سعر الذهب في مصر اليوم الأربعاء 25-6-2025 مع بداية التعاملات    جيروم باول: الفيدرالي غير مستعد بعد لتخفيض أسعار الفائدة    جيش الاحتلال الإسرائيلي يعلن مقتل 7 جنود في غزة    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل 7 جنود في جنوب قطاع غزة    وكالة مهر: اكتشاف وضبط أكثر من 10 آلاف طائرة مسيرة في طهران خلال الأيام الأخيرة    مواجهات دور الستة عشر في كأس العالم للأندية 2025    القنوات الناقلة مباشر لمباراة صن داونز ضد فلومينينسي في كأس العالم للأندية.. والموعد    خبر في الجول - لحسم مستقبله.. الشحات يستقر على طرح العروض المقدمة إليه على الأهلي    «بريكس» تدعو إلى إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط    مصرع 4 أشخاص وإصابة 5 آخرين إثر حادث تصادم سيارتين فى 15 مايو    طقس اليوم: حار نهارا معتدل ليلا.. والعظمى بالقاهرة 35    مي عبد الحميد: الدولة تدفع منحة لا ترد تصل إلى 120 ألف جنيه في شقق الإسكان الاجتماعي    مندوب إيران بالأمم المتحدة: لن نتخلى عن برنامجنا النووي.. وإسرائيل وأمريكا خالفتا القانون الدولي    «تمركزه خاطئ.. ويتحمل 3 أهداف».. نجم الأهلي السابق يفتح النار على محمد الشناوي    بالأعلام واللافتات.. جماهير الترجي تدعم فلسطين خلال مباراة تشيلسي في مونديال الأندية (صور)    روسيا: واشنطن وتل أبيب تنتهكان معاهدة حظر الانتشار النووي وحق طهران في الطاقة النووية السلمية    إعلان النتيجة النهائية لعضوية مجلس إدارة البورصة    تصدرت تريند السوشيال ميديا، قصة صورة أعادت الفنانة عبلة كامل إلى الأضواء    «واخدلي بالك» على مسرح قصر ثقافة العريش    «عمتي حبيبتي».. ظهور نادر ل عبلة كامل يثير الجدل على السوشيال ميديا    حملات مسائية وفجرية على المخابز البلدية والمنافذ التموينية بالإسكندرية    النواب الأمريكي: الأعضاء سيتلقون إحاطة سرية بشأن الوضع في إيران الجمعة المقبلة    الدولار ب50 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الأربعاء 25-5-2025    مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة: إيران حاولت صنع قنبلة نووية ومن السابق لأوانه تأكيد تدمير مواقعها النووية    السيطرة على حريق سيارة نقل محمّلة بالتبن بالفيوم دون إصابات    "كانوا راجعين من درس القرآن".. أب يتخلص من طفليه بسلاح أبيض في المنوفية    انتشال سيارة ملاكي ابتلعها هبوط أراضي بشكل مفاجئ في التجمع    منتخب الشباب يخسر أمام ألمانيا ويتأهلان لربع نهائي كأس العالم لليد    زيادة طفيفة في مخزون سد النهضة.. «شراقي» يكشف آخر موعد للفتح الإجباري    حسام بدراوي يكشف أسرار انهيار نظام مبارك: الانتخابات كانت تُزور.. والمستفيدون يتربحون    بعد عام من الغياب.. ماذا قالت رضوى الشربيني في أول ظهور على dmc؟ (فيديو)    باسم سمرة يواصل تصوير دوره في مسلسل "زمالك بولاق"    أمين الفتوى يحذر من إهمال الزوجة عاطفياً: النبي كان نموذجًا في التعبير عن الحب تجاه زوجاته    الأزهر يتضامن مع قطر ويطالب باحترام استقلال الدول وسيادتها    خالد الجندي: النبي عبّر عن حب الوطن في لحظات الهجرة.. وكان يحب مكة    طريقة عمل الزلابية الهشة في البيت أوفر وألذ    عصام سالم: الأهلي صرف فلوس كتير وودع المونديال مبكرًا    مُعلم يصنع التاريخ.. جراى نجم أوكلاند الأفضل فى مواجهة بوكا جونيورز    عاجل.. بيراميدز يفاوض لاعب الأهلي وهذا رده    مهيب عبد الهادي ل محمد شريف: «انت خلصت كل حاجة مع الزمالك».. ورد مفاجئ من اللاعب    أجمل رسائل تهنئة رأس السنة الهجرية 1447.. ارسلها الآن للأهل والأصدقاء ولزملاء العمل    مطران نيويورك يوجّه رسالة رعائية مؤثرة بعد مجزرة كنيسة مار إلياس – الدويلعة    مهمّة للنساء والمراهقين.. 