تداعيات خطيرة للقرار الأمريكي بتوظيف أموال المعاشات في العملات المشفرة    المحادثات الأمريكية الروسية تدفع الذهب لخسارة جميع مكاسبه    «قطاع الأعمال العام»: مشروعات كبرى في مجمع الألومنيوم بنجع حمادي    مصطفى شلش يكتب: التحالف التركي- الباكستاني- الليبي    طهران تقرر مواصلة المشاورات مع وكالة الطاقة الذرية بعد الاجتماع مع نائب مدير الوكالة    «مشاركة شوبير كانت مفاجأة».. طارق سليمان يتحدث عن موقف الشناوي من مباراة الأهلي القادمة    ارتفاع درجات الحرارة.. طقس المنوفية اليوم الثلاثاء 12 أغسطس 2025    درجة الحرارة 49.. تحذير شديد بشأن حالة الطقس والموجة الحارة: «أغسطس على صفيح ساخن»    تسجل 48 درجة.. بيان مهم يكشف ذروة الموجة شديدة الحرارة وطقس الساعات المقبلة    ذاكرة الكتب| مشروع استيطاني.. عبدالوهاب المسيري يفتح الصندوق الأسود ل«الصهيونية»    ترجمات| «بلزاك» يرسم صورة حقيقية للمجتمع الفرنسي في «الكوميديا الإنسانية»    واجهة المكتبات «ظل الأفعى» فن استرضاء الزوجة.. و«عطية وموسوليني»: «عكننة وضحك ودموع»    «مشروب المقاهي الأكثر طلبًا».. حضري «الزبادي خلاط» في المنزل وتمتعي بمذاق منعش    انتشال سيارة سقطت بالترعة الإبراهيمية بطهطا.. وجهود للبحث عن مستقليها.. فيديو    انقلاب مقطورة محملة بالرخام أعلى الطريق الأوسطى...صور    محمد سعيد محفوظ يروى قصة تعارفه على زوجته: رسائل من البلكونة وأغاني محمد فؤاد    أحاديث السياسة على ألسنة العامة    عماد أبو غازي: المصريون خاضوا معركة من أواخر القرن ال18 ليحكموا بلدهم بأنفسهم    ترامب: سأبحث مع بوتين حدود أوكرانيا المستقبلية    الجدول الزمني لجولة الإعادة في انتخابات مجلس الشيوخ 2025    أخبار 24 ساعة.. 271 ألفا و980 طالبا تقدموا برغباتهم على موقع التنسيق الإلكترونى    إطلاق منظومة التقاضى عن بعد فى القضايا الجنائية بمحكمة شرق الإسكندرية.. اليوم    أهم الأخبار العربية والعالمية حتى منتصف الليل.. دعم أوروبي للخطوات الأمريكية لوقف حرب أوكرانيا.. الأمم المتحدة: مستشفيات غزة تكتظ بالمرضى وسبل النجاة من المجاعة منعدمة.. واستشهاد 13 بينهم 8 من منتظري المساعدات    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال الإسرائيلي على حي تل الهوا بمدينة غزة    كيفية شراء سيارة ملاكي من مزاد علني يوم 14 أغسطس    كريستيانو رونالدو يطلب الزواج من جورجينا بعد إنجاب طفلين    غدا.. اتحاد الكرة يغلق باب القيد الصيفى لأندية القسم الثالث    أخبار الاقتصاد اليوم: صعود أسعار كرتونة البيض وتراجع سعر الذهب.. ارتفاع استهلاك الشاي عالميا إلى 7.4 مليار كيلوجرام.. والبورصة تخسر مليار جنيه بختام التعاملات    حدث بالفن | حقيقة لقاء محمد رمضان ولارا ترامب وجورجينا توافق على الزواج من رونالدو    نظير عياد يستقبل مفتي القدس لدى وصوله القاهرة للمشاركة في المؤتمر العالمي العاشر للإفتاء    قرار جديدة من الإسكان بشأن حجز شقق ديارنا في 18 مدينة    8 سبتمبر نظر دعوى حظر تداول "جابابنتين" وضمه لجداول المخدرات    وكيل وزارة الصحة بدمياط يتابع رفع كفاءة مستشفى كفر سعد المركزي    ترامب يصدر