رئيس صحة النواب يكشف موعد إصدار قانون المسؤولية الطبية    محافظ القليوبية يفتتح موسم حصاد القمح ويتفقد الوحدات الإنتاجية في كلية الزراعة بجامعة بنها    وزير النقل: تشغيل التاكسي الكهربائي الأربعاء المقبل في العاصمة الإدارية    لقطات فيديو توثق قصف الاحتلال لحي الصبرة جنوب غزة وتدمير برج لعائلة الأشرم    وزير التموين: إطلاق 7 قوافل مساعدات لغزة تحمل 615 طناً (صور)    «القاهرة الإخبارية»: مستوطنون يشعلون النار في محيط مقر الأونروا بالقدس    وزير الشباب: القيادة السياسية حدودها السماء في تطوير الرياضة    نتائج منافسات الرجال في اليوم الثاني من بطولة العالم للإسكواش 2024    الدوماني يعلن تشكيل المنصورة أمام سبورتنج    ضبط وكر لتصنيع المخدرات في مدينة بدر    «الأرصاد» تكشف حقيقة وصول عاصفة بورسعيد الرملية إلى سماء القاهرة    «سنرد في الوقت المناسب».. أول بيان رسمي من مركز تكوين بعد حملة الهجوم عليه    رئيس صحة الشيوخ: نقف دائمًا إلى جانب حقوق الأطباء    رئيس حزب الاتحاد: مصر صمام الأمان للقضية الفلسطينية    اجتماع لغرفة الصناعات الهندسية يكشف توافر 35% من مستلزمات صناعات الكراكات بمصر    التنمية المحلية: استرداد 2.3 مليون متر مربع بعد إزالة 10.8 ألف مبنى مخالف خلال المراحل الثلاثة من الموجة ال22    وزيرالمالية: الرئيس السيسي يشدد على صون الأمن الاقتصادي لتحسين معيشة المواطنين    الحفاظ على زيزو.. ماذا ينتظر الزمالك بعد نهائي الكونفدرالية؟    عقوبة استخدام الموبايل.. تفاصيل استعدادات جامعة عين شمس لامتحانات الفصل الدراسي الثاني    البابا تواضروس يدشن كنيسة "العذراء" بالرحاب    بعد ثبوت هلال ذي القعدة.. موعد بداية أطول إجازة للموظفين بمناسبة عيد الأضحى    قرار جديد من القضاء بشأن محاكمة المتهم بقتل 3 مصريين في قطر    ضبط المتهمة بالنصب والاحتيال على المواطنين في سوهاج    في محكمة الأسرة.. حالات يجوز فيها رفع دعوى طلاق للضرر    محافظ أسوان: توريد 137 ألف طن قمح من النسبة المستهدفة بمعدل 37.5%    تسلل شخص لمتحف الشمع في لندن ووضع مجسم طفل على جاستن بيبر (صور)    اللجنة العليا لمهرجان المسرح المصري تجتمع لمناقشة تفاصيل الدورة ال17    باسم سمرة يكشف سر إيفيهات «يلا بينا» و«باي من غير سلام» في «العتاولة»    الإمارات تهاجم نتنياهو: لا يتمتع بأي صفة شرعية ولن نشارك بمخطط للمحتل في غزة    استشاري تغذية علاجية يوضح علاقة التوتر بالوزن (فيديو)    إحالة العاملين بمركز طب الأسرة بقرية الروافع بسوهاج إلى التحقيق    وزيرة التضامن تشهد عرض المدرسة العربية للسينما والتليفزيون فيلم «نور عيني»    المفتي يحسم الجدل بشأن حكم إيداع الأموال في البنوك    «صفاقة لا حدود لها».. يوسف زيدان عن أنباء غلق مؤسسة تكوين: لا تنوي الدخول في مهاترات    منها المهددة بالانقراض.. تفاصيل اليوم العالمي للطيور المهاجرة للبيئة    تشكيل مانشستر سيتي – تغيير وحيد في مواجهة فولام    التنمية المحلية: تنفيذ 5 دورات تدريبية بمركز سقارة لرفع كفاءة 159 من العاملين بالمحليات    بسبب «البدايات».. بسمة بوسيل ترند «جوجل» بعد مفاجأة تامر حسني .. ما القصة؟    