الداخلية السعودية تحذر حملات الوهمية والمكاتب غير المرخصة لخدمة الحجاج    تشكيل زد لمواجهة سموحة في الدوري    أمين (البحوث الإسلامية) يتابع جهود وعَّاظ الأزهر في توعية الحُجَّاج بمطار القاهرة    بالصور.. «السياحة والآثار» تتسلم 7 قطع أثرية مستردة من فرنسا    قصور الثقافة تختتم عروض مسرح إقليم شرق الدلتا ب«موسم الدم»    خالد الجندي: الصفح الجميل أرفع مراتب العفو.. والطلاق الجميل خلق قرآني نفتقده    ميلانيا ترامب تنفي شائعة رفض "هارفارد" لبارون: "لم يتقدم أصلاً"    صدمته سيارة أثناء أداء عمله.. أهالي المنوفية يشيعون جثمان اللواء حازم مشعل    وفاة 70 شخصا جراء وباء الكوليرا في العاصمة الخرطوم خلال يومين فقط.    رئيس الوزراء يتابع جهود توطين صناعة الحرير في مصر    وزير الثقافة يلتقي المايسترو سليم سحاب لاكتشاف المواهب الموسيقية ب قصور الثقافة    كامل أبو علي: تراجعت عن الاستقالة استجابة لجماهير المصري.. ونسابق الزمن لإنهاء مشروع الاستاد    الإفتاء: توضح شروط صحة الأضحية وحكمها    أجمل ما يقال للحاج عند عودته من مكة بعد أداء المناسك.. عبارات ملهمة    رواتب مجزية ومزايا.. 600 فرصة عمل بمحطة الضبعة النووية    مجلس جامعة القاهرة يثمن قرار إعادة مكتب التنسيق المركزي إلى مقره التاريخي    وزير التعليم يلتقي أحد الرموز المصرية الاقتصادية العالمية بجامعة كامبريدج    الصحة العالمية: شركات التبغ تغرى النساء والشباب بأكثر من 16 ألف نكهة    رئيس جامعة بنها يتفقد سير الامتحانات بكلية الهندسة- صور    وزير الثقافة يتابع حالة الأديب صنع الله إبراهيم عقب تعافيه    انتهاء رحلة ماسك في البيت الأبيض.. بدأت بفصل آلاف الموظفين وانتهت ب«خيبة أمل»    بين التحضير والتصوير.. 3 مسلسلات جديدة في طريقها للعرض    يوم توظيفي لذوي همم للعمل بإحدى شركات صناعة الأغذية بالإسكندرية    الحكومة تعلن موعد إجازة عيد الأضحى (تعرف عليها)    دموع معلول وأكرم واحتفال الدون وهدية القدوة.. لحظات مؤثرة في تتويج الأهلي بالدوري.. فيديو    رسميًا.. بايرن ميونيخ يُعلن عن أولى صفقاته الصيفية استعدادًا لمونديال الأندية 2025    مدبولى يستعرض نماذج استجابات منظومة الشكاوى الحكومية لعدد من الحالات الإنسانية    إصابة 7 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة ميكروباص بالفيوم    حملات تفتيشية على محلات اللحوم والأسواق بمركز أخميم فى سوهاج    «هكر صفحة زميلته» ونشر صورًا وعبارات خادشة.. حبس موظف وتغريمه أمام المحكمة الاقتصادية    رئيس جهاز حماية المستهلك: المقر الجديد بمثابة منصة حديثة لحماية الحقوق    الكرملين: أوكرانيا لم توافق بعد على عقد مفاوضات الاثنين المقبل    كأس العالم للأندية.. إقالة مدرب باتشوكا المكسيكي قبل مواجهة الأهلي وديًا    الصادرات الهندسية تقفز 19% لتسجل 2.1 مليار دولار حتى أبريل 2025    بالصور- وقفة احتجاجية لمحامين البحيرة اعتراضًا على زيادة الرسوم القضائية    رئيس قطاع المتاحف: معرض "كنوز الفراعنة" سيشكل حدثا ثقافيا استثنائيا في روما    إعلام إسرائيلى: نتنياهو وجه بالاستعداد لضرب إيران رغم تحذيرات ترامب    «أحد سأل عني» ل محمد عبده تتجاوز المليون مشاهدة خلال أيام من طرحها (فيديو)    "قالوله يا كافر".. تفاصيل الهجوم على أحمد سعد قبل إزالة التاتو    محافظ المنوفية يشهد استلام 2 طن لحوم كدفعة جديدة من صكوك الإطعام    ياسر إبراهيم: بطولة الدوري جاءت فى توقيت مثالي    الإسماعيلى ينتظر استلام القرض لتسديد الغرامات الدولية وفتح القيد    إذا وافق العيد الجمعة.. أحمد خليل يوضح حكم صلاتي العيد والجمعة؟    