6 أطعمة يومية غنية بالحديد    أبرزها اللب الأبيض.. 4 مصادر ل «البروتين» أوفر وأكثر جودة من الفراخ    سعر البطاطس والبصل والخضار بالأسواق اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025    لا تدع الشكوك تضعف موقفك.. برج العقرب اليوم 25 يونيو    حفل غنائي ناجح للنجم تامر عاشور فى مهرجان موازين بالمغرب    التسرع سيأتي بنتائج عكسية.. برج الجدي اليوم 25 يونيو    غدا.. إجازة رسمية بمناسبة رأس السنة الهجرية للقطاع العام والخاص والبنوك بعد قرار رئيس الوزراء    محافظ الفيوم يشهد الاحتفال بالعام الهجري الجديد بمسجد ناصر الكبير.. صور    ميل عقار من 9 طوابق في المنتزة بالإسكندرية.. وتحرك عاجل من الحي    من قلب الصين إلى صمت الأديرة.. أرملة وأم لراهبات وكاهن تعلن نذورها الرهبانية الدائمة    ندوة تثقيفية لقوات الدفاع الشعبي في الكاتدرائية بحضور البابا تواضروس (صور)    سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025    سعر الزيت والدقيق والسلع الأساسية في الأسواق اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025    غفوة النهار الطويلة قد تؤدي إلى الوفاة.. إليك التوقيت والمدة المثاليين للقيلولة    وزير الصحة: ننتج 91% من أدويتنا محليًا.. ونتصدر صناعة الأدوية فى أفريقيا    رسالة أم لابنها فى الحرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دفاعًا عن العدالة وليس عن البشير

شهد الأسبوع الماضى حدثا مشهودا فى تطور القانون الدولى. فلأول مرة فى تاريخ البشرية تصدر محكمة دولية قرارا بالقبض على رئيس دولة أثناء ممارسته السلطة، هو الرئيس السودانى عمر حسن البشير، بعد أن وجه له النائب العام للمحكمة تهما تتعلق بارتكابه، بشكل غير مباشر، جرائم اعتداء وقتل وإبادة واغتصاب وتعذيب ونقل قسرى لأعداد كبيرة من السكان المدنيين فى دارفور ونهب ممتلكاتهم.
يفترض، وفقا لأحكام القانون الدولى التقليدى، ألا يخضع أى رئيس دولة للمحاسبة من جانب أى جهة أو يمثل أمام أى محكمة غير تلك التى تحددها قوانين بلاده، وهى بالطبع هيئات وسلطات محلية بحتة.
 ولأن حجر الأساس فى صرح القانون الدولى كله يقوم على قاعدتى السيادة والمساواة، فمن الطبيعى أن ينبثق عن هاتين القاعدتين، بشكل طبيعى وتلقائى، مبدأ مهم جدا يقضى بعدم جواز تدخل الدول الأخرى أو المنظمات الدولية فى الشؤون الداخلية للدول، وهو المبدأ الذى نص عليه ميثاق الأمم المتحدة بوضوح قاطع.
غير أن تطور علاقات الاعتماد المتبادل بين الدول تطلب وضع ضوابط للسلوك اقتضتها مصالح الجماعة الدولية ككل، مما فرض تطورا موازيا لقواعد القانون الدولى فى اتجاه التضييق من مفهوم «السيادة» والحد من نطاق ممارسته.
ولأن شيوع مفهوم موسع للسيادة فى إطار القانون الدولى التقليدى كان قد أفضى إلى الاعتراف لرؤساء الدول أو الحكومات بالحق فى اختيار الوسائل التى يرونها مناسبة للدفاع عن المصالح الوطنية، بما فى ذلك الحق فى استخدام وسائل القمع والإكراه فى الداخل أو الوسائل العسكرية فى الخارج، فقد كان من الطبيعى أن يترتب على الاتجاه المتزايد نحو تضييق نطاق هذا المفهوم اتجاه مواز بالحد من حرية رؤساء الدول والحكومات فى اختيار الوسائل التى يرونها مناسبة لتحقيق المصالح الوطنية لبلادهم.