أمرًا تنفيذيًا لتمديد الرسوم الجمركية على الصين 90 يومًا إضافية    اندلاع حريق غابات جديد غربي تركيا    برشلونة يكتفي بالصفقات الثلاث في الانتقالات الصيفية    سمية صفوت: هناك أشخاص جاهزون لقيادة الإسماعيلي فور سحب الثقة من مجلس أبوالحسن    غدًا.. «الوطنية للانتخابات» تعلن نتيجة انتخابات مجلس الشيوخ 2025    محمد حسن يبدأ التدريبات الفردية تمهيدًا لعودته للمشاركة مع الإسماعيلي    الشاي الأخضر.. مشروب مفيد قد يضر هذه الفئات    اللاعب لا يمانع.. آخر تطورات انتقال باليبا إلى مانشستر يونايتد    هل يشعر الموتى بالأحياء؟.. أمين الفتوى يجيب    4 تفسيرات للآية «وأما بنعمة ربك فحدث».. رمضان عبدالمعز يوضح    أجمل عبارات تهنئة بالمولد النبوي الشريف للأهل والأصدقاء    محافظ المنيا يوجّه بوقف العمل خلال ساعات الذروة    قيادات تعليم السويس تودّع المدير السابق بممر شرفي تكريمًا لجهوده    محافظ الأقصر يبحث رفع كفاءة الوحدات الصحية واستكمال المشروعات الطبية مع وفد الصحة    أنا مريضة ينفع آخد فلوس من وراء أهلي؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    مجلس صيانة الدستور الإيراني: نزع سلاح حزب الله حلم واهم    جدول مواقيت الصلوات الخمسة غدا الثلاثاء 12 أغسطس في المنيا والمحافظات    إقبال كثيف على شواطئ الإسكندرية مع ارتفاع الحرارة ورفع الرايات التحذيرية    اللجنة الفنية في اتحاد الكرة تناقش الإعداد لكأس العرب    الجامعة المصرية للتعلم الإلكتروني الأهلية تشارك في بطولة العلمين للجامعات    جريمة أخلاقية بطلها مدرس.. ماذا حدث في مدرسة الطالبية؟    أمين الفتوى: الحلال ينير العقل ويبارك الحياة والحرام يفسد المعنى قبل المادة    التعليم تصدر بيانا مهما بشأن تعديلات المناهج من رياض الأطفال حتى ثانية إعدادي    الصحة: 40 مليون خدمة مجانية في 26 يومًا ضمن «100 يوم صحة»    بعد تعنيفه لمدير مدرسة.. محافظ المنيا: توجيهاتي كانت في الأساس للصالح العام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تداعيات تقرير جولدستون
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 10 - 2009

لم يكن باستطاعة من اتخذ القرار بتعطيل تصويت مجلس حقوق الإنسان بجنيف على تقرير القاضى جولدستون فى الأول من أكتوبر، أن يختار توقيتا أسوأ من التوقيت الذى اختاره ليدفن التقرير حتى مارس 2010. فإسرائيل ماضية فى عملية الاستيطان غير مكترثه بتوسلات ميتشيل وغيره، وكما هى سائرة دون هوادة فى عملية تهويد القدس وتدنيس ساحة الحرم. وجاء هذا التوقيت ليضع عقبة جديدة على طريق المصالحة الفلسطينية التى تتبناها مصر، متزامنا مع محاولات جديدة لأوباما لإحياء عملية السلام. لست على يقين من أننا سنعرف فى يوم من الأيام الأسباب الحقيقية لقرار السلطة الفلسطينية بتأجيل التصويت على التقرير، وهل جاء ذلك بناء على ضغوط أمريكية وإسرائيلية أم نتيجة عملية ابتزاز أو فى أحسن الأحوال توصل السلطة إلى قناعة إلى أن التقرير لابد أن يصطدم بفيتو أمريكى عندما يذهب إلى مجلس الأمن، بل ربما فيتو روسى بسبب أحداث مماثلة فى الشيشان أو حتى فيتو صينى بسبب أحداث إقليم سينجيانج.