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلى على غزة إلى 54 ألفا و249 شهيدا    أسوشيتدبرس: ترك إيلون ماسك منصبه يمثل نهاية لمرحلة مضطربة    الدوخة المفاجئة بعد الاستيقاظ.. ما أسبابها ومتي تكون خطيرة؟    استشاري أمراض باطنة يقدم 4 نصائح هامة لمرضى متلازمة القولون العصبي (فيديو)    انطلاق المؤتمر العلمى السنوى لقصر العينى بحضور وزيرى الصحة والتعليم العالى    نائب رئيس الوزراء: العالم أدخل الذكاء الاصطناعي في مراحل رياض الأطفال.. ويجب تعليم الأجيال التعامل مع الابتكار    شاهد.. أول روبوت ينظم المرور في شوارع العاصمة الإدارية    بنمو 21%.. البنك العربي الأفريقي يحقق 3.2 مليار جنيه صافي أرباح بنهاية الربع الأول    ياسر ريان: بيراميدز ساعد الأهلي على التتويج بالدوري.. ولاعبو الأحمر تحرروا بعد رحيل كولر    رئيس الوزراء يصدر قرارًا بإسقاط الجنسية المصرية عن 4 أشخاص    جامعة حلوان تواصل تأهيل كوادرها الإدارية بدورة متقدمة في الإشراف والتواصل    كوريا الجنوبية تخفّض الفائدة لأقل مستوى في 3 سنوات    كل ما تريد معرفته عن سنن الأضحية وحكم حلق الشعر والأظافر للمضحي    حبس شخص ادعي قيام ضابطى شرطة بمساومته للنصب على أشقائه بالموسكي    ماريسكا: عانينا أمام بيتيس بسبب احتفالنا المبالغ فيه أمام نوتينجهام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يمكن محاكمة "البشير" أمام "الجنائية الدولية"؟

أصدرت المحكمة الجنائية الدولية يوم 10 يوليو الجارى بيانا أوضحت فيه أنه فى ضوء تقرير البعثة الدولية فى دارفور وتحقيقات المحكمة والأدلة التى توصلت إليها، فقد أحالت إلى مجلس الأمن كل هذه الوقائع، حيث شرع المجلس بالفعل منذ يوم 10/7 فى نظر الملف كاملاً. أشارت المحكمة إلى أنها تبحث إصدار أمر بضبط وإحضار الرئيس البشير ونائبه لمحاكمتهما، والاستعانة فى ذلك بمجلس الأمن. لقى هذا البيان ترحيباً حاراً من منظمات حقوق الإنسان ومن المواقع الإلكترونية الواسعة التى أنشأتها إسرائيل والأوساط الصهيونية، والجماعات التى أنشأتها لمساندة ضحايا دارفور وترويج معلومات بأن الضحايا يزيد عددهم على ثلث المليون، بينما اللاجئون والمشردون يتجاوزون المليونين والنصف المليون.
هذا التطور الخطير أعقب الإعلان فى منتصف يونيو من جانب المحكمة الجنائية الدولية بأنها تراجعت عن خطة لخطف طائرة أحمد هارون وزير الداخلية السودانى السابق، الذى اتهم وخمسون سودانياً من المسئولين بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1593، والذين أحالهم المجلس إلى المحكمة للتحقيق، وأصدرت قرارها بالاتهام. توازى ذلك مع تصاعد الضغوط الأمريكية على الحكومة السودانية من جميع الاتجاهات، فواشنطن وإسرائيل تساندان انفصال الجنوب، وتحرضان زعيم الجنوب سلفاكير والنائب الأول للرئيس، الذى اتخذ كل الترتيبات لابتزاز حكومة الخرطوم والاستعداد للانفصال فى استفتاء يجرى عام 2011 بدعم أمريكى إسرائيلى لإعادة رسم خريطة السودان والسيطرة على مقدراته البترولية وضرب المصالح المصرية فيه.