لذا كان من الطبيعى أن يسعى القانون الدولى للتطور فى اتجاهين، الأول: الحد من الاستخدام الفعلى للقوة أو التهديد باستخدامها فى الخارج، والثانى: الحد من استخدام وسائل القمع والإكراه فى الداخل، خاصة تلك التى تترتب عليها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، كجرائم الحرب، أو الجرائم ضد الإنسانية، أو جرائم الإبادة الجماعية، وهو التطور الذى أفضى إلى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية.
لقد اعتبر كثيرون- وأنا واحد منهم - أن إنشاء مثل هذه المحكمة يعد فى حد ذاته تطورا بالغ الأهمية، ولكن شريطة أن تتبعه خطوات وضمانات إضافية. وأذكر أن السيد محمد فائق كان قد دعانى فور إقرار المعاهدة المنشئة للنظام الأساسى لهذه المحكمة، لتقديم ورقة العمل الرئيسية فى حلقة نقاشية عقدت فى مقر المنظمة العربية لحقوق الإنسان التى كان يشغل فى ذلك الوقت منصب أمينها العام.
وكان تقديرى حينذاك، أى منذ أكثر من عشر سنوات، أن هذه الخطوة ستشكل إضافة كبرى فى الاتجاه الصحيح إذا استكملت بخطوتين إضافيتين، الأولى: تصديق جميع الدول الفاعلة عليها، والثانية: إعادة تشكيل مجلس الأمن ووضع ضوابط على استخدام حق الفيتو. ففى غياب تصديق الدول الفاعلة، يمكن أن ينشأ وضع معيب، شبيه بوضع نظام حظر الانتشار النووى.
 فكما أدى نظام الحظر النووى إلى وجود نوعين من الدول: أحدهما له الحق فى امتلاك سلاح نووى ولا يخضع للتفتيش الدولى، وآخر ليس له حق امتلاكه ويخضع للتفتيش، يمكن للنظام الجنائى الدولى أن يؤدى إلى وجود نوعين من الدول: أحدهما غير قابل للخضوع للمحكمة، مهما ارتكب من جرائم، والآخر يمكن إخضاعه لاختصاصها حتى ولو لم يكن طرفا فى نظامها الأساسى! وهذا هو ما حدث بالضبط.. ولكى تتضح لنا طبيعة وحجم الهوة، فلنتأمل معا هذه المفارقة:
فى أبريل عام 2003، بدأ السودان، وهو ليس طرفا فى النظام الأساسى للمحكمة، حملة عسكرية لقمع تمرد، تقوم به منظمات مسلحة فى إقليم دارفور، أما الولايات المتحدة، وهى أيضا ليست طرفا فى النظام الأساسى للمحكمة الجنائية، فكانت قد بدأت قبل ذلك بأسابيع شن عدوان عسكرى على العراق، بحجة امتلاكه أسلحة دمار شامل.
ولأن مجلس الأمن يملك، وفقا للمادة 12 من النظام الأساسى للمحكمة، أن يطلب إلى المدعى العام مباشرة التحقيق مع مسؤولين فى أى دولة تثور حولها شبهة ارتكاب جرائم تدخل فى نطاق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، فقد استخدم صلاحياته بالنسبة للمسؤولين السودانيين فقط. أما بالنسبة للمسؤولين الأمريكيين فلم يكن الأمر مطروحا أصلا، على الرغم من أن الجرائم التى ارتكبتها الولايات المتحدة فى العراق أكبر وأفظع، بما لا يقارن بالجرائم التى ارتكبتها السودان فى دارفور.
 فالتدخل العسكرى للجيش السودانى فى دارفور مبرر قانونا، لأنه ضد تمرد وقع فى إقليم يخضع لسلطة الحكومة المركزية فى السودان، لكن التجاوز الذى حدث فى حق المدنيين غير قابل للتبرير، ويعد جريمة يعاقب عليها القانون الدولى دون شك.