جدول ترتيب الدوري الإنجليزي قبل مباريات اليوم.. فرصة مانشستر سيتي الذهبية للصدارة    ضرب الشحات «قلمين».. اعلامية تكشف شروط الشيبي للتنازل عن قضيته (فيديو)    وزير الصحة: تعليمات من الرئيس السيسي لدعم أطباء مصر وتسخير الإمكانيات لهم    وزير الأوقاف: هدفنا بناء جيل جديد من الأئمة المثقفين أكثر وعيًا بقضايا العصر    بعد وصفه ل«الموظفين» ب«لعنة مصر».. كيف رد مستخدمي «السوشيال ميديا» على عمرو أديب؟    رئيس هيئة الرعاية الصحية يتفقد المستشفيات والوحدات الصحية بالأقصر    مصرع مهندس في حادث تصادم مروع على كورنيش النيل ببني سويف    جهاز المنصورة الجديدة: بيع 7 محال تجارية بجلسة مزاد علني    توريد 164 ألفا و870 طن قمح بكفر الشيخ حتى الآن    شروط وأحكام حج الغير وفقًا لدار الإفتاء المصرية    «الصحة»: نتعاون مع معهد جوستاف روسي الفرنسي لإحداث ثورة في علاج السرطان    حادثة عصام صاصا على الدائري: تفاصيل الحادث والتطورات القانونية وظهوره الأخير في حفل بدبي    الشيبي يهدد لجنة الانضباط: هضرب الشحات قلمين الماتش الجاي    مجلس الأمن يدعو إلى إجراء تحقيق مستقل وفوري في المقابر الجماعية المكتشفة بغزة    كرم جبر: أمريكا دولة متخبطة ولم تذرف دمعة واحدة للمذابح التي يقوم بها نتنياهو    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تقصف منزلًا في شارع القصاصيب بجباليا شمال قطاع غزة    عمرو دياب يحيى حفلا غنائيا فى بيروت 15 يونيو    هل يجوز للمرأة وضع المكياج عند خروجها من المنزل؟ أمين الفتوى بجيب    رسائل تهنئة عيد الأضحى مكتوبة 2024 للحبيب والصديق والمدير    هل يشترط وقوع لفظ الطلاق في الزواج العرفي؟.. محام يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القارىء يوسف حمدان يكتب: ثورة شباب مصر تعرّي نفاق الغرب
نشر في الشروق الجديد يوم 13 - 02 - 2011

من أهم النتائج التي حققتها ثورة مصر الديمقراطية حتى الآن أنها أزاحت القناع عن وجه الغرب الحقيقي، فإذا بنا أمام لوحة رديئة، رسمت ملامحها بألوان النفاق.
فمنذ عقود، أصبحت الديمقراطية سلعة غربية، يتفاخرون بها ويبيعونها في كل سوق. يضعونها في علب زاهية الألوان ويعرضونها في المعارض الدولية. يستعملونها وسيلة للضغط والابتزاز وبسط الهيمنة، وباسمها يقسّمون العالم إلى محاور للشر وأخرى للخير، وتحت رايتها يحركون دبابات الغزو والاحتلال.
على مدى أربعة عقود، سيطرت على مصر مجموعة صغيرة من الحكام والتجار والشرطة. نهبت البلد وما فيه، وحولته إلى موطن للفقر المدقع لأغلبية الشعب، وللثراء الفاحش للزمرة الحاكمة. حولته إلى معسكر لقمع أبسط حقوق الإنسان والحريات الأساسية. وفرضت عليه قوانين طوارئ دائمة، في ظلها سلطت على الشعب قطعان الشرطة العلنية والسرية وعصابات إجرامية أجيرة. حرمت الشعب من كرامتة ومن حقه في التعليم والعمل والصحة، ومن حقه في التعبير والتنفس الحر. صار موت الشباب في أقبية التعذيب أمرا عاديا، وصار الخبز اليومي للكثرين من المصريين مهمة شاقة، وأحيانا مستحيلة. وفي مصر الأبية، بات الأحياء يشاركون الموتى في مراقدهم.
وفي أثناء ذلك، أطل علينا دعائيو الحزب الحاكم من شاشات الفضائيات، وقدموا لنا خطابات مفعمة بالعجرفة عن استقرار مصر وديمقراطية مصر، وقالوا لكل من انتقد دكتاتورية الحكم واستبداده بأنه يتطاول على مصر، وعلى عظمة مصر، وعلى استقرار مصر وديمقراطيتها المزعومة. وذكّرونا بأنهم يتحدثون باسم مصر العظيمة، ومصر الحضارة، وبأنها أكبر من أن يتطاول عليها الصغار.
