بملامح مختلفة عن صور التحرير التى شغلت العالم فى الأسابيع الأخيرة، وصلوا منهكين بأعلامهم إلى نهاية شارع المراغى بالعجوزة، ثم ألقوا برحالهم أمام مدخل وزارة التضامن. من كل صوب جاءوا: موظفو جمعيات أهلية ترعى أطفال الشوارع، يقولون إن «الفساد هو الذى يرعانا». ومن جمعيات مسئولة عن الإصلاحيات، ومن مديريات التضامن البعيدة، لكن الشعار كان واحدا: يا مصيلحى قول الحق، حنتعين ولا لأ. عبدالتواب محمود يعمل بعقد يمنحه كل شهر 280 جنيها فقط، «عندى 5 أولاد أعمل فيهم ايه، والعلاوة بتاعتى من 92 ما اخدتهاش، وما فيش حاجة تانية غير الأساسى». ناهد من جمعية الدفاع الاجتماعى، التى تدير إصلاحية الفتيات بالعجوزة، كانت الأعلى صوتا بين الجمهور المحتشد، «راتبى 320 جنيها، وشغلنا مش زى حد. نروح النيابة مع البنات، ونقعد معاهم فى المستشفى، ونشرف عليهم فى الأكل والشرب. فى رمضان الناس تفطر فى بيتها، واحنا مع البنات، فى العيد الناس فى بيوتها واحنا فى الشغل، طيب رضينا بالملاليم، كمان ما فيش عقد». المسنة صاحبة الملامح والملابس الريفية التى تقف بعيدا عن الصراخ هى فاطمة السيد رمضان، من معهد التنمية الاجتماعية بالفيوم. تدلى بعبارة واحدة تلخص كل شىء: باشتغل بعقد من سنة 85، يعنى بقى لى 25 سنة وراتبى 240 جنيها، ينفع؟. يضيف مجدى وهيب باسيلى، زميلها فى الجمعية التى تعمل فى جبل الزينة بالفيوم، أنه يعمل أمين مخازن ومسئولا عن شئون العاملين والشئون الإدارية والتسكين، «وراتبى 150 جنيها آخرها والله العظيم». يقدم أحدهم صورة للعقد «الباطل» بتعبيره، يشير إلى خانة الراتب، «بنمضى على 100 جنيه راتب، مكتوبة بالرصاص، وعرفنا إنهم بيبعتوها للجهاز المركزى 500 جنيه، وياخدوا الفرق». يصرخ جاره أن وزارة المالية استجابت لطلبات التعيين، لكن وزير التضامن لا ينفذ. يقول: اللواء عبدالحكيم مساعد الوزير أبلغنا أن نص تأشيرة الوزير كانت «لا مانع عندما يصدر قرار المالية». وزير المالية قال إنه أصدر القرار، ووزيرنا يقول لسه، فمن يكذب علينا بالضبط؟ اللواء عبدالحكيم حمودة، أحد مساعدى الوزير مصيلحى، كان يقف بنفسه وسط مجموعة أخرى قريبة، «معاكم موبايلى وتقدروا توصلوا لى فى أى وقت، بس عايز الناس تدخل معايا جوه عشان نتفق». المسئول قال ل«الشروق» إنه سيسعى لحل كل المشكلات، «أنا سامع وقاعد معاهم، وفيه قرارات بكل مطالبهم، والمشكلة دلوقتى فى فهم القرارات. قرارات وزير المالية ستطبق عندما تصل إلينا. هناك عقود بها إجحاف، وسننظر فيها». يقول الرجل للغاضبين: استنوا شوية. ترد سيدة: بعتنا مذكرة لحضرتك كام مرة؟ أجيب لك صورة منها حالا؟ سألها: بعد 25 يناير ولا قبلها؟ ردت باستغراب: يعنى كل حاجة بقت من 25 يناير؟ قال اللواء بهدوء: آه. عاد السؤال الغاضب: والعشر سنين اللى اتبهدلنا فيها؟ وبهدوء أيضا قال: عشان تحاسبينى أنا، لازم الطلبات دى توصلنى أنا. سألت السيدة ساخرة: وهو احنا بنقدر ندخل الوزارة؟ كانت دائرة الهتاف خارج الحوار تماما، تكرر هتافها الذى نسخته من ميدان التحرير: «على الصوت، اللى حينطق مش حيموت».