على أى حال، نحمد الله أن الغشاوة ما لبثت أن انقشعت عن أعين من اتخذ قرار التأجيل فى البداية، وتم عرض التقرير فى دورة استثنائية لمجلس حقوق الإنسان يوم 15 أكتوبر. وحظى التقرير بتأييد 25 دولة هى بالإضافة إلى الدول العربية والإسلامية وغالبية الدول الأفريقية وكذلك الصين وروسيا والهند، وست من أهم دول أمريكا اللاتينية وهى البرازيل والأرجنتين وشيلى وبوليفيا وكوبا ونيكاراجوا. أما الدول التى اعترضت على التقرير فقد بلغ عددها ست دول بزعامة الولايات المتحدة.. ولم يشفع وجود أوباما على رأس السلطة وأحاديثه التى أسرت قلوب وعقول العالمين العربى والإسلامى، من أن تتخذ أمريكا مواقف تعودنا عليها أيام بوش الابن. والغريب أن بلدا مثل إيطاليا انضمت إلى جوقة المعترضين! أما الدول التى امتنعت عن التصويت فبلغت 11 دولة منها دول صديقة مثل اليابان والنرويج والمكسيك، بل وثلاث دول أفريقية هى بوركينافاسو والكاميرون والجابون. وهناك مجموعة رابعة من الدول وعددها خمس دول لم تقترع على الإطلاق وللأسف الشديد تضم كلا من فرنسا وبريطانيا. ولا نعلم إذا كان هذا العدد الكبير من المعترضين والممتنعين وغير المقترعين (22 دولة) كان بسبب تأرجح السلطة الفلسطينية بين سحب التقرير ثم عرضه بعد ذلك بأسبوعين فقط، أم جاء نتيجة ضغوط أمريكية وإسرائيلية. المهم فى تصورى أننا بحاجة لتحليل وتقييم مواقف الدول المختلفة بما يحويه ذلك من دلالات وما ينتظر أن يحدثه من تداعيات على مواقفها عندما ينتقل الموضوع إلى الأمم المتحدة.
جاء الآن الوقت للتعرض إلى ما حواه هذا التقرير. وسأكتفى بإبراز لبعض ما ورد فى الاستنتاجات والتوصيات التى انتهى إليها التقرير.. ما قاله جولدستون ومعاونوه فاق كل التصور فى إدانة وتجريم إسرائيل. لذلك فالضجة التى أثارتها إسرائيل حول التقرير لها كل ما يبررها.
يقول تقرير جولدستون «إن العملية العسكرية التى وقعت فى غزة من ديسمبر 2008 إلى يناير 2009، وآثارها لا يمكن فمهما أو تقييمها بمعزل عن التطورات السابقة اللاحقة لها»!. ويضيف التقرير «أن هذه العملية تتدرج فى إطار سلسلة من السياسات الرامية إلى مواصلة السعى لتحقيق الأهداف السياسية الإسرائيلية تجاه غزة والأرض الفلسطينية المحتلة ككل. والعديد من هذه السياسات يستند أو يفضى إلى انتهاكات لحقوق الإنسان الدولى والقانون الإنسانى الدولى». ويشير التقرير إلى «سياسة الحصار التى سبقت العمليات والتى ترقى فى نظر بعثة تقصى الحقائق إلى عقوبة جماعية تفرضها الحكومية الإسرائيلية عمدا على سكان قطاع غزة. فعندما اندلعت العمليات، كان قطاع غزة يخضع لنظام صارم من الإغلاق وتقييد حركة السكان والسلع والخدمات على مدى ثلاث سنوات تقريبا. وقد شمل ذلك الاحتياجات الأساسية للحياة مثل الغذاء والإمدادات الطبية والمنتجات المطلوبة لاستمرار الحياة اليومية، كالوقود والكهرباء واللوازم المدرسية ومواد الترميم والبناء». ويشير التقرير إلى أن «عدة تدابير اتخذتها إسرائيل تجاه الضفة الغربية فى أثناء وعقب العمليات العسكرية على قطاع غزة، أدت إلى زيادة السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وتشمل هذه التدابير زيادة مصادرة الأراضى وهدم المنازل وإصدار أوامر بالهدم ورخصًا لبناء مساكن فى المستوطنات». ولمن يريد الاستزادة يقول التقرير: «وكانت الجهود المنهجية لعرقلة وتقييد العمليات الديمقراطية التى قررها الفلسطينيون بأنفسهم، ليس أقلها اعتقال الممثلين السياسيين المنتخبين وأعضاء من الحكومة ومعاقبة سكان غزة بسبب ما تعتبره إسرائيل دعما لحماس، قد توجت بشن هجمات على مبان حكومية فى أثناء الهجوم على غزة وعلى رأس هذه المبانى مبنى المجلس التشريعى». ثم يشير التقرير إلى «الإخفاق المتكرر فى التمييز بين المقاتلين والمدنيين. بدا للبعثة أنه كان ناتجا عن توجيهات مقصودة صدرت للجنود على غرار ما أوضحه بعضهم، وليس ناتجا عن هفوات تحدث من حين لآخر». ويتحدث التقرير عن «استخدام الدروع البشرية» ويبرز «أن الهجوم الإسرائيلى كان هجوما يشكل متعمد قصد به معاقبة السكان المدنيين وإذلالهم وإرهابهم». كما يشير إلى الأسلحة التى استعملتها القوات الإسرائيلية ورأت أن استعمال الفوسفور الأبيض لابد أن يحظر بسبب عدد وتنوع المخاطر المرتبطة باستعمال هذه المادة الكيميائية الذاتية الاشتعال.
