أصدرت المحكمة الجنائية الدولية يوم 10يوليو الجارى بيانا أوضحت فيه أنه فى ضوء تقرير البعثة الدولية فى دارفور وتحقيقات المحكمة والأدلة التى توصلت إليها، فقد أحالت إلى مجلس الأمن كل هذه الوقائع حيث شرع المجلس بالفعل منذ يوم 10/7 فى نظر الملف كاملاً. أشارت المحكمة إلى أنها تبحث إصدار أمر بضبط وإحضار الرئيس البشير ونائبه لمحاكمتهما والاستعانة فى ذلك بمجلس الأمن. لقى هذا البيان ترحيباً حاراً من منظمات حقوق الإنسان ومن المواقع الإلكترونية الواسعة التى أنشأتها إسرائيل والأوساط الصهيونية والجماعات التى أنشأتها لمساندة ضحايا دارفور وترويج معلومات بأن الضحايا يزيد عددهم على ثلث المليون، بينما اللاجئون والمشردون يتجاوزون المليونين والنصف. هذا التطور الخطير أعقب الإعلان فى منتصف يونيو من جانب المحكمة الجنائية الدولية بأنها تراجعت عن خطة لخطف طائرة أحمد هارون وزير الداخلية السودانى السابق الذى اتهم وخمسون سودانياً من المسئولين بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1593 والذين أحالهم المجلس إلى المحكمة للتحقيق، وأصدرت قرارها بالاتهام. ولذلك لا مفر من تحليل أبرز الجوانب القانونية والسياسية وآثارها على مجمل الملف فى دارفور. أولاً: لا نزاع فى أن الجانب الإنسانى فى المشكلة يستحق الاهتمام وأنه لا يمكن السكوت على أية جرائم خطيرة ترتكب ضد السكان، ولكن تصعيد الجانب الإنسانى والتركيز على جرائم الحكومة دون المتمردين وعدم الضغط عليهم لتوقيع اتفاق أبوجا الذى وقعته الحكومة أثار التساؤل. وهذا الاهتمام اللافت بالجانب الإنسانى فى دارفور من جانب مجلس الأمن والمحكمة والحكومة الأمريكية فى الوقت الذى يساندون فيه الإجرام الصهيونى ويسكتون على الإجرام الأمريكى فى العراق وأفغانستان والسجل المخزى لانتهاكات حقوق الإنسان، بل اغتيال حقوق الإنسان. الحماية الدولية، هذه القوات وكذلك الحكومة الهولندية تتمتع بالحصانة القضائية. ثانياً: من الناحية القانونية تتمتع القيادة السودانية بحصانة الدولة وهو مبدأ مستقر فى القانون الدولى وأكدته محكمة العدل الدولية عام 2003 عندما أصدر القضاء البلجيكى مذكرة توقيف ضد وزير خارجية الكونغو بتهمة ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية فرفعت الكونغو القضية التى صدر بشأنها هذا الحكم الشهير، رغم أننا انتقدناه بسبب جسامة الجرائم التى يمكن الإفلات منها بسببه. وقد سبق أن أثير نفس الموضوع عندما اعتزم شارون زيارة بلجيكا فانتظره أمر القاضى بالقبض عليه فى قضية رفعها أهالى ضحايا صبرا وشاتيلا، وتم تعديل المادة 12 من قانون الإجراءات الجنائية البلجيكى لينسجم مع حكم المحكمة السابق. ثالثاً: صحيح أن المحكمة الجنائية الدولية تستطيع أن تستعين بمجلس الأمن ولكن الفيتو الروسى والصينى قطعا فى انتظار أى اقتراح أمريكى بالقبض على البشير، والسند القانونى هو مبدأ حصانة الدولة من ناحية، ومبدأ قيام كل المنظمات الدولية على مبدأ سيادة الدولة. ولماذا لم تستعن محكمة العدل الدولية بمجلس الأمن لإرغام إسرائيل على تنفيذ رأيها الاستشارى - وهو أقوى من الحكم القضائى - فى قضية الجدار العازل واستكانت الأممالمتحدة بضغط واشنطن إلى السكوت على تصرف المحكمة العليا الإسرائيلية التى أبدت كل الاحتقار للمحكمة العالمية فى هذا الصدد. إننى أهيب بكل المنظمات الحقوقية العالمية والعربية أن تقدم إلى المحكمة بلاغاً بجرائم أمريكا فى العراق وفلسطين وأفغانستان والسجون العسكرية الأمريكية وجرائم إسرائيل اليومية فى فلسطين ومشروعها الصهيونى الذى يعد جريمة مستمرة يساهم العالم كله فى تنفيذها، وكذلك جرائم الإبادة فى لبنان خلال عدوان 2006 الذى انتهى بإدانة الضحية فى القرار 1701. رابعاًً: إن سلوك المحكمة الجنائية الدولية السياسى يقطع بأن واشنطن التى تحتقر القضاء الدولى عموماً والجنائى خصوصاً وتحارب هذه المحكمة بطرق لا يتسع المقام لتفصيلها تسيطر تماماً على عملها، بل إن المحكمة نفسها فقدت المصداقية بعد أن اعترفت بأنها خططت لخطف طائرة أحمد هارون المتهم من جانبها خلال رحلة للحج. فى دارفور فى سياق الحمى التى خلقها الغرب ومساندته للمتمردين ضد الحكومة، ولكن المتمردين الذين وظفتهم أمريكا وإسرائيل فى حرب سياسية مؤلمة يتاجرون بالقضية ويرتكبون أبشع الجرائم. والحل يجب أن يبدأ بدفع التمرد إلى الانضمام إلى اتفاق أبوجا، ووضع القضية فى إطارها السودانى والأفريقى والعربى.