 أما التدخل العسكرى الأمريكى فى العراق فهو غير جائز أصلا من الناحية القانونية، لأنه تم دون تصريح من مجلس الأمن ولأسباب ثبت أنها كاذبة ومختلقة من الأساس. لذا يشكل عدوانا واضحا وصريحا، وبالتالى جريمة يعاقب عليها القانون الدولى، خصوصا أن المآسى والكوارث الإنسانية التى نجمت عنها أكبر، بما لا يقاس بالمآسى التى نجمت عن التدخل العسكرى للجيش السودانى فى دارفور.
لا أريد هنا أن أدخل فى جدل فقهى حول الأسباب التى أدت بالمدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى أن يباشر تحقيقا فى جرائم دارفور ينتهى بإصدار قرار من الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة بالقبض على رئيس الدولة السودانى، أو تلك التى غُلّت يده تماما عن التحقيق فى جرائم العراق، وخروج الرئيس بوش سالما من البيت الأبيض ليتوجه إلى مزرعته فى تكساس، على الرغم من تسببه فى قتل أكثر من مليون مواطن عراقى، وفى نزوح وتهجير ملايين آخرين، وفى تعذيب واغتصاب آلاف الرجال والنساء.
 فكيف يمكن للمواطن العادى فى العالمين العربى والإسلامى أن يصدق أن المجتمع الدولى يطبق القانون ويحرص على سلامة المواطن المسلم فى دارفور ومعاقبة من انتهك حقوقه، فى الوقت الذى تنتهك فيه حياة ملايين العرب والمسلمين فى العراق وفلسطين وأفغانستان وغيرها؟! من حق هذا المواطن أن يصرخ متسائلا: أليس هؤلاء أيضا بشرًا يستحقون الأمن والحماية؟.
 ولأن لديه إجابة عن السؤال المطروح، تبدو واضحة تماما فى ذهنه، فلا يبدو هذا المواطن العادى مقتنعا البتة بنبل الدوافع وراء طلب مثول البشير أمام المحكمة الدولية، ويرى فيه مؤامرة تستهدف السودان. وقد يبدو غريبا على باحث مثلى أن يشاطر المواطن العادى تماما هذا التفسير، الذى يبدو للبعض عاطفيا وغير مدروس.
ربما يكون بوسعى كباحث فى القانون الدولى، وهو أحد فروع العلوم السياسية، أن أدرك الأسباب الإجرائية أو الشكلية التى تحول دون محاكمة بوش أو أولمرت، لكننى، شأنى فى ذلك شأن المواطن العربى أو المسلم العادى، لست مقتنعا بها مطلقا وأرى فيها دليلا إضافيا على تهافت القانون الدولى. ولأنه قانون يرتكز على موازين قوة تبدو مختلة تماما فى الوقت الحاضر لغير صالح العرب والمسلمين, فليس من المستغرب أو المستبعد أن يميز ضدهم.
فمن الطبيعى أن يرتبط القانون كمفهوم بقيمة العدل لأنه إذا انتفى العدل انتفى القانون، فلا معنى لقانون لا يبغى تحقيق العدالة، ولكى تتحقق العدالة لابد من توافر شرطين، الأول: أن تكون الجهة التى تصدر القانون معبرة تعبيرا صادقا وأمينا عن إرادة المواطنين، وهو ما لا يتأتى إلا إذا كانت هذه الجهة منتخبة انتخابا حرا وديمقراطيا من خلال عملية اقتراع نزيهة. والثانى: أن تكون الجهة التى تنفذه أو تطبقه خاضعة للمحاسبة والمسؤولية وقادرة على فرض إرادتها على عموم المواطنين دون تمييز.
ولأن هذين الشرطين ليسا متوافرين فى النظام الدولى فمن البديهى أن تنتفى فكرة القانون الدولى أصلا. فالنظام الدولى، يخلو حتى الآن من هيئة تملك سلطة تشريعية حقيقية، كما يخلو من سلطة تنفيذية تخضع للمساءلة والرقابة السياسية أو القضائية. فلا الجمعية العامة سلطة تشريع منتخبة ديمقراطيا، ومجلس الأمن يبدو أشبه ببوليس دولى تابع لحكومة خفية تطبق قانونها الخاص، وبشكل تمييزى وأحيانا عنصرى.
نحن لا نعارض محاكمة البشير أو أى مستبد عربى آخر، شريطة أن يسبقه بوش وأولمرت ومن على شاكلتهما!. ليس هذا دفاعا عن البشير ولكن عن العدالة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.