ثم قام شباب مصر وتداعوا للوقوف في ميدان التحرير حاملين يافطة بسيطة كتبوا عليها: نعم للكرامة. لا للجوع. نعم للحرية. لا للاضطهاد. وخلال أيام، جاء 25 كانون الثاني/ يناير، فصار النبع جدولا، وصار الجدول نيلا، وصار النيل بحرا هادرا. وتحول الغضب إلى أنبل ثورة سلمية ديمقراطية في التاريخ المعاصر.
حب الغرب للديمقراطية، جعلك تتصور أنك ستفتح عينيك على مقرات الحكم في الغرب وبرلماناته ومؤسساته، لتراها غاصة بأناس يرقصون ويذرفون دموع الفرح. فها قد حانت الساعة التي طال انتظارها. أخيرا، جاءت الديمقراطية تدق أبواب مصر. هاهم شباب مصر يقودون ثورة سلمية ديمقراطية. هاهم يرددون صدى صيحات شباب تونس الذين خلعوا الدكتاتور العتيق. هاهي الديمقراطية تمتد إلى رحاب أوسع وتدق جذورها في أراض جديدة.
حب الغرب للديمقراطية جعلك تتصور أن ذلك الغرب تملّكته مشاعر الإعجاب، وظلت عيونه شاخصة إلى الشباب والفتيات في ميادين مصر وهم يقدمون أنفسهم قرابين على مذبح الحرية والديمقراطية. وجعلك تتصور أن الغضب تملّكهم وهم يشاهدون آلة القمع الوحشي تحاول إطفاء نور الحقيقة، وتحطم وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، وتعتدي على الصحفيين والصحفيات، وتطلق الحيوانات البشرية وغير البشرية لتفترس طلاب الحرية من شباب مصر وفتياتها. وجعلك دفاع الغرب عن الديمقراطية تتصور أن حكامه سيدينون الطاغية وسيشيدون بثوار مصر الشرفاء، الذين استقبلوا الرصاص بصدور عارية وفضلوا الموت بكرامة على حياة الذل.
كان طبيعيا لكل من تابع خطاب الغرب المتغني بالديمقراطية أن يتصور كل ذلك وأكثر من ذلك. ولكن ثورة مصر فتحت العيون على حقيقة مغايرة تماما.
عقدت الرئيسة الجمهورية الجديدة للجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأمريكي، إلينا روس ليتنين، جلسة استماع حول تقصير المخابرات الأمريكية في توقع ثورة شباب مصر. وقالت أنه "ينبغي للسيد مبارك أن يحدد موعدا لإجراء انتخابات شرعية ديمقراطية ومعترف بها دوليا" وأضافت قائلة "ينبغي للولايات المتحدة أن تتعلم من أخطائها السابقة وأن تدعم عملية يشارك فيها مرشحون يفون بمعايير قادة الدول المسؤولة - مرشحون ينبذون الإرهاب علنا ويدعمون سيادة القانون، ويعترفون بمعاهدة السلام بين مصر ودولة إسرائيل اليهودية". وحيال هذا الكلام، لا بد للمرء أن يسأل، ما دامت الولايات المتحدة هي التي ستحدد معايير المرشحين ونتائج الانتخابات، لماذا تجري الانتخابات أصلا؟ وإذا كان السيد مبارك، الذي ثار الشعب المصري لإسقاط نظامه الدكتاتوري، هو الذي يجب أن يجري الانتخابات، ألا يعني ذلك أن الانتخابات في مصر لكي تكون "ديمقراطية" يجب أن تعبر عن إرادة الولايات المتحدة وليس عن إرادة الشعب المصري؟
أما رئيس الكونغرس الأمريكي الأسبق، نوت غينغريتش، الذي يطمح إلى ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية القادمة، فقد أعرب عن قلقه من ثورة مصر وحذر من إمكانية أن "تنضم مصر خلال الأسابيع القادمة إلى إيران ولبنان وغزة". ومن جانبه، أعرب عضو الكونغرس الديمقراطي أنتوني وينر، عن قلقه من "الديمقراطيات العربية ...التي تنتخب أعداءً لإسرائيل". الديمقراطية إذا غير مقبولة إلا إذا فصلت على أساس مصالح إسرائيل وليس على أساس مصالح شعوب المنطقة.