وكان من الطبيعى أن تنال حماس نصيبها من الإدانة بسبب إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون وعدم تمييزها بين الأهداف العسكرية والسكان المدنيين. غير أن التقرير ذكر بكل وضوح «أنه لا يمكن المساواة بين وضع إسرائيل كسلطة احتلال ووضع الشعب الفلسطينى المحتل أو الكيانات التى تمثله.. والفروق بين الوضعين فيما يخص القوة والقدرة على إلحاق الأذى أو توفير الحماية بينة والمقارنة بينهما لا هى ممكنة ولا هى ضرورية».
وينتهى تقرير جولدستون إلى مجموعة من التوصيات موجهة إلى مجلس الأمن، وإلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وإلى حكومة إسرائيل، وإلى الجماعات المسلحة الفلسطينية، وإلى السلطات الفلسطينية المسئولة وإلى المجتمع الدولى.
وأكتفى هنا بالتوصيات الموجهة إلى مجلس الأمن وإلى الجمعية العامة. فبالنسبة لمجلس الأمن توصى البعثة بأن يطلب مجلس الأمن حكومة إسرائيل بما يلى:
أن تتخذ جميع الخطوات الملائمة فى غضون فترة ثلاثة أشهر، لبدء تحقيقات ملائمة تكون مستقلة ومطابقة للمعايير الدولية، فى الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنسانى الدولى ولقانون حقوق الإنسان الدولى التى تناولها التقرير.
أن تبلغ مجلس الأمن فى غضون فترة أخرى قدرها ثلاثة أشهر بالإجراءات المتخذة أو الجارى اتخاذها من جانب حكومة إسرائيل للتحرى عن هذه الانتهاكات الخطيرة والتحقيق فيها والمقاضاة بشأنها.
توصى البعثة بأن ينشئ مجلس الأمن لجنة خبراء مستقلة لرصد أى إجراءات قانونية تتخذها حكومة إسرائيل وتقوم هذه اللجنة بتقديم تقرير فى نهاية فترة الأشهر الستة إلى مجلس الأمن.
كما توصى بأن ينظر مجلس الأمن فى الوضع لدى تلقى تقرير اللجنة وبإحالة الوضع فى غزة إلى مدعى المحكمة الجنائية الدولية فى حالة إذا لم تكن السلطات المختصة لدولة إسرائيل قد باشرت أو تباشر فعلا فى غضون ستة أشهر بإجراء تحقيقات بحسن نية تكون مستقلة ومطابقة للمعايير الدولية، ويتصرف مجلس الأمن وهو يفعل ذلك فى إطار الفصل السابع من الميثاق (المتعلق بالعقوبات).
أما بالنسبة للتوصيات الموجهة إلى الجمعية العامة فتوصى البعثة بأن تطلب الجمعية العامة إلى مجلس الأمن إبلاغها بالتدابير المتخذة فيما يتعلق بضمان المحاسبة عن الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنسانى الدولى وحقوق الإنسان فيما يتعلق بالوقائع الواردة فى هذا التقرير، ويمكن للجمعية العامة أن تنظر فيما إذا كان يلزم اتخاذ إجراءات إضافية فى حدود سلطاتها حرصا على العدالة بما فى ذلك اتخاذ إجراءات فى إطار قرارها المتعلق «بالاتحاد من أجل السلم».
أقامت إسرائيل الدنيا ولم تقعدها بعد أن تم تبنى التقرير من قبل مجلس حقوق الإنسان وأعلن نتنياهو شن الحرب على التقرير وضرورة اتخاذ الإجراءات ضده، مضيفا أن الأمم المتحدة قد عادت إلى تلك الأيام السوداء التى تم فيها المساواة بين الصهيونية والعنصرية! الواقع أن إسرائيل هى نفسها التى تساوى بين الصهيونية والعنصرية بمطالبتها أن يعترف بها كدولة يهودية خالصة.