ثبت من ناحية ثالثة باعتراف قيادات التمرد فى دارفور علاقة إسرائيل بهم وتسليحهم وفتح مكاتب لهم فيها، ثم كان تجرؤ المعارضة على محاولة قلب نظام الحكم فى الخرطوم بعد أيام من الإعلان عن محاولة قلب نظام الحكم فى تشاد والتوتر الجديد فى علاقات تشاد والسودان.
ولاشك أن هذا التطور الجديد هو قمة الحرب النفسية الأمريكية ضد البشير، وهو عمل يمثل قمة التصعيد منذ إثارة الأزمة فى دارفور بعد ترتيبات السلام بين الشمال والجنوب، وانخراط الحركة الشعبية فى الجنوب فى دعم التمرد فى دارفور والشرق ضد الخرطوم. المعلوم أن هذا التطور لا يمكن قراءته منعزلاً عن المخطط الأمريكى الذى عمد إلى توظيف مجلس الأمن، والآن يوظف المحكمة الجنائية الدولية. ولذلك لا مفر من تحليل أبرز الجوانب القانونية والسياسية وآثارها على مجمل الملف فى دارفور.
أولاً: لا نزاع فى أن الجانب الإنسانى فى المشكلة يستحق الاهتمام، وأنه لا يمكن السكوت على أية جرائم خطيرة ترتكب ضد السكان، ولكن تصعيد الجانب الإنسانى والتركيز على جرائم الحكومة دون المتمردين وعدم الضغط عليهم لتوقيع اتفاق أبوجا الذى وقعته الحكومة أثار التساؤل. وهذا الاهتمام اللافت بالجانب الإنسانى فى دارفور من جانب مجلس الأمن والمحكمة والحكومة الأمريكية، فى الوقت الذى يساندون فيه الإجرام الصهيونى ويسكتون على الإجرام الأمريكى فى العراق وأفغانستان والسجل المخزى لانتهاكات حقوق الإنسان، بل اغتيال حقوق الإنسان المدنية داخل الولايات المتحدة بتواطؤ مجلس الشيوخ الذى أصدر يوم 10/7/2008 قانوناً يوسع صلاحيات الحكومة فى إطلاق يد شركات الاتصالات للتنصت على المواطنين، وهو الاجراء الذى أدانته من قبل المحكمة العليا الأمريكية، بما يؤدى إلى خلل فادح فى بنية النظام السياسى الأمريكى وفساده وعدم صلاحيته لحماية حقوق المواطن الأساسية بذريعة مكافحة الإرهاب الموهوم، فاستغلت الإدارة حمى الخوف التى زرعتها لتسلب حريات المواطنين بحجة حمايتهم وتأمينهم.
فى نفس يوم 10/7/2008 أصدرت محكمة الدرجة الأولى فى لاهاى حكمها فى قضية رفعها ستة آلاف من أسر ضحايا مذبحة سربينتشا فى البوسنة، قررت فيه أن قوات الأمم المتحدة (الهولندية) التى تواطأت مع الصرب بالانسحاب وترك الساحة لهم فى إحدى المناطق المفترض أنها آمنة وتحت سيطرة ما يسمى بقوات الحماية الدولية، هذه القوات وكذلك الحكومة الهولندية تتمتع بالحصانة القضائية.
ثانياً: من الناحية القانونية تتمتع القيادة السودانية بحصانة الدولة، وهو مبدأ مستقر فى القانون الدولى وأكدته محكمة العدل الدولية عام 2003 عندما أصدر القضاء البلجيكى مذكرة توقيف ضد وزير خارجية الكونغو بتهمة ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، فرفعت الكونغو القضية التى صدر بشأنها هذا الحكم الشهير، رغم أننا انتقدناه بسبب جسامة الجرائم التى يمكن الافلات منها بسببه. وقد سبق أن أثير نفس الموضوع عندما اعتزم شارون زيارة بلجيكا فانتظره أمر القاضى بالقبض عليه فى قضية رفعها أهالى ضحايا صبرا وشاتيلا، وثم تعديل المادة 12 من قانون الاجراءات الجنائية البلجيكى لينسجم مع حكم المحكمة السابق.