ومن الرئيس أوباما إلى وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، ومن نائب الرئيس بايدين إلى قادة الديمقراطيين والجمهوريين، تحدث الجميع عن الديمقراطية وإرادة الشعب، وفي الوقت ذاته، دعموا الرئيس مبارك. ولما تبين أن ثورة الشعب المصري لم تتراجع، ولم تنجح كل أساليب قمعها، تحول الدعم من الرئيس مبارك إلى عمر سليمان. وفي غمرة التناقض الفاضح في الحديث عن الديمقراطية ودعم النظام في الوقت ذاته، تجلت وتأكدت الحقيقة الناصعة بأن السياسة التي تعبر عنها كل التصريحات تستند إلى أساس واحد وهو مصلحة إسرائيل. وبما أن حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية ستبدأ في العام القادم، أصبح الولاء للمؤسسات الصهيونية المختلفة في الولايات المتحدة أهم هدف في ساحة التنافس السياسي. وقد لوحظ أن جميع أعضاء الفريق الذي قدم النصح للبيت الأبيض بشأن التطورات في مصر هم من الصهاينة المعروفين، وضم الفريق صهاينة بارزين من المحافظين الجدد في إدارة بوش السابقة.
ولعل شباب مصر لا يتذكرون هينري كيسنجر، الذي كان أنور السادات يسميه "العزيز هنري"، والذي ارتبط اسمه بمذابح شعوب أمريكا اللاتينية وإندونيسيا وغيرها في سبعينيات القرن الماضي، فقد نصح العزيز هنري الرئيس أوباما بأن يدعم "الديمقراطيين" في مصر، ولكن بهدوء وبطء، وبدون أن يبدو المشروع في مصر مشروعا أمريكيا، لأن الشعب المصري معروف بعزة النفس. وحرصا منه على ضرورة العمل بهدوء، لم يذكر كيسنجر عمر سليمان بالإسم.
وكما في الولايات المتحدة، كذلك في أوروبا، كان تأييد النظام في مصر بحاجة إلى ذريعة. غير أن هذه الذريعة جاهزة دائما في الغرب. فخطر "التطرف الإسلامي" هو العدو المناوب منذ سقوط المنظومة الشيوعية. وفجأة أصبح الإخوان المسلمون خطرا داهما على مستقبل مصر والغرب. ولم يشفع للحزب نبذه العلني والمتكرر للعنف، فرسموا له صورة مخيفة، رغم أنه التحق بالثورة الشعبية السلمية ولم يكن مبادرا ولا قائدا لها. وكأنهم في الغرب لم يلاحظوا بأن ثورة مصر ثورة شعبية يشارك فيها كل أبناء الشعب المصري من، المسلمين والمسيحيين على حد سواء. وكأنهم لم يلاحظوا بأن الأمة العربية بأسرها، بكل طوائفها وأطيافها، تقف إلى جانب الشعب المصري، الذي استرد كرامته واسترد لها كرامتها.
وفي لندن ظهر أستاذ جامعي معروف بمواقفه الصهيونية، دافيد سيزراني، في ندوة تلفزيونية، فذهب في تخويفه من ثورة شباب مصر السلمية إلى حد الترويج لفكرة أن تنتهي ثورة ميدان التحرير في القاهرة بمذبحة لا تبقي ولا تذر، وأشار إلى أن نهاية ميدان تيانانمين في الصين هي النهاية المنشودة في القاهرة. فهل لقيت دعوته لذبح الشعب المصري المسالم شيئا من الاستهجان والاستنكار؟ كل ما سمعناه أن مستشارا سابقا لتوني بلير، وهو ماثيو تيلور، الذي شارك في الندوة، وصف كلام الأستاذ بالشجاع (ذا تيليغراف، 7/2/ 2011).
هكذا تجلت الحقيقة كما يتجلى الوجه القبيح بعد أن أذابت أشعة الشمس الحارقة كل ما كساه من مساحيق التجميل. فشكرا لشباب وفتيات مصر. شكرا لشهداء الثورة النبيلة، الذين لم يرفعوا الحجاب عن وجه نظام مبارك الديكتاتوري القمعي فحسب، بل كشفوا أيضا خدعة الغرب، الذي يدّعي الدفاع عن الديمقراطية ويحاول تجميل وجهه بمساحيق النفاق والجبن. ولن ينفع الغرب هذا النفاق. فأبناء مصر، أم الدنيا، يرسمون بدمائهم وعرقهم صورة الكرامة الإنسانية، ويصنعون بسواعدهم تاريخ مصر، ويغيرون وجه المنطقة والعالم.
يوسف حمدان
إعلامي عربي مقيم في الولايات المتحدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.