نحن أمام تقرير ليس كغيره من التقارير، فضح الممارسات الإسرائيلية دون تحفظ. ولعل أخطر ما فيه هو أنه يفتح الباب أمام إحالة الموضوع إلى المحكمة الجنائية الدولية التى تبحث ارتكاب جرائم الحرب. غير أن هناك معركة شرسة تنتظرنا فى الأمم المتحدة وعلينا أن نعد لها العدة لنخوضها مهما طالت وتشعبت. أعتقد أن هذا التقرير لا يقل فى أهميته عن الرأى الاستشارى لمحكمة العدل الدولية الذى صدر فى شأن الجدار العنصرى العازل فى الأراضى المحتلة والذى اعتبرته المحكمة عملا غير مشروع ويمثل انتهاكا لأحكام القانون الدولى.
كتب ريتشارد فولك وهو المقرر الخاص لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لشئون الأراضى الفلسطينية المحتلة (وهو بالمناسبة يدين باليهودية أيضا، شأنه فى ذلك شأن جولدستون) تعليقا على تقرير جولدستون ربما يكون من أروع ما كتب حول التقرير. عدد فولك فيما كتبه أسباب الثورة العارمة التى اندلعت فى إسرائيل من جراء التقرير.
وأرجع أسباب غضبة إسرائيل إلى أربعة عوامل، أولها أنه لا يمكن لأحد أن يتشكك فى نزاهة ومصداقية واضع التقرير. والثانى هو أنه إن أمكن لإسرائيل الاعتماد على الموقف الأمريكى وبعض المواقف الأوروبية لإيقاف سلسلة الإجراءات فى مجلس الأمن التى أوردها التقرير، فإن أثر ذلك سيكون بمثابة صدمة قاسية للرأى العام العالمى والمدافعين عن العدالة وسيادة القانون. وثالثا فإن التقرير يصرف النظر عما يحدث فى مجلس الأمن، سيشد أزر الحملة التى نشطت بالفعل، ومنذ العدوان على غزة المطالبة بفرض العزلة الدولية على إسرائيل وعدم الاستثمار فى الشركات المرتبطة بها بأنشطتها غير القانونية فى الأراضى المحتلة ومقاطعتها ثقافيا ورياضيا، تماما مثل الحملة التى شنت ضد حكومة جنوب أفريقيا وأدت إلى سقوط نظام التفرقة العنصرية فيها. ويرى فولك أن مثل هذه الحملة ضد إسرائيل ستكون أقوى أثرا وأمضى سلاحا من أعمال المقاومة المسلحة الفلسطينية.أما العامل الرابع للتخوف الإسرائيلى فيرجع إلى أن التقرير يعطى الضوء الأخضر للمحاكم فى مختلف الدول لتطبيق أحكام القانون الجنائى الدولى ضد من يشتبه فى ارتكابه جرائم حرب من الإسرائيليين. ويمكن لهذه المحاكم إصدار الأحكام الرادعة فى حق هؤلاء تأسيسا على مبدأ الولاية القانونية الدولية الشاملة Universal Jurisdiction.
وهناك العديد من «المطاردين» من دول عدة والمطلوبين للمثول أمام محاكم لم تقع الجرائم التى ارتكبوها على أراضى هذه الدول التى توجد بها المحاكم نفسها، وأشهر الأمثلة على ذلك محاولة محاكمة الرئيس الشيلى السابق بينوشيه فى إسبانيا. والسعى لتقديم شارون للمحاكمة فى بلجيكا. إنما أحدث هذه الوقائع تلك التى حدثت يوم 5 أكتوبر الحالى حينما عدل نائب رئيس إسرائيل موشى يألون عن السفر إلى لندن لحضور حفل جمع تبرعات للجنود الإسرائيليين بعدما نصحته الإدارة القانونية الإسرائيلية بعدم دخول الأراضى البريطانية خشية القبض عليه بسبب مسئوليته عندما كان يتولى منصب رئيس أركان الحرب فى إسرائيل عن قيام طائرة إسرائيلية بقصف منزل قائد الجناح العسكرى لحماس فى غزة عام 2002 مما أدى إلى استشهاده هو وزوجته و13 مدنيا من بينهم الأطفال.
أصبح الإسرائيليون الآن مطاردين وملاحقين من قبل العدالة المتمثلة فى المحاكم المحلية أو المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان أو المحكمة الدولية لجرائم الحرب، لا عاصم لهم مما يفرضه الحق وتقتضيه العدالة. لاشك أن من ارتكب هذه الجرائم سيتوجس خيفة من الملاحقة فى كل خطوة يخطوها وفى أى بلد يحل به وستضيق الأرض به على سعتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.