الثورة حق مشروع للشباب الذى فقد حقوقه السياسية، والمادية» هكذا بدأ الاستشارى الهندسى المعروف حسين صبور، رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين، حديثه مع «الشروق» مشبها ثورة 25 يناير بحرب السادس من أكتوبر، التى نجح المهندسون فيها فى إقامة كبارى لعبور الجيش، فهو يرى أن «الشباب هو الكوبرى الذى عبر كل الشعب المصرى عليه لنجاح هذه الثورة». قبل ثلاث سنوات تحدث الاستشارى الهندسى فى أحد اللقاءات التليفزيونية قائلا إنه يخشى أن يرى المطحونون أنه لا أمل إلا فى ثورة جديدة. ويرى صبور أن ما تخوف منه حدث مع انطلاقة شرارة 25 يناير، والتى كان الفساد أحد أهم أسبابها. فشل الحكومات المتعاقبة «فشلت سياسات الحكومات المتعاقبة فى توفير حد أدنى من الحياة اللائقة، وهو ما دفع الشباب للقيام بثورة 25 يناير»، معتبرا أن حكومة عاطف صدقى كانت آخر حكومة يمكن وصفها بالجيدة، موضحا أنه «بعد تلك الحكومة بدأ عهد الحكومات الفاسدة». ويقول صبور إن سوء التقدير الشديد من النخبة الحاكمة ساعد على نجاح الثورة، واستمرار اشتعالها طوال 18 يوما، حيث تعاملت تلك النخبة «بغباء وعنجهية مع المتظاهرين» على حد وصفه منذ أول يوم للثورة. «لو كانت الدولة قامت بخلع حبيب العادلى، وزير الداخلية السابق، من منصبه من اليوم الأول، لربما تفرقت جموع الشباب فى ميدان التحرير. ويرى رجل الأعمال أن الدولة المصرية تمتلك من القدرات ما يؤهلها للوصول إلى مكانة أفضل من التى يعيش فيها الشعب الآن، ويضرب مثالا بماليزيا التى تولى رئيسها السابق مهاتير محمد منصبه فى نفس الوقت الذى تولى فيه الرئيس السابق حسنى مبارك حكم مصر، حيث «نجح الأول فى أن يصل بدولته إلى أعلى قمم دول شرق آسيا، فى حين وصلت مصر إلى ما هى عليه الآن». ملف الأراضى بئر من الفساد ويضيف صبور أن الفساد فى منح الأراضى «كان يحدث على عينك يا تاجر»، وليس أدل من ذلك إلا على ما حدث فى الطريق الصحراوى، والذى منحت الأراضى على جانبيه بالملاليم، طوال ال20 سنة الماضية على اعتبار أنها أراضٍ للزراعة لتتحول إلى منتجعات للأغنياء، «لو كانت قيادات الدولة شريفة ما كان لأى وزير أن يتورط فى هذه القضية» يتحدث صبور. ويقول رجل الأعمال إن الكثير من أصحاب الشركات التى حصلت على أراضى الصحراوى لم يكن لها أى سابق خبرة فى هذا المجال، من ضمنهم سليمان عامر صاحب السليمانية، والذى كان ضابطا بالقوات الجوية، مضيفا «لم يحصل صاحب منتجع على كل هذه الأراضى، وبهذه الأسعار إلا إذا كان عارف إنه مسنود». ووقائع الفساد فى التربح من الأراضى لا تنتهى، كما يقول صبور فقد كانت هناك مثلا ثلاث شركات مفضلة من وزارة الإسكان، وهى طلعت مصطفى، وبالم هيلز، وبهجت جروب، تم منحها امتيازات فى الحصول على أراضٍ من الوزارة، بأسعار أقل من الأسعار التى تمنح لأقرانهم، «كانت هناك مجاملة لبعض الشركات الخاصة من الوزارة». وقد بدأ فساد كبار رجال الأعمال فى عهد حكومة الجنزورى، كما يرى صبور، والتى أعطت لشركات مملوكة لكبار رجال الأعمال مثل أبوالعينين، وأحمد