، ناهيك عن تبرير ارتكاب هذه الجرائم لنفسها. وعندما يتضح فشلها فى هذه الحماية، تصبح الجماعة الدولية مسئولة عن توفيرها، وذلك بالقيام فى الوقت المناسب بعمل جماعى حاسم عبر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بشرط أن تكون الوسائل السلمية غير كافية. وهذا هو مبدأ «مسئولية الحماية» الذى أقرته الجمعية العامة بالإجماع فى 2005. وليس هناك أوضح من الوضع المزرى فى ليبيا لتطبيق هذا المبدأ. فقد حصدت بالفعل قوات القذافى برا وجوا أكثر من ألف من مواطنيه، كانوا يتظاهرون (سلميا فى البداية) ضد تجاوزات نظامه. ويبدو أنه لا مفر من حمام دم أكبر، ما لم يتنح عن منصبه. وقد صارت الحاجة ماسة لاتخاذ موقف حاسم فى الوقت المناسب. وبعد أن تحرك مجلس الأمن بحذر مؤلم فى الأيام الأولى للأزمة، أثار فى نهاية الأسبوع مبدأ مسئولية الحماية، ووافق فى سابقة تاريخية على حزمة كبيرة من التدابير واجبة التنفيذ: حظر مبيعات أسلحة، تجميد أرصدة، منع سفر والأهم إحالة الأمر إلى المحكمة الجنائية الدولية. وهى تدابير ضرورية ومهمة، لكنها لا ترقى إلى التهديد بالقوة العسكرية أو استخدامها. فهل ستكفى لوقف القتل؟ أم أنه حان وقت تحديد منطقة حظر طيران وفرضها، أو الذهاب إلى مدى أبعد وإرسال قوات برية؟ وهى دعوة صعبة على نحو مفزع، ولا يستطيع أقوى المدافعين عن مسئولية الحماية تحمسا أن يتظاهر بغير ذلك. فإعلان منطقة حظر طيران ليس خيارا سهلا كما قد يبدو: فلا شك أنه يعنى الاستعداد لإسقاط الطائرات النفاثة والمروحيات التى تخترقها، كما سيعنى مخاطرة ضخمة بأسر رهائن من الرعايا الموجودين فى البلاد من أى دولة مشاركة فى التدخل، أو القيام بأعمال انتقامية ضدهم. ومن شأن أى قوة غزو بافتراض إمكانية تشكيلها فى وقت وجيز أن ترفع سقف المخاطر على نحو أكبر. وتتمثل أهمية تبنى الأممالمتحدة لمسئولية الحماية فى أنه ينهى عشر سنوات من الانقسام بشأن فظائع مؤلمة فى التسعينيات، عندما كانت دول الشمال تدعم التدخل لأسباب إنسانية غالبا، بينما تستند دول الجنوب إلى رفض التدخل فى الشئون الداخلية للدول. وكان التوافق ضئيلا، فنجم عنه تحركات لم تحصل على تفويض من الأممالمتحدة، كانت غالبا خاطئة، أو ناقصة، أو تأتى بنتائج عكسية كما فى فجيعة الصومال 1993، وكارثة الإبادة الجماعية فى رواندا 1994، والإهمال الذى لا يصدق فى سربرينتشا عام 1995 أو غير مشروعة لأنها لم تحصل على تفويض من الأممالمتحدة كما فى كوسوفو 1999. وقد سعى المبدأ الجديد لإيجاد أرضية مشتركة من خلال صياغة المسألة وفقا لمفهوم المسئولية بدلا من الحقوق، والحماية بدلا من التدخل، وتوضيح أن التدخل العسكرى القسرى ليس الخيار الوحيد وإنما الحل الأخير. ولا شك أن الرد العالمى على الفظائع التى تكشفت فى كينيا 2008 يتناقض مع اللامبالاة التى قوبلت بها المجازر فى رواندا. وكانت الإدانة الدولية للقذافى سريعة وعالمية. ولم يعد هناك من يتحدث الآن عن السيادة التى تمنح حصانة. غير أن ذلك ينبغى أن يترجم إلى عمل. والأمل الكبير الثانى للمدافعين عن مسئولية الحماية يتمثل فى أن ذلك التوافق من حيث المبدأ، من شأنه أن يجعل الاتفاق فى الواقع العملى أكثر سهولة. ولكن تبين أن ذلك أصعب، كما أوضحت للأسف التجارب فى دارفور، والكونغو الديمقراطية، وسريلانكا وغيرها. غير أن الدرس المستفاد ليس عدم اتساق ذلك المبدأ، ولكن أن علينا أن نعمل بشكل أفضل على تطبيقه فى المستقبل وذلك المستقبل مع ليبيا هو الآن. وتعتبر العقوبات، وأنواع الحظر، والعزلة الدبلوماسية المفروضة على القذافى الحد الأدنى المطلوب الذى لا مفر منه. ولكن إذا لم تؤلم فوريا، واستمرت المجزرة، فان بكون هناك خيار سوى التصعيد. وينبغى أن تكون الخيارات العسكرية حلا أخيرا دائما. وتعتبر ليبيا حالة بالغة الحدة. وسيكون من الصعوبة بمكان الحصول على موافقة بدخول قوات أجنبية بسرعة أو فى أى وقت. غير أن فرض منطقة حظر طيران بقوة يعتبر خيارا واقعيا، أسهل فى دراسته مع خروج آخر مقيم أجنبى للبلاد، ومن المتوقع أن يكون فعالا أيضا فى إجبار القذافى على الاستسلام. وبالنسبة لما تم حتى الآن، مازالت الكرة فى ملعب مجلس الأمن، فليست مصداقية مبدأ مسئولية الحماية وحدها على المحك، وإنما مصداقية المجلس أيضا.