وقد رد البعض على ذلك بأنه تم القبض على ميلوسوفيتش وهو رئيس يوغوسلافيا وعلى تايلور رئيس ليبيريا، وردى أن القبض على ميلوسوفيتش كان بترتيب حلف الأطلسى استكمالا لحملته غير المفهومة والقصف الجوى لأكثر من شهر للمدن اليوغوسلافية، وهو ما أدانته محكمة العدل الدولية، كما أن القبض عليه لا يعد سابقة طيبة، ثم إنه حدث قبل تأكيد المحكمة لهذا المبدأ. أما تايلور فقد احتالت واشنطن مع نيجيريا لإخراجه من ليبيريا ثم نقضتا الاتفاق معه وقدمتاه للمحاكمة، بصرف النظر عن أنه يستحق الموت أو الحياة.
ثالثاً: صحيح أن المحكمة الجنائية الدولية تستطيع أن تستعين بمجلس الأمن، ولكن الفيتو الروسى والصينى قطعاً فى انتظار أى اقتراح أمريكى بالقبض على البشير، والسند القانونى هو مبدأ حصانة الدولة من ناحية، ومبدأ قيام كل المنظمات الدولية على مبدأ سيادة الدولة. ولماذا لم تستعن محكمة العدل الدولية بمجلس الأمن لإرغام إسرائيل على تنفيذ رأيها الاستشارى - وهو أقوى من الحكم القضائى- فى قضية الجدار العازل؟ واستكانت الأمم المتحدة بضغط واشنطن إلى السكوت على تصرف المحكمة العليا الإسرائيلية التى أبدت كل الاحتقار للمحكمة العالمية فى هذا الصدد.
إننى أهيب بكل المنظمات الحقوقية العالمية والعربية أن تقدم إلى المحكمة بلاغاً بجرائم أمريكا فى العراق وفلسطين وأفغانستان والسجون العسكرية الأمريكية وجرائم إسرائيل اليومية فى فلسطين ومشروعها الصهيونى الذى يعد جريمة مستمرة يساهم العالم كله فى تنفيذها، وكذلك جرائم الإبادة فى لبنان خلال عدوان 2006 الذى انتهى بإدانة الضحية فى القرار 1701 .
رابعاًً: إن سلوك المحكمة الجنائية الدولية السياسى يقطع بأن واشنطن، التى تحتقر القضاء الدولى عموماً والجنائى خصوصا،ً وتحارب هذه المحكمة بطرق لا يتسع المقام لتفصيلها، تسيطر تماماً على عملها، بل إن المحكمة نفسها فقدت المصداقية بعد أن اعترفت بأنها خططت لخطف طائرة أحمد هارون المتهم من جانبها خلال رحلة للحج، فكيف تسوغ المحكمة إحضار منهم بطريق غير مشروع وقد سبق أن أدين حكم المحكمة العليا الأمريكية فى قضايا مشابهة؟! خاصة عندما قبضت السلطات الأمريكية على مواطن مكسيكى مطلوب أمام القضاء الأمريكى، وقبضت على الرئيس نورييجا فى منزله فى بنما وكأنها إحدى الولايات الأمريكية، وهذا يناقض مبدأ أصيلا فى المشروعية القانونية، وهو أن عدم قانونية الإبلاغ أو الإحضار للمتهم يبطل كل الإجراءات القضائية.
هذا الموقف يدفع الدول العربية إلى عدم الانضمام إلى المحكمة، ويهزم كل دعاوى من يكافح لجذب العالم العربى إليها بوهم أنها يمكن أن تحاكم المجرمين الإسرائيليين، وهو طعم لا يجوز للعالم العربى أن يبتلعه.
خامساً: صحيح أن جرائم وقعت فى دارفور، فى سياق الحمى التى خلقها الغرب ومساندته للمتمردين ضد الحكومة، ولكن المتمردين الذين وظفتهم أمريكا وإسرائيل فى حرب سياسية مؤلمة يتاجرون بالقضية ويرتكبون أبشع الجرائم. والحل يجب أن يبدأ بدفع التمرد إلى الانضمام إلى اتفاق أبوجا، ووضع القضية فى إطارها السودانى والأفريقى والعربى، حتى لا يؤدى تهور المحكمة الجنائية إلى انهيار كل رغبة سوادنية فى التعاون فى العملية السلمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.