عز، وساويرس أراضى فى العين السخنة تقدر مساحتها ب 22.5 مليون متر، بسعر 5 جنيهات للمتر، يدفع منها جنيها واحدا كمقدم للأرض، على أن يبدأ هؤلاء سداد قيمة الأرض بعد مرور 10سنوات. أما فى حالات مثل قضية «مدينتى» فإن المشكلة ليست فقط فى الثمن الزهيد الذى أعطيت به الأرض، ولكن فى أن الشركة حصلت على الأرض دون أن تدفع أى مليم، وسمحت الوزارة للشركة بالحصول على أرض المشروع والعمل فيه، على أن تدفع القيمة بعد ذلك بعد أن يكون المشروع خرج للنور، وتكون الشركة استفادت من أموال المواطنين فى البناء وتقوم بعد ذلك بسداد قيمة الأرض، وبالتالى تكون الدولة أعطت الفرصة للشركة فى إقامة مشروع كامل دون دفع أى قيمة، فى الوقت الذى كانت فيه الأراضى تمنح للشركات الأخرى على أقساط، بحيث يدفع صاحب المشروع ربع الثمن كمقدم عند استلام الأرض، تسدد على ثلاث سنوات، لكن مشروع مدينتى بالطريقة التى منح بها يتيح لأى شخص لا يملك أموالا أن يحصل على المشروع ويحقق مكاسب. محاكمة الوزراء السابقين يقول رئيس جمعية رجال الأعمال إن أحد الوزراء الذين تتم محاكمتهم الآن كان معظم مجتمع الأعمال يعرف مدى فساده، إلا أنه لم يكن يتوقع «أن يتورط المغربى فى هذه القضايا لمجاملة أحد أقاربه، وهو المعروف عنه أنه ميسور الحال ويعيش مع زوجته فى قصر على ترعة المنصورية»، أى أنه ليس محتاجا للفساد. ويقدر صبور إخلاص رشيد وزير الصناعة السابق فى عمله، لكنه يرى انه «من المؤكد أنه تعرض لمأزق مع أحمد عز أو لضغط من كبار رجال الدولة، أدخله فى دائرة الاتهام». وبخلاف أمثلة الفساد الصارخة التى كانت واضحة للكثير من المواطنين قبل اندلاع الثورة وما تكشف بعد الثورة، فلا يمكن أن يقبل المجتمع أن تسكت الدولة على كشف وقائع فساد كشفتها دول أخرى، فترفض الافصاح عن أسماء المسئولين عنها، وكأنها تحمى الفساد، مشيرا على سبيل المثال إلى صمت الدولة وامتناعها عن الكشف عن اسم المسئول الكبير، الذى منحته شركة مرسيدس رشوة، وهى الواقعة التى كشفتها الشركة الألمانية السنة الماضية، وكذلك تكتمت الدولة عن المسئول عن واقعة رشوة فيروشتال الألمانية للحديد، «الناس شعرت خلال الفترة الأخيرة بأن الدولة تحمى الفساد، وهو ما زاد من مشاعر الاحتقان لديهم»، تبعا لصبور. ومن ضمن حالات السكوت على الفساد وتمريره، كما يروى صبور، تجاوزات مؤسسات الدولة عن قيام بعض شركات التنمية العقارية، المملوكة لكبار رجال الأعمال المقربين من النظام، والمنتمين إلى الحزب الوطنى بإعادة تقييم شركاتهم من خلال مكاتب محاسبة مصرية وأجنبية بأضعاف قيمتها الحقيقية، خلال السنوات الأخيرة، ليقبل المصريون على شراء أسهمها ب3 أو 4 أضعاف قيمتها. فساد الإسكان يرى صبور أن الدولة خلال السنوات السابقة لم يكن لها سياسة واضحة فما يتعلق بالإسكان، وأن كل وزارة كانت تأتى كانت تتصرف ب«مزاجها»، وأن كل وزراء الإسكان أخطأوا بدءا من الكفراوى الذى تسببت سياساته فى ضياع 100 كيلو على الساحل الشمالى، تم توزيعها على جمعيات تعاونية تخدم أغراضا فئوية، من مهندسين، صحفيين، قضاة، حصلت بموجبها هذه الجمعيات على قروض من البنوك، وتم بناء هياكل خرسانية لا تستغل سوى شهرين فى العام، ولا يدخلها سائح واحد، «ثم أكملت الدولة المصيبة» على حد تعبيره، وأقامت قرى ماراقيا، ومارابيلا، ثم مارينا بهدف السياحة، وهى «مشروعات فاشلة» على حد قول صبور. رجل الأعمال الذى قضى حياته بعيدا عن السياسة «لأنه يؤمن بأن البيزنس والسياسة لا يجب أن يتلازما»، يحكى عن واقعة كان شاهدا عليها تظهر مدى تداخل مصالح البيزنس والسياسة فى تحديد مصير البلاد. يقول صبور إنه دُعى إلى أحد اجتماعات الحزب الوطنى لمناقشة مخطط القاهرة 2050، بصفته استشاريا وليس عضوا بالحزب، وبعد عرض المخطط تحدث رجال الأعمال أبوالعينين، وفريد خميس، ومنصور عامر، رغم عدم دراستهم للتخطيط العمرانى، إلا أن رأى رجل الأعمال منصور عامر صاحب مشروعات بورتو مارينا، والسخنة، أن القاهرة بها الكثير من الأشياء الجميلة ولكن «ينقصها وجود شواطئ»، واقترح أن يشمل المخطط الجديد للقاهرة الكبرى على أن تمتد حدود القاهرة إلى السويس «لتتمتع بوجود شواطئ!» فعلق أحمد المغربى، وزير الإسكان السابق، على كلامه قائلا «لم أكن أعرف أنك شاطر قوى كده يا منصور فى التسويق»، مشيرا إلى أن منصور يملك مشروع «بورتو السخنة» فى العين السخنة بمحافظة السويس. «هنا أدركت كيف تقسم البلد»، يقول صبور. القلق من المستقبل «أنا فى الوقت الراهن متخوف جدا من المستقبل» يتحدث صبور، فحتى الآن الداخلية غير قادرة على إعادة جهاز الأمن، رغم التحفظ على عيوبه السابقة، ومازالت الحساسية بين المواطن والأمن موجودة، وآخرها حادثة اعتداء الضابط فى المعادى على سائق الميكروباص. يقول صبور إنه حزين أن ثورة الشباب الشريفة قفز عليها أصحاب المصالح الضيقة بمطالب فئوية، كمن يريد أن يعين أبناءه فى التليفزيون أو يريد زيادة فى الراتب، أو المظاهرات التى قام بها بعض العاملين بالبنوك، «حتى وإن كان هناك حق لهؤلاء فالوقت ليس فى صالحنا، هذه الأمور ستقضى على الثورة وستعطل الحقوق المشروعة لها، وهى بمثابة ضربة فى ظهر الثورة». صبور يرى أن الحكومة الحالية تتخذ قراراتها ببطء، ويعطى مثالا على هذا البطء بتأخرها فى الإعلان عن المتورطين فى إطلاق الرصاص على المتظاهرين يوم 25 يناير، أو موقعة الجمل. ويعتبر رئيس جمعية رجال الأعمال أن ما يحدث الآن يعد تدميرا للاقتصاد المصرى، فحركة السياحة توقفت وكانت توفر فرص عمل لنحو 24 مليون عامل أصبحوا الآن متعطلين، «وفقدنا أكبر مصدر للموارد كان يدر نحو 13 مليار دولار تقريبا من حركة التصدير التى توقفت، بالإضافة إلى أننا سنفاجأ بدخول مليون عامل قادمين من ليبيا إلى سوق المتعطلين»، مطلوب توفير فرص عمل لهم، مما سيرفع معدل البطالة إلى نحو 20% العام المقبل بدلا من 10% الآن. «كل همى الآن أن نهدأ ونبدأ نعمل حتى تكون هناك دولة» يقول صبور، مختتما كلامه بأن الثورة يجب أن تركز أهدافها فى تحقيق الديمقراطية، وزيادة الدخول، وخلق مزيد من فرص العمل، ولا يجب أن يكون هدفها الوحيد هو محاربة الفساد.